هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
أطلقت الكاتبة السويسرية من أصول تونسية، والتي تعيش بين تونس وسويسرا، رجاء صبطة العمري، 26 عاماً، سلسلة كتب للأطفال بعنوان 'أمي، بابا، احكيولي على…'، تتناول قضايا اجتماعية وتربوية. صدر الكتاب الأول في السلسلة، بعنوان "ما هو الرضا؟"، في ربيع 2025، بينما كانت لاتزال طالبة ماجستير في السياسة والإدارة العامة بجامعة لوزان. وقد نُشر الكتاب بثلاث لغات: الدارجة التونسية، الفرنسية، والإنجليزية، إضافة إلى نسخة بالبرايل (لغة للمكفوفين) وأخرى بلغة الإشارة وصيغة صوتية، ليستهدف الأطفال من سن الرابعة فما فوق.
في ما يلي حوار أجرته معها لويز أورات:
كتاب "ما هو الرضا؟" هو باكورة السلسلة، على أن تتبعه عناوين أخرى تتناول قضايا مثل الفساد والحيوانات السائبة وإعادة التدوير والتنوع البيئي. لماذا وقع اختيارك على الرضا ليكون البداية؟
في تونس، يمرُّ المجتمع بتحولات عميقة، لكن قلّما نلتفت إلى انعكاساتها على الأطفال. لاحظتُ فراغاً كبيراً في التوعية بمسألة العنف الجنسي ضد الصغار، وهو موضوع ما يزال من المحرّمات، ليس فقط في تونس، بل حتى في سويسرا وفرنسا، حيث يبقى الحديث عن سفاح القربى أو العنف الأسري شديد الصعوبة.
فكرتي الأولى كانت تعليم الأطفال قول "لا". موضوع الرضا حساس، لذلك اخترتُ معالجته بشكل غير مباشر، عبر قضايا مثل التحرش والاعتداء الجنسي والعنف الأسري، لكن بلغة مبسطة تناسب أعمارهم.
كلّ كتاب في هذه السلسلة يتضمن رسائل بيئية ونسوية ومناهضة للاستعمار. كثيرون نصحوني بالبدء بموضوع "خفيف"، غير أن كتاب "ما هو الرضا؟" يشكّل الأساس للمشروع كله، لأنني لا أستطيع أن أساعد الأهل والمربين على غرس مفاهيم التنوع واحترام الآخر والحفاظ على البيئة والحيوانات السائبة، من دون أن أعلّم الأطفال أولاً احترام ذواتهم.
القصة تقوم على أسئلة يطرحها البطلان الصغيران، مثل: "كيف أعرف أنني أريد أن أسحب رضاي؟ ماذا أفعل إذا اقتحم أحدهم خصوصيتي؟ كيف جاءت فكرة هذا الكتاب؟
استغرق العمل على هذا الكتاب ثلاث سنوات. وقد تعاونتُ خلاله مع الدكتورة خديجة بوغاية بقبق، الطبيبة النفسية المتخصّصة بالأطفال، لضمان محتوى ملائم للفئة العمرية المستهدفة. في لقائنا الأول، أوضحت لي أن أنجع طريقة لمعالجة القضايا المعقدة هي إفساح المجال أمام الأطفال لطرح أسئلتهم بأنفسهم، ومن خلال تلك الأسئلة يُبنى الحوار. هذه الفكرة كانت المنهجية الأساسية التي ارتكز عليها المشروع.
لا يمكنني أن أساعد الأولياء أو المربّين على غرس مفاهيم التنوع واحترام الآخر والحفاظ على البيئة والحيوانات السائبة، ما لم أعلّم الأطفال أولاً احترام ذواتهم.
إلى جانب ذلك، شاهدتُ ساعات طويلة من الوثائقيات حول العنف الجنسي والرضا، واستعرت نحو ثلاثين كتاباً من المكتبة، استخلصت منها قرابة 70% من الأسئلة التي قد يطرحها الأطفال. ومع تقدّم العمل ظهرت حاجات جديدة، لذلك لم يقتصر الكتاب على القصة فقط، بل أضفنا قسماً يتضمن قائمة بأرقام الجهات المختصة، ودليلاً عملياً للآباء والأمهات، إضافة إلى جزء تفاعلي يتيح للأطفال رسم مواقف لم يُحترم فيها رضاهم.

كان من المهم بالنسبة لك أن تقدّمي كتاباً شاملاً ومتاحاً لقاعدة واسعة من القراء. وقد صدر بثلاث لغات: الدارجة التونسية، الإنجليزية، والفرنسية، إضافة إلى نسخة بلغة الإشارة، وأخرى خاصة بالمكفوفين (برايل)، فضلاً عن نسخة صوتية. هل يختلف المحتوى بين هذه النسخ أم أنه موحّد؟
المضمون واحد في جميع النسخ، مع أن النسخ الصوتية أكثر وضوحاً بعض الشيء نظراً لغياب الصور. الكتاب موجّه أساساً للجمهور التونسي، لكنه ملائم لأي طفل من ثقافة غير غربية، فالطفلة ذات الحاجب الموصول والشعر المجعّد لا تمثل فقط الفتيات التونسيات.
كما سعيتُ لتخليد عناصر من الثقافة التونسية التي لم يعد الأطفال اليوم يتعرفون إليها، مثل الوشوم الأمازيغية التي كانت تزيّن وجوه الجدّات.
هذا الكتاب مشروع تونسي بالكامل. كنت أرغب في إحداث تغيير في مجال أدب الطفل في تونس، إذ عندما كنت صغيرة، لم أرَ كتباً جميلة موجهة للأطفال التونسيين. والسبب منطقي: إنتاجها مكلف جداً ويتطلب جهداً كبيراً، ولا يحقق أرباحاً. في مكتبة الشباب في لوزان، حيث نشأت، كانت الكتب المتاحة لي ملوّنة ومقوّاة ومتينة ومتنوعة المواضيع، بينما عند زيارتي لتونس، لم أكن أجد سوى كتب صغيرة قليلة الجودة، بلا ألوان وبلا جاذبية. لذلك أردت أن أغيّر هذا الواقع.
من الناحية التقنية، كان إصدار هذا الكتاب في تونس إنجازاً كبيراً من حيث الموازنة بين الجودة والسعر. لكنه سيُصدَّر أيضاً إلى الخارج، ويُسعدني رؤية أسماء عربية على رفوف كتب الأطفال، التي عادةً ما تهيمن عليها دور نشر ومؤلفون غير عرب.
سلسلة "أمي، بابا، احكيولي على" مشروع طموح. ذكرتِ أيضاً فكرة توزيع الكتاب مجاناً على الجمعيات، فهل تلقيتِ دعماً مالياً خارجياً لتحقيق ذلك؟

لا، لم أتلقَّ أي تمويل. عشت على الأرز لأشهر، ونمت على الأرض بلا سرير، وكنت بلا مال. بدأت المشروع قبل أربع سنوات، وأنهيت دراستي في شباط/ فبراير 2025. أول راتب حقيقي حصلت عليه كان في آيار/ مايو من العام نفسه، وقبل ذلك كنت أتنقل بين وظائف طلابية متعبة وتدريبات مختلفة.
لم أرغب أبداً في أن يعمل أحد معي من دون مقابل. بالعكس، كنت حريصة على أن يتقاضوا أجوراً أعلى من المتوسط، وكنت أعمل ليلاً ونهاراً لتحقيق ذلك. عُرضت عليّ تمويلات، لكنها كانت مرتبطة بصراعات جيوسياسية أو مصادر لم أرغب بالارتباط بها.
إلى حد الآن، مولت المشروع من مالي الخاص. وأطمح لاحقًا أن يُموَّل ذاتياً من عائداته. قد يكون المشروع خاسراً مادياً، لكنه بالنسبة لي "هدية لبلدي". وحتى أتمكن من إحداث تغييرات أعمق عبر دراستي ومساري المهني، لا أستطيع أن أبقى مكتوفة اليدين.
كيف كان التفاعل بعد بيع النسخ الأولى؟
بصراحة، لم أتوقع هذا النجاح. في تونس، غالباً ما تتوفّر كتب للتسلية أكثر من كتب تعليمية عميقة تركز على القيم. عند إطلاق الكتاب في معرض تونس الدولي للكتاب، قلت لنفسي: "إذا بعنا ثلاث نسخ يومياً طوال أربعة أيام سأكون سعيدة"… لكننا بيعنا 55 نسخ.
الأجمل من ذلك كانت ردود الفعل. على سبيل المثال، اشترت أم الكتاب لتقرأه مع ابنتها، وعندما وصلتا إلى النشاط التفاعلي، رسمت الطفلة نفسها في الحمام. فسألتها أمها عن معنى الرسم، فكشفت الصغيرة أنها لم تكن مرتاحة للطريقة التي لماستها بها "الحارزة" (الموظفة المختصة بتنظيف الزبونات والتمسيد في الحمام). بهذه الطريقة، تمكنت الطفلة من التعبير بالكلمات عن موقف محرج لم تجرؤ على الحديث عنه سابقاً. بالنسبة لي، هذا التبادل وحده يثبت أن الكتاب حقق هدفه، وأتخيّل أن هذا الكتاب سيمكن الطفلة لاحقاً من التعرف على المواقف الخطرة قبل أن تتطور إلى مشكلات جدية.




























