هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
في صباح يوم صيفي، ظهرت علامتا الخطّين المتوازيين على اختبار الحمل المنزلي الذي أجرته سناء*. لم تُطِل التفكيرن فبدأت فورًا تبحث عن عيادات خاصة في إسبانيا لإنهاء حملها طوعًا.
وخلال أقل من أسبوع، تمكّنت من الاتفاق مع عيادة خاصة في إحدى مدن الجنوب الإسباني. جمعت هي وزوجها حقائبهما، وسافرا ليومين لإجراء إجهاض دوائي تحت رعاية طبية شاملة، وبشكل قانوني وآمن. تقول سناء: "كلّفني هذا الإجراء الطبي نحو 300 يورو، إضافة إلى مبالغ غير كبيرة لتذاكر الطيران الاقتصادي وإقامة ليلتين في الفندق."
المستوى الاقتصادي والاجتماعي لسناء، البالغة من العمر 32 سنة، تشغل منصباً عالياً بشركة خاصة، يُعد امتيازًا لا تحظى به كثير من النساء المغربيات. ففي بلد ما زال يجرّم الإجهاض، تجد النساء أنفسهن أمام مخاطر مضاعفة، من بينها الملاحقة القضائية بموجب القوانين التي تجرّم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
في المغرب، ينصّ الفصل 449 من القانون الجنائي على أن: "من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حُبلى أو يُظنّ أنها كذلك، برضاها أو بدونه، سواء تم ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أيّة وسيلة أخرى، يُعاقَب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة تتراوح بين مئتي وخمسمئة درهم. وإذا نتج عن ذلك موتها، فالعقوبة هي السجن من عشر إلى عشرين سنة".
وينصّ الفصل 450 من القانون الجنائي المغربي على أنه: "إذا ثبت أن مرتكب جريمة الإجهاض يمارس الأفعال المشار إليها في الفصل السابق بصفة معتادة، تُرفَع عقوبة الحبس إلى الضعف، وتتراوح عقوبة السجن بين عشرين وثلاثين سنة إذا نتج عن تلك الأفعال وفاة".
عيادات طبية سرية تبدأ تكاليف الإجهاض بها من 400 يورو
يُعتبَر الإنهاء الطوعي للحمل حقًا من حقوق المرأة الإنجابية، وتطالب بإلغاء تجريمه العديد من الفعاليات النسوية والحقوقية. وتزداد هذه النداءات إلحاحًا في ظل اضطرار النساء المغربيات إلى اتباع طرق غير آمنة لإنهاء الحمل، ما قد يعرّضهن لمضاعفات صحية خطيرة، مثل النزيف الداخلي الحاد، والعدوى البكتيرية، والعقم الدائم، وقد يصل الأمر إلى الوفاة.
ووفق نتائج بحث سري أجرته الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري سنة 2009، تُسجَّل في المغرب أكثر من 600 حالة إجهاض سري يوميًا. ويجري الأطباء، من اختصاصيي أمراض النساء والممارسين العامّين والجراحين، ما بين 500 و600 من هذه الحالات في السر، فيما تُجرى بين 150 و200 حالة يوميًا في ظروف غير صحية على يد ممرضات أو قابلات.
أظهرت دراسة تحليلية أعدّتها الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة حول الإجهاض غير الآمن سنة 2016 وجود ما بين 5 و8 حالات إجهاض لكل ألف امرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و44 عامًا، أي ما يعادل نحو 50 إلى 80 ألف حالة سنويًا. وتشير الدراسة إلى أن عمليات الإجهاض السري تتسبب في 4.2 في المئة من وفيات الأمهات، إضافة إلى 5.5 في المئة من الوفيات الناجمة عن مضاعفات ما بعد الولادة.
وبسبب حساسية موضوع الإجهاض السري داخل المجتمع المغربي، وما يحيط به من وصم اجتماعي قوي، يواجه المجتمع المدني صعوبات كبيرة في جمع المعطيات أو إعداد دراسات دقيقة. فمعظم هذه الحالات تتم في الخفاء، كما تتجنب كثير من النساء مشاركة تجاربهن خوفًا من الملاحقة أو التعرض للمساءلة.
يدفع الخوف من العار ونظرة المجتمع كثيرًا من النساء إلى اللجوء لطرق تقليدية لإنهاء الحمل، مثل شرب منقوع أعشاب مُجهِضة تُشترى من العطارين
يدفع الخوف من العار ونظرة المجتمع كثيرًا من النساء إلى اللجوء لطرق تقليدية لإنهاء الحمل، مثل شرب منقوع أعشاب مُجهِضة تُشترى من العطارين، أو اقتناء عقاقير مستوردة بطرق غير قانونية عبر صفحات التواصل الاجتماعي واستعمالها بشكل فردي، أو التوجه إلى عيادات طبية سرّية تبدأ تكاليف الإجهاض فيها من 400 يورو.
سارة*، 28 عامًا، صحافية، كانت واحدة من هؤلاء. اختارت الذهاب إلى إحدى العيادات النسائية السرية في وسط الرباط. تقول: "الطريق من مدخل العمارة إلى باب الشقة كان محاطًا بكاميرات مراقبة، تجنّبًا لأي مداهمة أمنية. الطبيب في الأصل اختصاصي نساء، ويجري هذه العمليات داخل إحدى الغرف رفقة ممرّض تخدير وعدد من المساعدات."
وتضيف: "أخبرني الطبيب أنني في أسبوعي الثامن، ويمكنني إجراء الشفط تحت تخدير كلي في اليوم التالي، بشرط ألا أكون مفطّرة. لم أستطع الاحتفاظ بالجنين وأنا غير متزوجة، فاضطررت إلى إجراء العملية داخل غرفة تفتقر لأدنى معايير الصحة والرعاية الطبية، وتحت ضغط نفسي كبير خوفًا من أي اعتقال جماعي."
وضع مثل هذا يتسبب في الكثير من الوفيات، مثل وفاة طفلة في الرابعة عشرة من عمرها قرب مدينة ميدلت بعد إجراء عملية إجهاض سري، قامت بها مولدة داخل منزل الشاب الذي غرر بالطفلة، واستمر في استغلالها جنسيًا. هذه القضية أعادت الجدل في سنة 2022 حول تجريم الإجهاض.
وتداولت الصحف الوطنية في الأيام الأخيرة خبر وفاة سيدة في الثلاثينيات من عمرها، بعد تناولها أقراصًا مهرَّبة مخصَّصة لعلاج التهاب المفاصل، تُعرَف بأحد آثارها الجانبية المسبّبة للإجهاض. فقد تعرّضت الضحية لنزيف حاد إثر استخدام الدواء دون أي متابعة طبية، في حين صدر حكم بالسجن خمس سنوات على الطبيب الذي اكتفى بذكر اسم الدواء لها شفهيًا.
حق الإجهاض الآمن في مواجهة التجريم والتمييز
تؤكد الناشطة النسوية سعيدة كوزي أن المسؤولية الكاملة تقع على عاتق القوانين التي تدفع النساء والفتيات إلى اللجوء إلى الإجهاض السري. وتتابع قائلة: "إن كثيرًا من النساء في المغرب يعشن أوضاعًا اجتماعية واقتصادية هشّة تتجلى في التعرض للعنف والتمييز، وانتشار الأمية، وانعدام المساواة، إضافة إلى إفلات المغتصبين والشركاء الحميميين من العقاب… فالمعاناة تبدأ قبل حدوث الحمل، وتستمر إلى ما بعد الولادة."
ويتقاطع هذا الوصف مع حالة جيهان*، 24 عامًا، عاطلة عن العمل، التي دفعتها هشاشتها الاجتماعية إلى تعريض نفسها لمخاطر كبيرة عبر اللجوء إلى خلطات شعبية ووصفات يُعتقَد أنها تحفّز الرحم على طرد الحمل. فاضطرت في أسابيعها الأولى إلى استهلاك كميات كبيرة من مسكنات الألم ممزوجة بمنقوع أعشاب عطرية، وهي ممارسات قد تسبب نزيفًا حادًا أو حالات تسمم خطيرة.
وقبل أن تنتهي من احتساء مشروبها، بدأت جيهان تشعر بخفقان متسارع، فسارعت إلى التقيؤ. ولم تنجح في إنهاء حملها في النهاية، إذ لم تكن قادرة على تحمل تكاليف إجراء عملية سرية، فاضطرت إلى مغادرة منزل أسرتها والفرار إلى مدينة أخرى. هناك، وجدت ملاذًا لدى جمعية نسوية تُوفّر الإيواء للأمهات العازبات وتساعدهن على رعاية أطفالهن.
تؤكد عاطفة تمجردين، نائبة رئيسة الجمعية المغربية للنساء من أجل الديمقراطية، أن: "لجوء النساء إلى الإجهاض ليس قرارًا عابرًا أو نزوة، بل خيار صعب تفرضه إكراهات معقدة، من بينها الفقر والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، والحرمان من الحقوق الأساسية كالحق في التعليم والحياة الكريمة، إضافة إلى العقلية الذكورية التي تفرض وصاية المجتمع على أجساد النساء وتقيّد حريتهن في الاختيار."
لجوء النساء إلى الإجهاض ليس قرارًا عابرًا أو نزوة، بل خيار صعب تفرضه إكراهات معقدة
أما فاطمة*، 33 عامًا، فكانت أمام واقع أكثر تعقيدًا. فقد كشف الفحص بالموجات فوق الصوتية وجود كيسين جنينيين في رحمها، ما يعني أنها حامل بتوأم. كان هذا الوضع غير قابل للاستمرار بالنسبة لها، نظرًا لعملها كمساعدة منزلية براتب محدود، وعمل زوجها الموسمي، إضافة إلى مسؤوليتها عن طفلين صغيرين. أصيبت بحالة شديدة من الذعر والقلق، فبدأت تُجَهِّد جسدها وتمتنع عن الأكل، ودخلت في وضع نفسي صعب. لم يكتمل الحمل في النهاية بسبب انفصال جزئي للمشيمة، لتفاجأ في أسابيعها الأولى بنزيف مهبلي أدى إلى فقدان الحمل بشكل مفاجئ.
وفي هذا الصدد، يشكّل تجريم الإجهاض في القانون الجنائي المغربي، وفق ما صرّحت به سعيدة، عامل ضغط كبيرًا على الأطباء والطبيبات؛ إذ يرفض/ت بعضهم/ن إجراءه حتى في الحالات التي يتيحها القانون، أي عندما تكون حياة الأم في خطر شديد، أو في حال وجود تشوّهات خطيرة في الجنين لا تسمح له بالعيش بعد الولادة. كما يحرم هذا التجريم الجمعيات النسوية من تقديم الخدمات والدعم الذي ترغب في توفيره للنساء الساعيات إلى إنهاء حملهن.
وتؤكد الناشطة النسوية عاطفة تمجردين أن: "رفع التجريم عن جميع حالات الإجهاض الطبي الذي تختاره المرأة بإرادتها الحرة هو الحل لضمان حقها في إجهاض آمن وصحي. وهذا يستلزم مراجعة شاملة لمنظومة القانون الجنائي، بما يعكس فلسفة خالية من التمييز والذكورية، وينسجم مع الدستور الذي ينصّ على تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، إضافة إلى الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب".
المبادرة الملكية بشأن الإجهاض في عام 2015
قبل عشر سنوات، أعلن الملك محمد السادس عن إعداد مشروع قانون لإصلاح التشريعات المتعلقة بالإجهاض في المغرب، في خطوة اعتبرتها منظمة العفو الدولية فرصة فريدة لنزع الصفة الجنائية عن الإجهاض، وتحسين أوضاع النساء والفتيات وتمكينهن من الخضوع له بطريقة سليمة وآمنة.
وقد أمر العاهل المغربي حينها بتشكيل لجنة تضمّ وزير العدل والحريات، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لإطلاق مشاورات واسعة بهدف مراجعة القوانين المنظمة للإجهاض في المملكة.
وبعد شهرين، خلصت اللجنة إلى السماح بالإجهاض في ثلاث حالات: عندما يشكّل الحمل خطرًا على حياة الأم، وعندما يكون ناتجًا عن الاغتصاب أو زنا المحارم، وكذلك في حال اكتشاف تشوّهات خلقية خطيرة أو أمراض صعبة تهدد حياة الجنين.
وبحسب الإجراءات المعمول بها في التشريع المغربي، أُحيل مشروع القانون إلى الحكومة التي صادقت عليه سنة 2016. غير أنه ظلّ منذ ذلك الحين يراوح مكانه داخل لجنة العدل والتشريع في البرلمان، وهي اللجنة التي تتولى إعداد مشاريع القوانين قبل عرضها للتصويت.
تقول سعيدة كوزي: "للأسف، كانت هناك محاولة سنة 2015 لتوسيع قاعدة المستفيدات من الإجهاض، لكن مشروع القانون ظلّ حبيس ردهات البرلمان إلى أن جرى سحبه سنة 2021." وتضيف: "لاحقًا، أعلن وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن عزمه إدخال إصلاحات شاملة على المشروع، لكن تلك التصريحات لم تُترجَم إلى أي نتائج ملموس".
وتواصل الناشطة استرجاع تفاصيل تلك المرحلة، مشيرة إلى لقاءات عدّة حضرتها، من بينها لقاء مع وزير العدل بعد سحب المشروع الجنائي، والذي، كما تقول، لم يتضمّن أي مقتضيات تخصّ الإجهاض أو حماية حقوق النساء ضحايا الحمل غير المرغوب فيه.
وتخلص كلٌّ من سعيدة وعاطفة إلى أن شيئًا لم يتغيّر منذ ذلك الحين، وأنه لا توجد إرادة فعلية لإيجاد حل قانوني لهذا الإشكال، رغم ما تتعرض له النساء من أشكال العنف المختلفة في سعيهن لإيقاف حمل غير مرغوب فيه.
متى يصبح الإجهاض قضية صحية بعيدًا عن العقوبة الجنائية؟
تواصل العديد من الجمعيات الحقوقية منذ سنوات طويلة الضغط من أجل رفع تجريم الإجهاض، مطالِبةً بحماية النساء من أي سوء معاملة بسبب سعيهن لإيقاف حملهن. وترى هذه الجمعيات أن التجريم لا يمنع حدوث الإجهاض، بل يدفع النساء إلى اللجوء لطرق غير آمنة أو حلول باهظة الثمن.
التجريم لا يمنع حدوث الإجهاض، بل يدفع النساء إلى اللجوء لطرق غير آمنة أو حلول باهظة الثمن
وفي هذا السياق، تؤكد سعيدة كوزي على ضرورة إخراج قضية الإجهاض من نطاق القانون الجنائي، واعتبارها مسألة طبية تخضع لوزارة الصحة. وتتفق عاطفة تمجردين مع هذا الطرح، موضحة: "الطبيب هو الجهة الوحيدة القادرة على تقييم الحالات التي تستدعي الإجهاض الطبي، مع التأكيد على أهمية مواءمة التشريع الوطني مع الالتزامات الدولية، ولا سيما ما تنصّ عليه منظمة الصحة العالمية بشأن حقوق النساء في الصحة الإنجابي".
تعود سناء بذاكرتها سنتين إلى الوراء، وتروي كيف كانت محظوظة بحصولها على رعاية طبية خاصة خلال رحلتها القصيرة إلى إسبانيا. تقول: "لكل النساء الحق في أن يكنّ صاحبات القرار فيما يتعلق بصحتهن وأجسادهن، دون تدخل أي طرف آخر". ثم تضيف: "أعتقد أن الإجهاض يجب أن يكون خيارًا آمنًا ومتساويًا للجميع. لا ينبغي أن تسافر امرأة ميسورة إلى الخارج، بينما تُضطر أخرى لابتلاع أعشاب خطيرة أو اللجوء إلى طرق مشبوهة… وتُترك لمواجهة الخوف والألم وحده"
أما جيهان، فبفضل مشروعها المنزلي لصناعة الحلويات، باتت اليوم قادرة على توفير مصدر دخل بسيط، مستفيدة من الورشات التي تقدمها الجمعية. ورغم تعلقها بابنها، ما يزال شعور بالغصّة يلازمها لأنها لم تتمكن من إنهاء حملها في بدايته. وتقول: "أحب ابني ولن أتخلى عنه مهما حصل، لكنني لم أكن يومًا مقتنعة بحملي… ليس خطئي أن أقراص منع الحمل لم تجدِ معي حينها. على السلطات الصحية أن توفر لنا حلولًا تضمن حقنا في الاختيار".
وترى الشابة العشرينية أن غياب الحلول أجبرها على الاختيار بين حياة آمنة إلى جانب أسرتها، وحياة سرية محفوفة بالهشاشة والوصمة الاجتماعية. وتقول: "لماذا يجب أن نواجه السجن أو الموت لمجرّد أننا لا نريد الاستمرار في الحمل؟ إن القوانين التي تجرّم الإجهاض لا تمنعه، بل تدفع النساء إلى ممارسته في الظل".
*اسم مستعار
تم إنجاز هذا المقال بدعم المكتب التونسي لمؤسسة "روزا لوكسمبورغ".





























