هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: English (الإنجليزية)
كانت بمنتهى الجدية، كأنها تقول لمريض بالقلب "عليك أن تقلع عن التدخين حتى لا تموت!"، باللهجة الصارمة ذاتها نظرت في عيني وقالت "عليك أن تقلعي عن الخبز الأبيض"، تنهّدت ثم أضافت "مدام".
حدث ذلك بعد الحجر الصحي و"كورونا"، إذ زاد وزني في تلك الفترة بسبب المكوث في المنزل وقلة الحركة. في الواقع الكيلوغرامات الخمسة التي كان علي أن أخسرها ما زالت في مكانها صامدة، وما زلتُ أحاول، لكن بلا جدوى.
المشكلة أن الحمية غالباً ما تعني كبح المتعة، ومعاداة الخبز الأبيض بكل ما يعنيه ذلك من حرمان من المعجنات والمناقيش اللبنانية الشهية والشيش برك والبيتزا و"الساندويشات" المحمّصة على المدفأة في هذا البرد، هذه المعاداة تعني أن نمنع أجسامنا عن الاستمتاع و"اللهو الغذائي"، من أجل أن نطابق الصورة التي نريدها عن أنفسنا، وكأننا أدينا الواجب المطلوب منا كنساء. وهكذا نواصل حياتنا في محاولة خسارة الوزن، ولستُ متأكدة حقاً إن كان للأمر علاقة برغبتنا الحقيقية حيال ذلك، وإن كنا حقاً منزعجات من الكيلوغرامات التي زادت هذا الشتاء أو ذاك الصيف، أم أننا نفعل ذلك إرضاء لشخص آخر ربما!
. صديقاتي تخيّلن عالماً لا تعليقات فيه حول الوزن، ولا قوانين اجتماعية تحكم علينا من بطوننا أو أردافنا، تخيّلن أن نستطيع الاستمتاع بطلاقة، وقد نقرّر مثلاً أن نقلّص عدد الوجبات السريعة أسبوعياً، ليس خوفاً من أحد، ولا من أجل إرضاء محرّك "إنستاغرام" للأجسام الرائدة المثالية، بل فقط لأننا نريد ذلك ولأننا نحب أن نبقى بصحة جيّدة!
إنها مهمّة شاقة أن تعيش النساء طوال الوقت وليس لشهر أو أسبوع، في محاولة إثبات انتمائهنّ إلى نموذج المعدة الممسوحة والسيقان النحيفة والأرداف غير المتشققة. والمشكلة أننا من حيث لا ندري نمضي حياةً كاملة في المحاولة، وحين تؤرقنا نسويتنا، قد نقول إننا نفعل ذلك من أجل صحة أفضل. ربما إنه ضمير ذكوري شرير وغير واثق بنفسه، لا يتوقف عن تأنيب النساء طوال الوقت، وإصدار الأحكام عن أشكالهنّ وأوزانهنّ، وهو ضمير يسمح لنفسه في كل يوم في فتح محاكمة حول أحقية النساء في الاستمتاع وحبّ الذات كما هي، بكل ما تحويه من اختلافات وتنوعات وجنون. فجملة واحدة قد تتسبب في تدمير يوم كامل وأحياناً أكثر، "نصحانة"، "زاد وزنك!"، "توقفي عن الأكل!"، "أصبحت كبقرة، كبرميل"، "عليك بالريجيم"، "مارسي رياضة".
مرعبة الأشكال المثالية التي نريدها عن أنفسنا، والتي تتجه حد دفع البعض نحو حقن إبر تذويب الدهون والتي قد لا تكون آمنة أو ممارسة الرياضة بشكل مرضي أو الخضوع لجراحات خطيرة، أو اتباع حميات غذائية غير صحية تقوم على الحرمان، الحرمان فقط! بما يعنيه ذلك من كره واحتقار لكل وجبة برغر أو منقوشة جبنة استمتعنا بها برفقة من نحب مثلاً، أو اشتريناها على عجل فيما كنا ذاهبات إلى موعد مملّ، فسرقنا من الزمن لحظة واستمتعنا!
لا أنوي التشجيع على البرغر أو على كل ما هو مصنّف كأطعمة غير صحية، لكنني أفكّر بما يمكن أن نخسره نحن النساء إذا واصلنا الانصياع إلى هذه القوانين الصارمة التي تريدنا بأجسام موحّدة، "مثالية" طوال الوقت، لا زوائد فيها، ولا تتأثر بأي ظروف نفسية أو صحية أو حتى عاطفية واقتصادية. صديقاتي تخيّلن عالماً لا تعليقات فيه حول الوزن، ولا قوانين اجتماعية تحكم علينا من بطوننا أو أردافنا، تخيّلن أن نستطيع الاستمتاع بطلاقة، وقد نقرّر مثلاً أن نقلّص عدد الوجبات السريعة أسبوعياً، ليس خوفاً من أحد، ولا من أجل إرضاء محرّك "إنستاغرام" للأجسام الرائدة المثالية، بل فقط لأننا نريد ذلك ولأننا نحب أن نبقى بصحة جيّدة!