ورد روكز
بعد بضعة مواعيدٍ غرامية، تجرأتْ الشفاه على قبلة تجاوزتْ الخدين ووصلت لمناطق أكثر حميمية. وجدتُ نفسي مع رجل أكُنُّ له انجذاباً جنسياً لا بأس به. لا أعتبر هذا الانجذاب إنجازاً كبيراً، لكنني نادراً ما وصلت إلى هذه الحالة بسبب الفشل في علاقاتي السابقة والمخاوف الناتجة عن ذلك. وسط هذا التخبط، بين التمنّع والطلب، يسقط سؤال شريكي فوق رأسي كالصاعقة: "إنت شو بتحبي بالسكس؟".
مخاوفي من جسدي
كيف أجد الشجاعة لأشارك شريكي مخاوفي حول جسدي؟ كيف أعترف بأنني لا أعرف ما الذي أفضله؟ أو بالأحرى، لم أشعر بالراحة في أيّ علاقة حتى الآن لأتمكن من اكتشاف ما أحبُّ وما أكره.
أمتلك جسداً يعشق المداعبة ويتوق إلى القُبل، يحتفظ في حواسه بروائح الشريك وفي ذاكرته بذكراه. لكن هذا الجسد يرتعد خوفاً أمام القُبل التي تتسلل من الخد إلى العنق، نافضةً قشرة البراءة المخادعة، ويرتعب عند وعود اللذّة أو إمكانية تحوّل الجسد من متلقٍ إلى مستقبل، ومن مُشاهدٍ إلى فاعلٍ جريء.
ربما هذا ما يحدث عندما نبقى، كفتيات، بعيداتٍ عن أجسادنا، فتحذّرنا عائلاتنا والمجتمع، منذ الصغر، من خطر الجسد وضرورة الحفاظ عليه من الرغبة والجنس، فينقلب على نفسه، وينقبض في اللحظات التي يجب أن ينفتح فيها متحولاً إلى حاجزٍ يفصلنا عن أنفسنا وعن الآخر.
يعيش جسدي حالة من الذهول والنكران في الوقت نفسه، ينبع الذهول من رعشة مريحة تشبه سكونَ ما قبل العاصفة، أما النكران فهو رفضٌ لعاصفة محتملة، ومحاولة لتطويع العقل الذي يرفض هذه اللحظات الحميمة، رغم توق الجسد لها.
كيف أجد الشجاعة لأشارك شريكي مخاوفي حول جسدي؟ كيف أعترف بأنني لا أعرف ما الذي أفضله؟ أو بالأحرى، لم أشعر بالراحة في أيّ علاقة حتى الآن لأتمكن من اكتشاف ما أحبُّ وما أكره.
يطلب جسدي ويرفض، يتمنى ويأبى، يشتهي ويزدري، يتقلب بين رغبته في الاستسلام وخشيته من الاقتراب، في صراع مستمرّ على السرير، في قرارة نفسه، وبينه وبين جسد الشريك، يجوب كلّ الاحتمالات، يتأملها دون أن يختار أياً منها، يسير في كلّ الاتجاهات دون أن يتحرك، يخوض المعارك كلها، لكن ترعبه فكرة أن تمسّه شوكة أو قُبلة!
عن معايير الرغبة والجسد
أعتقد أن كثيرات يواجهن ما أعيشه من مخاوف نحو جسدي، يُفترض أن تكون أجسادنا ملكاً لنا وجزءً من رحلتنا في الحياة، لكنها تتحول إلى عدوٍّ نخافه. لا أعلم إن كانت حالة رفض الجنس هذه سترافقني إلى الأبد، هل سأتمكن يوماً من التعامل مع هذا الرفض الذي يبدو جسدي غير قادرٍ على تخطيه؟
أدرك تماماً أن لديّ أسباباً وجيهة تجعلني أخشى جسد الآخر إلى حدّ الرفض، لكن هذه الأسباب المنطقية غالباً ما تتداخل مع أسباب أخرى اختلقتها لتبرير خوفي، والذي أحبُّ أن أمنحه عناوين عريضة مثل: "معايير الرجل المثالي"، "تفضيلاتي في السرير"، "توفّر الجو المناسب"، وهي معايير وفي حال توافرها، لا تمنح جسدي الراحة أو تتيح له إقامة علاقة جنسية كاملة، إنما تدفعه لإيجاد "معايير" جديدة والبحث عن "ظروفٍ" أفضل، وكأني في حالة هربٍ دائمة من نفسي ومن الآخر.
المشكلة ليست في جهلي بمفهوم اللذّة أو كيفية الوصول إليها، بل في عدم معرفتي بجسدي وتفضيلاته الحقيقية، وهي معايير لا ترتبط بتلك التي اختلقها للامتناع عن اللذة والابتعاد عن الحبيب. أدخل طوعاً في علاقات "شبه جنسية"، أبدأ العلاقات بدافع اكتشاف جسدي، وسرعان ما أرتعش خوفاً وأوقفها في وضعيات حميمية للغاية، فأنسحب كالمقامرة الخاسرة التي لم تعد تمتلك المال الذي راهنت به، وتُمضي ما تبقى من حياتها هاربة من دين تعجز عن سداده، ومن طاولة لعب ولاعبين يفرضون عليها شروطهم.
وكما يفرض السرير والشريك شروطهما على جسدي، أجد نفسي مضطرة للمراهنة بدافع الاستكشاف، لأخسر في كلّ جولة رهانين: رهانٌ أمام الشريك الذي أفقد في نظره أنوثتي، ورهانٌ أمام السرير الذي غدا مسرحاً لإخفاقاتي المتكررة وشاهداً على جُبني وانسحابي التكتيكي.
عن جسد ورغبة الشريك
دفعني الإحراج والخسارة الدائمين إلى تزييف نشوتي، أغمض عينيَّ وأتأوه مراراً وأتنفس بسرعة ثم أعلنها كإعلان نهاية حرب وتوقيع الهدنة: "انتهيت!". لتبدأ المهمة الأصعب، وهي فروغ الطرف الآخر من ممارسة الجنس.
أستمرُّ بالتمثيل خلال الفترة التي تسبق نشوة الشريك، أمارس التأوهات والمداعبات والقُبل ذاتها، أكرر أوتوماتكياً الحركات التي حفظتها عن ظهر قلب.
هذه المرحلة هي الأصعب، إذ أُضطَرُّ إلى إخفاء شعوري بالغثيان من جسد الآخر ورغبتي في الهرب، متظاهرةً بالاستمتاع. لكن الأسوأ من كلّ ذلك، هو اعتقاد الطرف الآخر أن استمراره دليلٌ على قدراته الجنسية العظيمة، دون أن يدرك أن إمكانياته تضيع سدى مع فتاة ترغب في إنهاء العلاقة بسرعة.
أؤمن بأنه لا يمكن لأي شريك أن يفهم جسد الآخر ما لم يفهم جسده أولاً، لكني أجد في الوقت ذاته أنه من المستحيل فهم جسدي دون تقبّل جسد الآخر، وإقامة علاقة جنسية كاملة أو شبه كاملة معه، لأصل في النهاية إلى السؤال ذاته: لماذا يبدو جسدي والعلاقات معقدة إلى هذا الحد؟
تمرّ كلّ هذه الأفكار في ذهني في غرفة مغلقة تشتعل بحرارة الصيف وحرارة الجسد قبل أن يوقظني سؤال شريكي: "إنت شو بتحبي بالسكس؟"، لأردَّ بكل سذاجة: "بحبك أنت". أختار هذا الجواب لأني عاجزةٌ عن قول الحقيقة، لا يمكنني الاعتراف بأني لا أعرف "شو بحب بالسكس".




























