لقطات من فيديو عملية اختطاف سيدتين وطفلتين في السويداء، قبل أن تعود المخطوفات لاحقاً ضمن صفقة تبادل للأسرى
تعرضت ر.م، شابة سورية في العشرينات من عمرها، لجريمة اغتصاب وحشية، منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، أثناء توجهها إلى عملها في أحد معامل الحلويات بمدينة سلحب بريف حماة الغربي الواقعة في وسط سوريا، على ضفاف نهر العاصي، بعد أن اعترض طريقها ثلاثة مسلحين في وضح النهار، وجردوها من ملابسها واعتدوا عليها جنسياً، قبل أن يتركوها مغمى عليها قرب الطريق العام. عثر عليها لاحقاً بعض الأهالي من أبناء البدو، فسارعوا إلى نقلها لتلقي الإسعاف. ر.م تنتمي إلى الطائفة العلوية وهي المعيلة الوحيدة لعائلتها.
تأتي هذه الحادثة ضمن سلسلة من الانتهاكات الأمنية وأعمال العنف التي تتعرض لها السوريات عموماً ونساء الطائفتين العلوية والدرزية بشكل خاص.
فقد وثّقت لجنة التحقيق الدولية المستقلة، في تقريرها حول أحداث الساحل بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 2025، سلسلة واسعة من الانتهاكات التي استهدفت نساء علويات في حماة وطرطوس واللاذقية. وتنوّعت هذه الانتهاكات بين التهديد والخطف والاغتصاب المتكرر والزواج القسري، وصولاً إلى استخدام النساء كأداة في الحرب عبر توصيفهن بـ"غنائم".
وأشار التقرير إلى توثيق اختطاف ما لا يقل عن ست نساء، ما يزال مصير اثنتين منهن مجهولاً حتى الآن، في حين أُفرج عن الأخريات بعد أن تعرّضن لانتهاكات جسدية ونفسية قاسية. كما كشف عن حالات ابتزاز مالي واعتداءات جنسية ترافقها ضرب وإهانات ذات طابع ديني، من بينها حادثة لامرأة احتُجزت عدة أيام وتعرّضت لانتهاكات متواصلة قبل أن تتمكن من الفرار.
وفي ظل حالة الفلتان الأمني، أصبح خروج النساء والفتيات من منازلهن محفوفاً بالمخاطر، إذ قد ينتهي أي تحرك لهن بالاختفاء القسري أو التعرّض للعنف الجسدي والجنسي.
هذا الواقع دفع كثيراً من النساء إلى حصر تنقلهن في ساعات النهار فقط، وغالباً برفقة أحد أفراد العائلة من الذكور، الأمر الذي حدّ من استقلاليتهن وأثر بشكل مباشر على مشاركتهن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
لم يعد طريق الجامعة أمناً للفتيات
"طلبتُ من زميلي أن يُكمل معالجة المريض، ثم جمعتُ أغراضي وغادرتُ الكلية مسرعة عند الساعة السادسة"، هكذا استهلّت جنى رشيد، طالبة في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق، حديثها مع ميدفيمينسوية. وتابعت: "كلية طب الأسنان من الكليات العملية التي تمتد فيها جلسات العلاج حتى السابعة أو الثامنة مساءً. في السنوات الماضية كان الوضع الأمني في دمشق مستقراً نسبياً في منطقتنا، لكن بعد سقوط النظام بات الأمر شبه مستحيل، ولا سيما بالنسبة للطالبات اللواتي يقطنّ في مناطق خارج العاصمة".
تسكن جنى في إحدى الضواحي، وهذا يضطرها إلى تجنب العديد من الجلسات العملية المسائية، خوفاً من عدم القدرة على العودة إلى المنزل، إذ تصبح المواصلات شبه معدومة بعد الساعة السادسة، فضلاً عن المخاطر الأمنية الكبيرة، لذا كان أهلها حريصين جداً على عودتها قبل غياب الشمس.
وتتابع جنى: "رغم أنني لم أتعرض لأي مضايقات شخصياً، إلا أن حادثة اختطاف إحدى الطالبات على أوتوستراد المزة، أحد الشوارع الأساسية في العاصمة، زادت من خوفي وقلقي، ولا سيما أن جامعتي تقع على الطريق نفسه".
أما في حمص، فقد وصفت ديانا (اسم مستعار)، وهي طالبة جامعية، الوضع في محافظتها قائلة: "المدينة بعد الخامسة عصراً تتحول إلى مدينة أشباح". وأضافت: "اضطررت لإيقاف تسجيلي في الجامعة بعد تكرار المضايقات، رغم أنني كنت أرتدي الحجاب". وعند سؤالها عن سبب ارتدائه، أوضحت: "ليس لدي مشكلة في ارتداء الحجاب، لكن فعلت ذلك للتقليل من المضايقات في طريقي إلى الجامعة. لم يمنع ذلك المشاكل، إذ كانت هناك العديد من الحواجز داخل المدينة تُلزم بارتداء الحجاب وفصل الذكور عن الإناث في المواصلات العامة. واستمرت هذه الممارسات، مصحوبة بنظرات غير مريحة لأي فتاة، فقررت إيقاف تسجيلي هذا الفصل على أمل تحسن الوضع في العام الدراسي القادم".
لم تعد حوادث الخطف في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد، حالات استثنائية، بل تحوّلت إلى ظاهرة تهدد حياة النساء السوريات عموماً، ولا سيما النساء المنتميات إلى الأقليات.
الخطف كحالة يصعب التعامل معها
لم تعد حوادث الخطف في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد، حالات استثنائية، بل تحوّلت إلى ظاهرة تهدد حياة النساء السوريات عموماً، ولا سيما النساء المنتميات إلى الأقليات. وفي هذا السياق، ذكرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في بيان لها أنها تلقت تقارير موثوقة تفيد باختفاء أكثر من 36 امرأة من الطائفة العلوية في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص، بعد أن اختُطفن أو فُقدن في ظروف غامضة. وأوضح البيان أن معظم هذه الحالات لم تشهد تحقيقات فعالة من قبل الجهات الأمنية، ولم تُقدَّم أي تحديثات إلى العائلات، بل إن بعض الأجهزة الأمنية ألقت اللوم على العائلات نفسها.
بدورها، تحدثت مريانا حسن، مهندسة وأستاذة في جامعة اللاذقية، عن الوضع الأمني في المحافظة قائلة: "الوضع في اللاذقية لن يعود إلى ما كان عليه في المستقبل القريب، خصوصاً بعد المجازر التي وقعت في السابع من آذار/مارس الماضي. وقد اضطررتُ إلى تغيير مكان سكني إلى منطقة أقرب من مقر عملي".
وأضافت: "كان خروجي من المنزل عند السابعة صباحاً أشبه بمغامرة لا يمكن التنبؤ بالمخاطر التي قد أواجهها، فالشوارع كانت شبه خالية، وحالة المواصلات مزرية. لكن بعد انتقالي إلى منطقة قريبة من عملي، أصبح الوضع أفضل، إذ لم يعد عليّ مغادرة المنزل في وقت مبكر".
وأشارت مريانا إلى أن مدينتها تغيّرت كثيراً، إذ باتت علامات الخوف والقلق بادية على وجوه الناس. هذا الواقع دفع كثيرات من غير المحجبات إلى تغيير طريقة لباسهن. وتقول مريانا: "أحرص على ارتداء أكمام طويلة حتى في الأيام الحارة، كما أصبحنا لا نخرج إلا في ساعات النهار وبرفقة مرافق لإنجاز أعمالنا أو الذهاب إلى الجامعات، بينما نلتزم منازلنا ليلاً إلى أن نشعر بأن الوضع الأمني أكثر استقراراً."
استمرار الفلتان الأمني وتزايد الخوف لدى النساء
فرضت الظروف الأمنية المتردية في عدد كبير من المحافظات السورية على النساء نمط حياة مليء بالخوف والقيود، يجبرن فيه على إعادة ترتيب حياتهن اليومية وفق إملاءات الخوف والقلق، ما شكل انتكاسة واضحة لحقوق المرأة وحريتها الأساسية، وأثرت هذه البيئة السامة بشكل سلبي على صحة النساء النفسية والجسدية، إذ باتت بعض الفتيات يعانين من اضطراب في الدورة الشهرية ومشاكل صحية أخرى نتيجة للحالة النفسية السيئة، كما امتنعت العديد من المتزوجات حديثاً عن التفكير في الإنجاب خوفاً من عدم توفر الرعاية الصحية المناسبة للمرأة الحامل، بحسب نساء قابلناهن.
استمرَّ تدهور الوضع الأمني في العديد من المحافظات السورية، وتصاعدت أعمال العنف حتى بلغت ذروتها في 14 تموز/يوليو الماضي، حين شنت هجمات مسلحة على محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية*، نفذتها قوات تابعة للحكومة السورية تلتها هجمات على المدينة من قبل عشائر ذات خلفية سنيّة وتنحدر من محافظات سورية مختلفة. وأسفرت هذه الاعتداءات عن مقتل أكثر من 2000 شخص، من بينهم أطفال ونساء، أُعدموا ميدانياً.
وبحسب خبراء أممين، تمَّ خطف ما لا يقل عن 105 من النساء والفتيات الدرزيات على يد جماعات مسلحة مرتبطة بالسلطات السورية الانتقالية، ولا تزال 80 منهن مفقودات.
وفي جرمانا، أكدت نور سعد (اسم مستعار)، طبيبة في المنطقة، أن معظم الفتيات من الطائفة الدرزية لم يغادرن المدينة بعد أحداث السويداء، إذ يشعرن بأنهن مستهدفات لمجرد انتمائهن للطائفة الدرزية. وقالت: "هذا الوضع أدى إلى توقف الكثير من الفتيات عن أعمالهن، بما في ذلك من يعتنين بأسرهن، إلا أن ذلك يبقى أفضل من خطر التعرض للخطف".
نهايةً، كما تعود سندريلا إلى منزلها عند منتصف الليل خشية اختفاء السحر، تتحوّل النساء في الرواية السورية إلى "سندريلا" أخرى، لا يعُدن إلى منازلهن عند منتصف الليل، بل عند غروب الشمس. وفي هذه الحالة، لا يكون الخوف من اختفاء السحر، بل من اختفاء البطلة نفسها.




























