هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
رصدت المحامية سارة دي فيدو 70 حالة انتهاك لحق النساء في الصحة والرفاه، كانت درستها في كتابٍ بعنوان "العنف ضد صحة المرأة في القانون الدولي" متوفر حالياً باللغة الإنغليزية فقط (منشرات جامعة مانشستر).
يشكّل هذا الكتاب نقطة انطلاق ممتازة لفهم أن العنف ضد النساء لا يقتصر على ما ينفجر في ضوء النهار وتطالعنا به الصحف في قسم المنوّعات فحسب، بل ثمة أيضاً أشكال أخرى من العنف، منها على سبيل المثال العنف الذي تسبّبه غالباً المؤسسات الطبية.
باستعمال نموذج أبقراط المطبّق في القانون الدولي، تُطوّر سارة دي فيدو الأستاذة في جامعة كافوسكاري في فينيسيا، مفهوم "العنف ضد صحّة المرأة"، الذي يقع ضمن المفهوم الأوسع لـ "العنف ضد المرأة"، ويسائل ويوحّد بُعدَين للعنف: البعد الخاص بالعلاقات الشخصية، والبعد الناجم عن سياسات الصحة المتعلقة بالإجهاض ومنع الحمل والتعقيم القسري والأمومة غير المرغوبة التي تمهّد لظروف عنف.
هو نهج مبتكر ذو أهمية وصلة مباشرة بزمن الجائحة المأسوية الذي نعيشه. في الواقع، ظهرت دلائل كثيرة على هذا النهج وَصَفها كتاب "العنف ضد المرأة خلال فترة الجائحة"، منها مثلًا أن بعض البلدان حدّت من الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، كما هو الحال في أوهايو وتكساس المسرتمرّتين في محاربة الحق في الإجهاض، وفي بعضها الآخر، تمّ المساس بسياسات الصحة الإنجابية المصمّمة عادةً لخدمة صحة المرأة وحقوقها الإنسانية الأساسية.
في إيطاليا، أثارت قضية مقاطعة أومبريا التي حظّرت الإجهاض الدوائي في المشافي النهارية عام 2020، ضجة كبيرة. يتعلق الأمر بعقار RU-486، أي حبة الدواء التي تسمح بالإجهاض الدوائي بديلًا من التدخل الجراحي الذي لا تتمكّن النساء من الوصول إليه إلّا بصعوبة، بسبب البيروقراطيّة الثقيلة.
فقط عدد ضئيل من المقاطعات الإيطاليّة يسمح باستعمال عقار RU-486 في المشافي النهارية، في حين تفرض مشافي مقاطعات أخرى الإقامة في المستشفى لمدة ثلاثة أيام. فضلًا عن أنه يجب أخذ حبة الدواء خلال مدة سبعة أسابيع (وليس تسعة كما هو الحال في بلدان أوروبية أخرى)، ولا بدّ من "وقفة للتفكير" بين تقديم الطلب واتخاذ القرار. لذلك، وإلى اليوم، يبقى استعمال عقار RU-486 في إيطاليا، أمراً عسيراً وغير منتشر.
يحتفل العالم في 28 أيلول/سبتمبر من كل عام بيوم الإجهاض الحرّ والآمن للتذكير بضرورة الدفاع عن الحق في الإنهاء الطوعي للحمل وإلغاء تجريمه، لكن ما زال هذا الحق غير قانوني في بلدان عديدة. في إيطاليا، يحمي القانون -على الورق على الأقل - الحق في الإجهاض. لكن في أرض الواقع، علينا التعامل مع الحقائق الصعبة، مثل المعدّل الوطني للمستنكفين ضميرياً الذين تصل نسبتهم إلى 70 %، وفي بعض المقاطعات تصل إلى ما يزيد على 90 %، وذلك في موليزي وترينتينو ألتو أديجي وبازيليكاتا.
فقط عدد ضئيل من المقاطعات الإيطاليّة يسمح باستعمال عقار RU-486 في المشافي النهارية، في حين تفرض مشافي مقاطعات أخرى الإقامة في المستشفى لمدة ثلاثة أيام
في إيطاليا أيضاً، هناك سبعة من بين كل عشرة أطباء الأمراض النسائية والتوليد يرفضون إجراء عمليات الإجهاض. أما المناطق التي تمثّل النسب الأدنى من الأطباء المُستنكفين، فهي: مقاطعة فالي دي أوستا (8%)، إيميليا رومانيا (52%) وفريولي فينيتسيا جوليا ومقاطعة ترينتو (53%). وتبدو الفروق أوضح على الصعيد المناطقي الجزئي.
عام 2016، كانت الحالة الرمزية التي مثّلتها مقاطعة أسكولي بيتشينو، (بنسبة 100% من المستنكفين/ات) لفتت حتى اهتمام صحيفة النيويورك تايمز. وإلى اليوم، فإن منطقة لاتينا هي الوحيدة التي نظّمت أنشطة للأطباء غير المستنكفين وذلك من أجل حماية الحق في الإجهاض.
عام 2018، سُجّلت 76328 حالة إنهاء حمل طوعي، وهو رقم لا بدّ من أن نضيف إليه العدد غير المؤكد لعمليات الإجهاض التي تُجرى بشكل غير مُعلن، (بين 10 و13 ألف وفقاً لآخر التقديرات).
مقاطعة ليغوريا هي المنطقة التي يبلغ فيها معدّل الإجهاض –والمقصود عدد عمليات الإجهاض نسبة إلى عدد النساء اللواتي تترواح أعمارهن بين 15 و49- النسبة الأعلى، إذ تبلغ 7.8 عملية إجهاض لكل ألف امرأة. وتليها مقاطعة إميليا رومانيا (7.5)، وبيمونتي (7.4) وبوليا (7.2). أما بازيليكاتا (4.3)، وكالابريا (4.4)، ومقاطعة بولسانو وفينيتو (4.6)، فهي المناطق ذات النسبة المئوية الأدنى.
كل هذه الأرقام في تناقص مستمر. عمليّاً، بلغ عدد حالات الإجهاض الطوعي والقانوني 230 ألف حالة في عام 1983، و132 ألف حالة في عام 2005، 80 ألف حالة في عام 2017. كما أن معدل الإجهاض آخذ في الانخفاض باضطراد منذ أكثر من ثلاثين عاماً، إذ وصل عدد حالات الإجهاض الطوعي الاختياري في عام 1982 إلى 17.2 حالة لكل ألف امرأة، في حين يبلغ اليوم 6 حالات، وهو من أدنى النسب على الصعيد الدولي.
ترتبط ممارسة الإجهاض الطوعي والقانوني بصورة رئيسة بالشريحة العمرية للنساء بين سن 25 – 34 عاماً. وأثّرت على 2001 فتاة قاصرة في عام 2018 (بانخفاض مقارنة مع عام 2017 والأعوام السابقة)، حيث كانت من بينهن 146 فتاة دون سن 15 عاماً. وتصل إلى 37% نسبة حالات الإجهاض الطوعي القانوني لدى النساء المتزوجات، وترتفع إلى نسبة 50% في في بازيليكاتا وكالابريا.
بدورها، فإن المرأة غير الإيطاليّة، أي المُهاجرة، ممثلّة بقوة في هذه الإحصاءات. وتشمل 23 ألف حالة إجهاض من أصل 76 ألف (30%) من النساء غير الإيطاليات، أي أن معدّل الإجهاض في صفوفهنّ أعلى بضعفين أو ثلاثة من معدّل الإجهاض لدى النساء الإيطاليات.
مع ذلك، فإن البيانات المتعلقة "بالاستنكاف ضميرياً" في المشافي الإيطالية تسبّب الفزع، إذ إن 69 % من أطباء الأمراض النسائية مستنكفون، والسبب وراء ذلك ليس أخلاقياً فحسب. بعض أخصائيي/ات الأمراض النسائية والتوليد من غير المستنكفين يقولون إن مسائل الاستنكاف تعود عواملها قبل أي شيء آخر إلى أسباب مهنيّة أكثر منها أخلاقيّة. فالأطباء يفضّلون عدم إجراء عمليات الإجهاض والقيام بمهام أقل روتينيّة يمكن أن توفّر لهم مزيداً من الرضا والغنى المهنيين. بيد أن هذه الصورة أبعد من أن تكون مطمئِنة، والجائحة الناجمة عن كوفيد 19 لم تؤدّ إلا إلى تفاقمها.
الأمومة وعنف الولادة
تعاني إيطاليا من مشكلات كثيرة في مجالات أخرى متعلّقة بالصحّة الإنجابية. فامرأة واحدة من بين كل ثلاث نساء تضع مولودها بالولادة القيصرية، إذ أظهرت بيانات محدّثة قبل ثلاث سنوات أنّ عدد عمليات الولادات القيصرية تجاوز الضعف في جنوب إيطاليا، في حين أنه وفقاً لمنظمة الصحة العالمية لا ينبغي أن يتجاوز معدل 15 %.
عمليّاً، توكّد إيطاليا بذلك ريادتها في أوروبا لجهة عدد العمليات القيصرية الجارية فيها. على المستوى الإقليمي، تحمل مقاطعة كامبيانا الرقم القياسي لعدد الولادات القيصرية، بما في ذلك عمليات الولادة في المشافي العامي (49%)، وتليها في المرتبة موليزيا 43 %) وبوغليا (42.6%)، صقلية 29.4))، بازيليكاتا (38.8%)، كالابريا 37.6 %) وسردينيا (37.6%).
من ناحية أخرى، يجدر الانتباه إلى حقيقة إيجابية تتمثّل بعدم اللجوء إلى الولادة القيصرية في مقاطعة فالي دي أوستا (20.1%)، وفي مقاطعة توسكاني (20.7%)، وفي إقليم ترينتو المتمتع بالحكم الذاتي (23.6%).
إذا أضفنا إلى ألم الولادة الطبيعي الألم غير الطبيعي الذي يسبّبه العاملون/ات في المشافي،
فإن المسألة تتغير تماماً.
كفى صمتاً: حملة اجتماعية لإنهاء سوء المعاملة في غرف الولادة
"نحن ننسى في نهاية المطاف..."، هذا ما يُقال للنساء حتى اليوم، وهذا ما يقلنه هنّ بعضهن لبعض من الأكبر إلى الأصغر سناً، تماماً مثلما كنا نفعل منذ مئات السنين عند التحدث عن الألم الناجم عن إنجاب حياة جديدة.
إذا ما تأمّلنا في هذه الجملة بعناية، نرى أنّها لا تنطوي على سند عاطفي. فحين يتعلق الأمر بالنساء، تكون الأسبقية لإنكار الذات. وُلدتِ كي تحتملي، من أجل هذا خُلق جسدك. المهم أن تكون ابنتك أو ابنك بين ذراعيك، حتى لو لم تستطيعي الهروب من الكتاب المقدس الذي يقول إنّه "بالوجع تلدين أولاداً"، وستنالين التعويض عن الألم.
هذا صحيح بالتأكيد، ولكن إذا أضفنا إلى ألم الولادة الطبيعي الألم غير الطبيعي الذي يسبّبه العاملون/ات في المشافي، فإن المسألة تتغير تماماً.
أثبتت العالمة شيلا كيتزنجر التي درست الألم مطوّلاً، أنه من الممكن تجنّب جزء كبير منه شرط أن تُقدّم للنساء أدوات المعرفة حول أجسادهنّ (1). على أن الذين يفترض بهم تسهيل هذه الأمور والإصغاء لحاجات النساء الحوامل، يتصرّفون عكس ذلك، كما لو أن النساء لسنَ إلا عبئًا نافلًا ومزعجاً.

في حالة كهذه، يجدر بنا التحدّث عن سوء المعاملة، وعنف عملية الولادة، والعنف الطبّي، والعنف التمريضي: الأمر الذي من شأنه أن يفتح صندوق باندورا الرهيب الذي يسلّط الضوء على الممارسات الجائرة الطفيفة بل وحتى الفادحة ضد المرأة العاملة في المشافي.
تُطرح هذه المشكلة في إيطاليا كذلك، إذ طالما تناولتها الشبكة العنكبوتية على مدى سنوات. ومنذ مدّة وجيزة، اتّصلت أكثر من 19000 امرأة بصفحة Basta tacere على فيسبوك: le madri hanno voce ، الحملة الموجودة أيضاً على تويتر عبر هاشتاغ #bastatacere.
أدّت الحملتان إلى استعارة وسائل الإعلام في إيطاليا للقصص والشهادات والتبادلات والمناقشات والمقترحات التي جرت على صفحات التواصل الاجتماعي والتي جاءت ضمن الحملة المدعومة من منظمات حقوق الإنسان التي تعنى بعملية الولادة.
اليوم، ثمة حديث عن مشروع قانون قدّمه أدريانو زاكاغنيني حول "إجراءات لحماية حقوق النساء والمواليد الجدد أثناء عملية الولادة والترويج للولادة الطبيعية".
على صفحة Basta tacere على فيسبوك حيث يتم اقتراح عدم ذكر الأسماء والأمكنة، نلاحظ أنّه مع ذلك يختار بعض الأشخاص مشاركة تجاربهم مع أسماء ووجوه. تؤكد لوسيا من الحملة أنّ "الرسائل الأكثر إيلاماً هي رسائل القابلات المتخصصات اللواتي يخبرن عن الصدمة بين ما درسنه وما يشهدنه". وفي النهاية، ينتهي كل شيء بجملة "هيا، فكري الآن بطفلك، وانسي الماضي". لسنا جميعنا من الناجيات، تكتب جوليا. وتقول، "أنا قابلة مستقلة من روما، وأقف مع حملة #bastatacere. منذ سنوات نناضل أنا وزميلاتي الأخريات ضد العنف أثناء عملية الولادة".
أما أنجيلا فأكملت الفكرة قائلة، "أناشد المرأة الحامل... تثقفي، إذ غالباً ما يكون جهلنا أرضاً مثالية لمقدّمي/ات الرعاية المُحبِطين وغير الإنسانيين، والذين - بسبب هذا الوقت العصيب الذي نمر فيه - يتصرفون من دون لباقة، من دون حساسية، وفي بعض الحالات، عند أو بعد الحدّ المسموح به قانوناً. تحدّثي مع نساء أخريات من اللواتي ولّدن في المشفى نفسه الذي ترغبي بولادة ابنك أو ابنتك فيه، احضري دروس ما قبل الولادة، اطلبي المعلومات في مراكز تنظيم الأسرة، استفسري عمّا إذا كانوا ينظمون مجموعات لزيارة قاعات العمل وغرف الولادة، واجعلي الشريك يتقاسم معك كل ذلك. فكل هذا يزيد من حمايتك وحماية حياة من تحملينه أو تحملينها في أحشائك".
ولعل الرسالة الأكثر أهمية تكمن في هذه الكلمات الأخيرة، "إلى جانب تشجيع الشكاوى الضرورية والقانون المحتمل إقراره، فإن المطلوب يتلخّص في تمكين أكبر للنساء وتعزيز العناية بهنّ".

اليوم تبرز حركة ثقافية لنساء مسؤولات تهدف في عمقها إلى كسر الصمت الناجم عن عرف التعتيم الضمني الذي يلفّ رحلة الولادة وإلى إعادة تركيز الاهتمام لا على المخلوق الذي سيأتي إلى هذا العالم فحسب، وإنما على من تهبه الحياة أيضاً. إنها فرصة استثنائية لتعزيز العلاقات بين الأجيال، واكتساب المهارات وتمريرها، ومعها المعارف القديمة والحديثة. وهذه الحركة قادرة على إعادة تحجيم مركزية الطبّ الصلبة، الذي لا ننفي ضرورته، لصالح ذكاء جسم الأم القادر على معرفة ما هو حسنٌ لعملية الولادة.
الهوامش:
للمزيد حول شيلا كيتزينجر
Human Rights in Childbirth in Italy
لقراءة النسخة الأصلية من المقال باللغة الإيطالية: Italiane, come stiamo? Salute delle donne e diritti riproduttivi nel belpaese