متطوعة من الدفاع المدني تضع إشارة تحذيرية لتنبيه المارة بوجود مخلفات الحرب– المصدر: الدفاع المدني السوري
سونيا العلي
"عدنا بعد سنوات من النزوح، فكان الموت في انتظار أولادي"، بهذه الكلمات تبدأ سميرة القاسم، 42 عاماً، حديثها، ودموعها تنطق بما تعجز عنه الكلمات.
تقول لـ "ميدفيمينسوية": "نزحنا من مدينة سراقب شمال سوريا مطلع عام 2020، بعد اشتداد المعارك وسيطرة قوات النظام السوري السابق على مدينتنا. وبعد سقوط هذا النظام المجرم على يد فصائل المعارضة نهاية عام 2024، قررنا العودة إلى منزلنا. لكن فرحة العودة لم تدم طويلاً. فبعد وصولنا، خرج أطفالي الثلاثة للعب قرب المنزل، وكان لغمٌ أرضيّ ينتظرهم في الخفاء. بعد لحظات دوّى انفجار مرعب، هرعتُ خارجة لأجد اثنين من أطفالي مضرّجين بدمائهما، وفارق الطفلين الحياة على الفور".
وذكر مكتب الأمم المتحدة أن التلوث بالذخائر غير المنفجرة، والألغام، والأجهزة المتفجرة بدائية الصنع، لا يزال يخلف آثاراً مميتة في جميع أنحاء سوريا. منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، تم الإبلاغ عن أكثر من 900 إصابة بين المدنيين، شملت 367 حالة وفاة و542 إصابة. ويُمثل الأطفال أكثر من ثلث هذه الإصابات.
وأمام هذا الواقع، لم تُلقَ مسؤولية البحث عن مخلفات الحرب وتفكيكها على عاتق الرجال وحدهم، بل تطوعت مجموعة من النساء السوريات لتولي هذه المهمة.
بوجوه مُرهقة وقلوب لا تعرف الانكسار، تتقدّم نساء سوريات متطوّعات نحو المناطق المليئة بالألغام والذخائر، يتحمّلن مخاطر انفجار مخلفات الحرب لحماية الحياة والبيئة.
لمى حاج قدور: امرأة تزيل الألغام
لمى حاج قدور، من مدينة إدلب شمال سوريا، قائدة فريق لإزالة الألغام.
تقول لمى: "اضطررنا نحن النساء السوريات، اللواتي عشن ويلات الحرب، إلى العمل في مهنٍ لم يعتَد عليها المجتمع السوري.."
وتشير حاج قدور أن الحافز الأول كان حماية أرواح المدنيين، وخاصة بعد عودة الناس إلى مدنهم بعد سقوط نظام الأسد، لذا أصبح العمل في نزع الألغام ضرورة ملحة.
خضعت لمى وزميلاتها لتدريبات مكثّفة على يد خبراء وخبيرات من منظمة "هالو ترست"، وهي أكبر منظمة إنسانية دولية غير حكومية في العالم تعمل على إزالة الألغام والمخلفات الحربية القابلة للانفجار، تأسست عام 1988.
بعد انتهاء التدريب، بدأن العمل الميداني بثقة، وسرعان ما تحوّل الرفض المجتمعي لوجودهن في هذا المجال إلى دعم وتشجيع، بعدما لمس الأهالي أهمية عملهن.
توضح لمى: "بعد تلقي بلاغ من الأهالي بوجود لغم أو ذخيرة، نتوجه فوراً إلى الموقع لإتلافها والتأكد من زوال خطورتها، ثم نقوم بحملة توعية للمدنيين/ات في المنطقة التي تم فيها الإتلاف."
وتدعو لمى السلطات والمنظمات الإنسانية والجهات المعنية إلى تعزيز التعاون فيما بينها، وبذل جهود مركّزة لتحديد مواقع المتفجرات والعمل بشكل مضاعف على التخلص النهائي من جميع مخلفات الحرب. كما تشدد على أهمية تنفيذ حملات توعية حول مخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة، من خلال تعريف الناس ـ ولا سيّما الأطفال/ات ـ بطرق التعرّف إليها وكيفية التعامل معها.

"المرأة قادرة على أداء مهام صعبة وخطرة"
رغم الخطر وقلق الأسرة ، اختارت الشابة سلمى العوض، 30 عاماً، من مدينة حلب شمال سوريا العمل في حقول الموت.
تقول سلمى لـ "ميدفيمينسوية": "نبدأ عملنا منذ الصباح الباكر، نتنقل بين الوديان والسهول حاملين أجهزة كشف الألغام. وعندما يصدر الجهاز صوت الطنين، نبدأ أولاً بإزالة الغبار بعناية عن الجسم المشتبه به، الذي قد ينفجر في أي لحظة."
بوجوه مُرهقة وقلوب لا تعرف الانكسار، تتقدّم نساء سوريات متطوّعات نحو المناطق المليئة بالألغام والذخائر، يتحمّلن مخاطر انفجار مخلفات الحرب لحماية الحياة والبيئة.
وتوضح أن العمل في هذا المجال يشبه مواجهةً مباشرةً مع الهلاك، فالألغام لا تقبل الخطأ ولا تمنح فرصةً ثانية. وتردف سلمى العوض: "يقولون إن عملي خطر، وهذا صحيح، فأنا أتعامل مع متفجرات قد تُنهي حياتي في أي لحظة. لكننا نحن السوريين والسوريات مررنا بظروف قاسية، وأثبتنا دائماً قدرتنا على المواجهة والصمود."
ترتدي المتدرّبات أثناء العمل الخوذات الواقية الثقيلة وأجهزة كشف المعادن، بعد أن تلقّين تدريباً على تحديد المناطق عالية الخطورة التي يُحتمل أن تحتوي على ألغام، وعلى الأساليب الآمنة لإزالتها والتعامل معها.
وتوضح سلمى أنها تشعر بالسعادة لأن عملها يسهم في حماية الناس، وعن قدرتها على تحدي الصورة النمطية للنساء في سوريا تقول: "أريد أن أثبت أن المرأة قادرة على أداء مهام صعبة وخطرة، وأحرص على بذل قصارى جهدي لتطوير مهاراتي من خلال الحصول على المزيد من التدريب."

فرق نسائية متنقلة تزيل الألغام
الطفل صلاح الداني، 13 عاماً، من مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي كان يرعى الأغنام بالقرب من منزله حين عثر على قذيفة دبابة غير منفجرة.
يقول صلاح: "بتاريخ الثاني من أيلول/ سبتمبر الماضي وجدت القذيفة داخل حفرة، وعندما وقعت عليها عيني أدركت خطورتها على حياتي إذا لمستها، وذلك بفضل التوعية التي تلقيتها من فريق نسائي خبير بإزالة الألغام زار مدرستنا سابقاً. سارعت بالعودة إلى المنزل وأخبرت أمي بوجود القذيفة، فقامت بدورها بالاتصال بالفريق، واستجابت الخبيرات بسرعة، وأبطلن مفعولها، ووضعن إشارات تحذيرية لتجنّب المارة الأجسام الغريبة في المكان."
من جهتها، تقول فاطمة الرحمون، 33 عاماً، قائدة فريق لإزالة الألغام في الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء): "مخلفات الحرب تنقسم إلى نوعين: النوع الأول يشمل الذخائر غير المنفجرة مثل القنابل والصواريخ، أما النوع الثاني فهو الألغام الأرضية."
وتشرح الرّحمون أن الإزالة اليدوية تتضمن الحفر يدوياً، وهو أمر يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً. أما الطريقة الأكثر كفاءة فهي الإزالة الميكانيكية، التي تستخدم آلات متخصصة لتحديد موقع الألغام وإزالتها. بينما إزالة المتفجرات تتم عبر تفجيرات محكومة لتفجير الألغام بأمان. وبعد الانتهاء من تلك المهمة، تُطهر المنطقة وتُنظف لضمان عدم وجود أي مخلفات قد تشكل خطراً مستقبلياً.




























