صورة من حملة «بالتراضي مش بالعافية» الإلكترونية التي أطلقها مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي.
رقية فريد
خلال فترة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة ابتداءً من 25 نوفمبر، وهو اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، إلى 10 ديسمبر أطلق "مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي"، الذي تأسس في مصر عام 2016، بهدف نشر الوعي حول قضايا النوع الاجتماعي والحد من العنف ضد النساء والفتيات ، حملته لتسليط الضوء على جريمة الاغتصاب الزوجي.
و في هذا السياق سعت حملة "بالتراضي مش بالعافية" إلى كسر الصمت المحيط بجريمة الاغتصاب الزوجي، وإعادة تعريف الرضا الجنسي داخل إطار الزواج باعتباره حقًا أصيلًا لا يسقط بعقد. وتركّز الحملة على تفكيك الخطاب الاجتماعي والقانوني الذي يبرر الإكراه الجنسي تحت مسميات مثل واجبات الزوجية وحق الطاعة، مؤكدة أن الزواج لا يمنح حصانة ضد المساءلة ولا يبرر انتهاك الجسد أو إنكار إرادة النساء. كما تفتح الحملة نقاشًا عامًا حول الفراغ التشريعي في القانون المصري، وتدعو إلى الاعتراف الصريح بالاغتصاب الزوجي كجريمة، بما يضمن حماية النساء، ومحاسبة الجناة، ووضع تجارب الناجيات في صلب أي مسار قانوني أو مجتمعي يسعى لتحقيق العدالة.
تفكيك شرعنة العنف الجنسي باسم الزواج
ركّزت حملة "بالتراضي مش بالعافية" على إعادة تعريف العلاقة الرضائية بين الأزواج، وترسيخ مفهوم الموافقة بوصفه شرطًا أساسيًا لأي علاقة جنسية، مع كسر قدسية الممارسات التي تبرر العنف الجنسي داخل إطار الزواج من خلال رسائل مباشرة مثل: "بنفكّركم إن أي علاقة جنسية من غير تراضي كامل تُعد اغتصابًا، حتى لو كانت بين اتنين متجوزين".
كما شددت الحملة على أشكال العنف التي غالبًا ما تُمهّد لجريمة الاغتصاب الزوجي أو تصاحبها، مثل الابتزاز العاطفي كالتهديد المستمر بالطلاق أو الزواج مرة أخرى أوالعنف المادي، إضافة إلى الترهيب بالعقاب الإلهي وتوظيف النصوص الدينية كأداة للضغط، وهي ممارسات تُستخدم لإخضاع النساء وإجبارهن على الصمت، بما يعزّز استمرار الجريمة. وكشفت الحملة أن 6% من النساء المصريات اللاتي سبق لهن الزواج تعرّضن للاغتصاب الزوجي.
تتحدث "أمل فهمي" المديرة التنفيذية "لمركز تدوين" في حوارها مع "ميدفيمينسوية" عن الصدمة التي أحدثها المصطلح نفسه، موضحة أن الزواج يُنظر إليه اجتماعيًا بوصفه علاقة ذات قدسية، وهو ما جعل ربطه بكلمة "الاغتصاب" أمرًا مستفزًا للبعض. وتضيف أن مفهوم الاغتصاب الزوجي موجود منذ وقت طويل، لكنه ظل محصورًا داخل دوائر حقوقية محدودة، بينما بدا جديدًا وصادمًا لقطاعات واسعة من المجتمع عند طرحه علنًا بهذا الوضوح.
وتوضح أن بعض الرجال يشعرون بأنهم يفقدون مكتسبات اعتادوا اعتبارها حقوقًا مكتسبة، من بينها السيطرة على الجسد داخل الزواج. وتشير إلى أن هذا الشعور يتغذى على خطاب ديني شعبوي يخلط بين العيب والحرام، ويُوظَّف لتبرير ممارسة العلاقة الجنسية دون موافقة، ما يجعل طرح مفهوم الموافقة والاغتصاب الزوجي بالنسبة لهم تهديدًا مباشرًا لآخر مناطق النفوذ التي يعتقدون أنها لا تزال تحت سيطرتهم.

الدعم مقابل خطابات الكراهية من تيار «المانوسفير»
حققت الحملة نجاحا واسعًا طوال فترة ال16 يوم وانقسم التفاعل الكبير عليها مابين مؤيدين لحق المراة في الرفض , وما بين خطابات الكراهية من حسابات ومجموعات "المانوسفير" التى شنت حملات هجومية واسعة على منشورات الحملة استهدفت منشورات الحملة ومحاولاتها لفتح نقاش عام حول الاغتصاب الزوجي. ووصلت الحملة إلى نحو 7 ملايين شخص عبر منصات تدوين فقط، كما أُعيد نشر محتواها وتداوله على صفحات أخرى لفاعلين ومستخدمين داعمين، ما ساهم في توسيع دائرة النقاش وتعزيز حضور الحملة خارج نطاق منصاتها الرسمية.
وتضيف أمل فهمي أن فريق الحملة لم يتوقع هذا الحجم من الصدى، ولا الهجوم الإلكتروني العنيف الذي تعرضوا له، مشيرة إلى أن الحملة واجهت هجومًا منظمًا من حسابات وهمية ، استخدمت خطابًا موحدًا قائمًا على السباب والتشويه، وهو ما اعتبرته دليلًا على أن الحملة "أصابت هدفًا حقيقيًا".
وتوضح أن هذا الهجوم أثّر على تفاعل النساء بشكل مباشر، إذ خافت كثيرات من التعليق العلني خشية التعرض للإساءة والملاحقة على حساباتهن الشخصية، ما أدى إلى تراجع أصواتهن داخل صفحات الحملة. في المقابل، لجأت العديد من النساء إلى دعم الحملة عبر إعادة نشر المحتوى والتعبير عن آرائهن على صفحاتهن الخاصة.
وتؤكد فهمي أن فريق "مركز تدوين" يسعى إلى الموازنة بين توفير مساحة رقمية آمنة للنساء، وبين الانخراط في نقاش عام مع الآراء المخالفة، مشددة على أن الاشتباك يظل ممكنًا مع أصحاب الآراء الحقيقية، بينما لا يتم التعامل مع الحسابات الوهمية التي لا تقدم رأيًا بقدر ما تمارس الإهانة والتحريض.
البُعد القانوني
في مصر، لا يُعد الاغتصاب الزوجي جريمة جنائية مستقلة، إذ لا تنطبق المادة 267 من قانون العقوبات على الزوج، بينما تُستخدم المادة 60 لاستبعاد العلاقات الجنسية داخل الزواج من نطاق التجريم. ولا يُعترف بالاغتصاب الزوجي كجريمة مستقلة في قانون العقوبات. فرغم أن المادة 267 تنص على معاقبة كل من اعتدى جنسيًا على أنثى بغير رضاها بالإعدام أو السجن المؤبد، فإن تطبيقها يقتصرعلى الحالات التي تقع خارج إطار الزواج.
وفي السياق نفسه، تُستخدم المادة 60 من قانون العقوبات لاستبعاد الإكراه الجنسي داخل الزواج من نطاق التجريم، باعتباره فعلًا يُرتكب “بنية سليمة” تنفيذًا لحق مُقرّر بمقتضى الشريعة، وهو ما يوفّر غطاءً قانونيًا لاعتباره من “الحقوق الزوجية”. ويُعزّز هذا الوضع اعتماد قانون الأحوال الشخصية على مفاهيم مثل حق الزوج في “المتعة”، بما يُبقي الإكراه والعنف الجنسي داخل الزواج دون اعتراف أو حماية قانونية واضحة للنساء.

صرح المحامي الحقوقي "عمرو محمد" في "مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي" في حديثه مع "ميدفيمينسوية" بأن الأمل ضعيف في أن يتحرك البرلمان لتجريم الاغتصاب الزوجي، لكنه أشار إلى أن الضغط المستمر وتقديم مشاريع قوانين وحملات ستستمر "حتى يأتي اليوم الذي يتم فيه تجريم هذا الفعل".
وأضاف أن محاولات تجريم الاغتصاب الزوجي بدأت منذ عام 2016 ضمن مشروع القانون الموحد لمناهضة العنف ضد المرأة، موضحًا أن الموضوع صعب أن يكون له اقتراح مستقل بسبب اعتراضات على المصطلح وفكرة التجريم، حيث يرى البعض أن عقد الزواج يبيح هذا السلوك، وبالتالي لا يمكن معاملة الزوج مثل المغتصب الخارجي. وقال: "نحاول معالجة هذه النقطة ضمن مشروع القانون الموحد الذي طرحناه".
وأشار عمرو إلى أن المشروع تقدم للبرلمان لكنه لم يُناقش، قائلاً: "هناك من يرى أن لدينا مواد كافية في قانون العقوبات وقوانين أخرى، ولا حاجة لقانون موحد، لكن الواقع غير ذلك ".




























