هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
ما بين النفي والقبول، وتحقيق التقدّم والشهادة على التراجع، تبدو المحصّلة النهائية لوضع الحقوق الجنسية والإنجابية للنساء في بلدان البحر المتوسط مُقلقة جداً. ففي الضفة الجنوبية منه، ووفق ما تشير إليه شبكة روسة RAWSA في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المقال الذي كرّسناه لها، وحدها تونس تسمح بالإجهاض من دون مخاطر، من حيث المبدأ، ممّا يفسّر على الصعيد الإقليمي العدد المرتفع للوفيات بسبب المضاعفات التي تحصل للنساء سنوياً في البلاد التي يكون الإجهاض فيها ممنوعاً، وبالتالي غير آمن.
في الجزائر، تظهر شهادات الطالبات الشابات التي جمعتها غانيا خليفي حالة الرعب والعزلة والمخاطر التي تواجهها المرأة لكي تتدبّر وحدها، وفي جوّ تجريمي للإجهاض، إيقاف الحمل غير المرغوب.
إن كان إيقاف الحمل بشكل طوعي مسموحاً بشكل واسع في أوروبا الجنوبية، فإنه لا يزال ممنوعاً ويُعاقب عليه بشدة في دول أوروبية أخرى، من بينها جزيرة مالطا، حيث يجرّم القانون النساء والأطباء معاً، كما جاء في مقال هيلينا غريش.
في المقابل، في إيطاليا حيث الإجهاض مشرّعاً منذ عام 1978، يُسجّل العدد المتزايد للأطباء المتحجّجين/ات "بالضمير" من أجل تبرير رفضهم إجراء عمليّات الإجهاض أو الإشراف عليها. ووصل المعدّل الوطني الوسطي للمُستنكفين/ات ضميرياً إلى 70%، وفق ما جاء في تقرير الصحافيّة مونيكا لافرانكو.
في تركيا، يبدو السيناريو أسوأ. فعلى الرغم من أن الإجهاض في البلاد مُشرّع منذ 1983، فإن الوصول إليه محفوف بالمخاطر. في هذا الإطار، كتبت أوفغو بينار: "عندما بادرت ناشطات من ملجأ "السقف القرمزي للنساء" إلى الاتصال بالمستشفيات العامة في اسطنبول في عام 2015 للسؤال عمّا إذا كان بالإمكان إجراء عمليّات إجهاض فيها، لم تشكّل الإجابة بنعم أكثر من واحد على عشرة من عدد هذه المستشفيات العامة". لا بل أن الرئيس رجب طيب أردوغان بنفسه سبق أن صرّح وبصوت عال وصارم أنه يعتبر "الإجهاض جريمة".
ليس تطبيق الحقوق الجنسية والإنجابية حيادياً أبداً، كما تلاحظ الكاتبة اللبنانية كالين نصرالله. ففي مقالها التحليلي حول نشأة سياسة تحديد النسل والتحكّم بالولادات، وفي سعيها للإجابة عمّا إذا كان هذا التحكّم حقّاً بالفعل أم استراتيجية سياسية، تنظر الكاتبة في الاستخدام التمييزي لهذا الحقّ الذي تستغلّه السلطات عادةً لتخفيض عدد الولادات ضمن المجموعات المهمّشة وغير المرغوب بها (مثل مجتمع الفلسطينيات، والسوريات، والمهاجرات). أمّا بالنسبة إلى اللبنانيات، فيبقى الإجهاض الآمن ممنوعاً بشكل مطلق.
بالعودة إلى إيطاليا، تبيّن فيديركا آراكو كيف يتحكّم المنطق الأبوي البطريركي بالعقليّات والتصرّفات اتجاه النساء اللواتي يخترن عدم الإنجاب. فعندما تكون المرأة بلا أولاد، غالباً ما تُجابه بحالة من الاستنكار المجتمعي "الخفي والواسع الانتشار"، بحسب آراكو التي تدعم ملاحظتها بأمثلة واقعيّة واضحة ومصادر أدبيّة حديثة.
إنّ حق النساء في التحكّم بأجسادهنّ يعني أن تكون لكلّ امرأة حياة جنسيّة آمنة وممتعة، وقدرة على التحكّم بخصوبتها عبر الوصول السهل إلى وسائل التخطيط ومنع الحمل المتنوّعة. وحين تختار المرأة الحمل- إذا قرّرت ذلك- يجب أن يعني ذلك قدرتها على أن تعيش فترة حملها والولادة بشكل سليم وسلس، وأن تتمتّع بمواكبة وعناية تحترمان المخاض وترعاه، بعيداً من مخاطر "العنف الجينيكولوجي" الذي تتطرّق إليه الزميلتان المصريّة والإطاليّة.
وكما تروي لنا لينا عاصف في تقريرها حول القابلات في المناطق الريفية في المغرب، فإنّ البعدَ عن المراكز الحضرية غالباً ما يعرّض النساء الحوامل إلى عزلة ومخاطر كان يمكن تفاديها فيما لو يتم الاعتراف بمهنة القابلات واحترامها.
للعنف أثناء التوليد حصّته أيضاً من هذا الملف. ففي مصر، تحلّل ماريان رو اللّجوء المتزايد والمتسارع وغير المبرّر في الكثير من الأحيان للولادات القيصريّة على مجمل الأراضي المصرية. لهذه الظاهرة صداها أيضاً في إيطاليا، حيث نجد أن امرأة من كل ثلاث نساء تلد بالطريقة القيصرية.
في النهاية، وكما تذكّرنا راما يوسف، لن يكون هناك صحة إنجابية مزدهرة في فلسطين من دون إدراك الرجال لأهمية هذه المسألة ومساهماتهم المسؤولة في دعم شريكاتهم. فمثلاً، ما زال الكثير منهم أسرى جهلهم بالتحوّلات الكبيرة التي تمرّ بها النساء على مستوى صحتهنّ النفسية والجسدية على امتداد مراحل حياتهنّ، وهو أمر لا يمكن أن تحيط به وتخفّف من وطأته سوى برامج متينة من التربية الجنسية المبكرة.
تنطبق هذه الرسالة بدون أدنى شك على بقية أنحاء العالم حيث ما زال جسد المرأة وقوّتها الإنجابية موضع تحدّيات لا يُستهان بها.