هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
الصورة الرئيسية: شارع في أثينا. ألفارو مينغيتو
كيرالت كاستيو
رغم أن القوانين في اليونان تصنّف الحمل بالنيابة كـ"ممارسة غير ربحية" تقوم على مبدأ الإيثار، إلا أن الواقع يكشف عن صورة أكثر تعقيداً، تتداخل فيها الضرورات الاقتصادية وضعف الرقابة والضغوط الخارجية. إذ يتوجه العديد من الأزواج الأجانب—غالباً من دول ثرية—إلى بلد تتوفر فيه نساء مستعدات لحمل أطفال بالنيابة، وغالباً ما يكنّ مهاجرات من أوروبا الشرقية، لا يتمتعن بالحماية القانونية الكافية ولا بالدعم الاجتماعي الضروري. ورغم وجود شروط قانونية صارمة، فإن الفضائح الأخيرة وتزايد الطلب يثيران الشكوك حول طبيعة هذا النموذج، الذي يُسوّق كعمل تطوّعي لكنه يقترب، في ممارسته، من منطق السوق.
منذ عام 2002، يُجيز القانون اليوناني للأزواج من جنسين مختلفين المقيمين في البلاد اللجوء الى الحمل بالنيابة غير الربحي—أي الذي لا تتقاضى فيه الأم البديلة مقابلاً مالياً مباشراً. وبداية من عام 2014 تم توسيع ها الحق ليشمل الأزواج الأجانب بشرط الحصول على إذن قضائي. وقد شهد عام 2022، ميلاد 81 طفلاً بهذه الطريقة؛ وفي 2023، انخفض العدد إلى 51.
خانیا، جزيرة كريت، 8 أغسطس 2023. بينما كانت النيران تلتهم غابات جزيرتي رودوس وكورفو، وتُجبر السلطات على إجلاء آلاف السياح براً وبحراً وجواً، كانت عاصفة من نوع مختلف تقترب في الخفاء. فمع بزوغ الفجر، شنّت وحدة مكافحة الجريمة المنظمة في جزيرة كريت، بالتنسيق مع عدة جهات أمنية، مداهمة على "مركز البحر الأبيض المتوسط للخصوبة"، أحد أبرز المراكز الطبية في البلاد المتخصصة في التلقيح الاصطناعي.
وفي الوقت نفسه، داهمت الشرطة عدة منازل خاصة، لتعثر على ما يقارب 200 امرأة حامل، معظمهن أجنبيات، انخرطن في تجربة حمل بالنيابة. وقد أصيبت البلاد بصدمة جماعية إثر ما بدا أنه عملية واسعة النطاق لاستغلال النساء في قلب الاتحاد الأوروبي.
وبعد نحو عامين، ومع استمرار التحقيقات القضائية، بدأت تتكشف معالم الفضيحة: أجنّة صُنعت لأزواج مختلفين باستخدام مواد وراثية متماثلة، تبنّيات غير قانونية، اتجار بالنساء، سرقة وبيع مواد جينية، عمليات زرع أجنّة مشبوهة، وثائق مزورة، وتجاوزات جسيمة في بروتوكولات تجميد الاجنّة. وتشير التحقيقات إلى أن الشبكة استغلت نساء في أوضاع هشّة كمتبرعات بالبويضات وأمهات بديلات، كما يُشتبه في تورّطها في عمليات احتيال تجاه الأزواج الساعين للحصول على طفل. وبحلول ديسمبر 2022، تم التعرف على حوالي 200 حالة استغلال—بينها 71 كمتبرعات، و98 كأمهات حاملات.
«كنّا على علم»
بينما أصيب الرأي العام اليوناني بالذهول إثر الكشف عن شبكة للمتاجرة بالأطفال تعمل علناً داخل حدود البلاد، لم يشكل ذلك مفاجأة للجميع. ومن بين هؤلاء كاترينا فونتيداكي، أستاذة القانون المدني في جامعة أرسطو في تسالونيكي، والنائبة السابقة لرئيس الهيئة الوطنية اليونانية للإنجاب بمساعدة طبية.
تقول فونتيداكي: « لقد كنّا على علم». وتوضح أنها وفريقها سبق أن أمروا في عام 2019 بإغلاق مؤقت لـ"مركز البحر الأبيض المتوسط للخصوبة" بسبب مخالفات خطيرة. «رفعنا تقريراً مفصلاً وسحبنا ترخيص العيادة»، تقول فونتيداكي. إلا أن الأمور أخذت منحى مختلفاً: إذ تم تغيير قيادة الهيئة بقرار من وزير الصحة، وتجاهل المسؤولون الجدد قرار التعليق، مما سمح للعيادة بمواصلة عملها بشكل طبيعي.

ولئن لم تكن هذه الفضيحة الأولى في مجال الحمل بالنيابة، فأنها تُعدّ الأكثر دلالة على الثغرات القانونية والرقابية التي تسمح بازدهار هذا القطاع شبه التجاري.
صُدمت البلاد بحجم ما يبدو أنه عملية استغلال بشري واسعة النطاق في قلب الاتحاد الاوروبي.
انعدام الشفافية
رغم إدخال تعديلات تشريعية متكررة، فإن الإطار العام لتنظيم الحمل بالنيابة في اليونان لم يتغير في جوهرهً: حيث يُتاح فقط للأزواج من جنسين مختلفين، ويُشترط إثبات العجز الطبي لدى الأم الساعية الى الحصول على طفل، بموجب حكم قضائي. غير أن العديد من الجوانب لا تزال غامضة، خاصة ما يتعلق بمبالغ التعويضات التي تدفع للامهات البديلات وآليات اختيارهن.
ومن أكثر المخالفات انتشاراً تلك التي تتعلق بالمبالغ المالية غير المعلنة، أو ما يُعرف بـ"المال تحت الطاولة"، والتي تتجاوز الحد القانوني. فحتى عام 2022، كان السقف المسموح به هو 10,000 يورو كمصاريف "معقولة" لتغطية العلاج والحمل والولادة والرعاية اللاحقة. وقد تم رفع هذا السقف لاحقاً إلى 20,000 يورو للحمل المفرد و25,000 يورو للتوائم. إلا أن مصادر غير رسمية تشير إلى أن بعض الأمهات يحصلن على مبالغ تصل إلى 50,000 يورو.
يقول باسيل تارلاتزيس، أحد روّاد التلقيح الاصطناعي في اليونان ورئيس المجلس العلمي في مركز الخصوبة والتلقيح في الأنابيب في تسالونيكي: «عندما أنشأنا الهيئة الوطنية اليونانية للإنجاب بمساعدة طبية ، وضعنا قائمة أسعار مرجعية. ثم بدأت تحوم شائعات عن حصول اتفاقات جانبية بين الازواج الساعين للحصول على طفل والأمهات الحاملات بالنيابة. وقد يكون ذلك حصل فعلاً. هناك بالتأكيد مناطق رمادية يجب معالجتها».
وقد شارك تارلاتزيس، الذي كان من ضمن مؤسسي أول وحدة تلقيح اصطناعي في اليونان، في عدة لجان تابعة لوزارة الصحة وساهم في صياغة قانون الحمل بالنيابة لعام 2002 وتعديلاته في عام 2005، ثم أصبح أحد الأعضاء المؤسسين للهيئة وشغل منصب نائب الرئيس بها.

وساطة مموهة
كذلك، لا يزال انتداب الأمهات الحاملات بالنيابة محاطاً بالغموض. فالقانون اليوناني يحظر عمل وكالات الوساطة، ولا يُسمح للعيادات بلعب دور الوسيط، كما يُمنع على النساء إعلان رغبتهن في تأجير أرحامهن. فكيف تُبرم هذه الاتفاقات إذاً؟
توضح مديرة التواصل في عيادة "أمبريولاب" للخصوبة، وهي واحدة من عيادتين ( من ضمنهما عيادة مركز الخصوبة والتلقيح في الأنابيب ) وافقتا على إجراء مقابلة صحفية ضمن هذا التحقيق: «نحن نقدّم المساعدة للراغبين في الحصول على طفل عن طريق الحمل بالنيابة، ضمن سياسة واضحة. حيث نشترط على الأزواج الذين يرغبون في اتباع طريقة الحمل بالنيابة أن يحضروا معهم الأم البديلة بأنفسهم. ونحن لا نتوسط في عملية العثور على الأمهات البديلات أو التأكد من أنهن مؤهلات للقيام بهذه المهمة، بل يقتصر دورنا على تقديم خدمات التلقيح الاصطناعي بعد تحديد الأم البديلة من طرف الزوجين المعنيين».
هذا التصريح يتناقض مع ما صرحت به إيريني ديمو، المديرة التنفيذية لشركة "إمبريو كونسالتنت"(المكتب الاستشاري للأجنة)، وهي شركة أنشئت في أعقاب فضيحة خانيا. إذ تقول: «إذا أردت أن تصبحي أماً بديلة، فما عليك الا أن تذهبي إلى العيادة وتقدّمين طلباً بذلك». ما يوحي ضمنا بأن العيادات نفسها قد تلعب بالفعل دور الوسيط، رغم الحظر القانوني الصريح.
نقص في المعلومات حول انتداب الأمهات البديلات
لا تتوفر معلومات علنية كافية حول آليات انتداب الأمهات البديلات في اليونان، كما فشلت المحاولات التي قمنا بها لإجراء مقابلات مع نساء يشاركن حالياً أو سبق لهن أن شاركن في عملية حمل بالنيابة. غير أن دراسة أكاديمية توفر بيانات مفيدة في هذا الشأن.
ففي عام 2017، نشر بانتيليس رافداس في مجلة "بيوتيكا" دراسة بعنوان «الأمومة بالنيابة في اليونان: بيانات إحصائية مستخلصة من القرارات القضائية». واستندت الدراسة إلىدراسة 281 قراراً قضائياً صادقت عليها المحاكم بين عامي 2003 و2007، تم تحليل ملامح الأزواج الساعين للحصول على طفل والأمهات البديلات.
وأظهرت النتائج أن35 ٪ فقط من الأمهات البديلات يونانيات. أما البقية فجاء معظمهن من بولندا وبلغاريا وجورجيا وألبانيا ورومانيا—أي أن 81.7٪ منهن كنّ من بلدان أوروبا الشرقية. وما يلفت الانتباه أن 24٪ من الأمهات البديلات كنّ على علاقة مهنية مع الأزواج الذين تعاعقدوا معهن للحمل بالنيابة، بينما رفض 19٪ منهن الإجابة. وكان العديد منهن عاملات منزليات أو أخصائيات تجميل (مزينات أظافر أو مصففات شعر) أو موظفات مكاتب.
ماذا يحدث عند وقوع مضاعفات؟
هناك ثغرة قانونية أخرى تتعلق بالتعويض في حال حصول مضاعفات طبية للام البديلة. يقول تارلاتزيس محذراً: «معظم حالات الحمل تمرّ بسلام، لكن ماذا لو أصيبت الأم البديلة بسكري الحمل أو بانزياح المشيمة؟ من يتحمل تكلفة العناية بالرضيع إذا احتاج إلى حاضنة وعناية مكثفة؟».
وتضيف فونتيداكي: «التعويض المعلن ( أي 20 ألف يورو) يغطي الحمل العادي فحسب. وإذا كانت المضاعفات ناتجة عن خطأ طبي، يُفتح تحقيق. لكن إذا كانت مجرد مضاعفات طبية، فلن تتلقى الأم البديلة أي مبلغ إضافي. ولا يوجد نص قانوني يعالج هذه الحالات».
ورغم أن من مهام الهيئة الوطنية للمساعدة على الإنجاب مراقبة إجراءات الحمل بالنيابة، إلا أنها لا تراقب التعويضات التي تتقاضاها الأمهات البديلات، ولا توفّر لهنّ الحماية في حال حدوث مضاعفات طبية. وعندما طُلبنل منها التعليق، أجابت الهيئة: « ليست لدينا معطيات بشأن الحالات التي ذكرتموها ».
في الواقع، لا تقوم الهيئة لفتح تحقيق إلا إذا تقدّمت الأم البديلة بنفسها بطلب رسمي. كما أنها لا تتابع آليات الانتداب، ولا تجمع بيانات حول خلفيات الأمهات البديلات. ولا توجد أي إحصائيات حكومية رسمية في هذا المجال، سوى دراسات أكاديمية قديمة.
كما أن الهيئة لا تقيّم الحالات الفردية إلا بناءً على طلب من الأم البديلة، ولا تراقب كيفية العثور عليهن. ولا تتوفر بيانات حكومية بشأن أصل هؤلاء النساء أو أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية.
بمعنى آخر، تقتصر مهام الهيئة على الجوانب الإجرائية: إذ يركّز الإطار القانوني المنظّم على تقييم البنية التحتية والمعدات ومؤهلات الطاقم الطبي، وشهادات الجودة (مثل "ايزو"). ولا تمتلك الهيئة صلاحية مراجعة أو تدقيق الشؤون المالية للعيادات أو التحقيق في المخالفات الأعمق.
أما بخصوص فضيحة خانيا، فتقول الهيئة: « لا توجد في أرشيف الهيئة الحالية أي معلومات حول الأسباب التي سمحت باستمرار عمل العيادة». وفي ردّها على الفضيحة، وعلى حقيقة أن اليونان لا تملك سجلاً وطنياً للمتبرعين أو الأمهات البديلات، قالت الهيئة إنها تعمل على إنشائه. وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم يتم إحداث هذا السجل بعد.
«معظم حالات الحمل تمرّ بسلام، لكن ماذا لو أصيبت الأم البديلة بسكري الحمل أو بانزياح المشيمة؟ من يتحمل تكلفة العناية بالرضيع إذا احتاج إلى حاضنة؟»
اليونان والإطار القانوني للحمل بالنيابة
تُعدّ اليونان واحدة من الدول الأوروبية القليلة، مع البرتغال وقبرص والمملكة المتحدة، التي تبيح الحمل بالنيابة بشرط أن يكون غير ربحي. ويخضع هذا النظام للمادة 1458 من القانون المدني اليوناني، مع التعديلات الرئيسية التي أدخلت عليه في 2002 2005و 2014 و2022.
على مر السنوات، خضع الإطار القانوني لتعديلات عديدة، أبرزها في عام 2014 عندما فُتح المجال للأزواج الأجانب. وفي عام 2022، تم تعديل القانون لرفع سقف التعويضات للأمهات البديلات، وزيادة الحد الأقصى لسنّ المرشحات إلى 54 عاماً.
ومع ذلك، لا تزال بعض القيود الأساسية قائمة: من ذلك أنه يُسمح بالحمل بالنيابة فقط لفائدة الأزواج من جنسين مختلفين، ويُشترط الحصول على موافقة قضائية، كما يُحظر وجود وكالات وسيطة. ويتعيّن على الأزواج العثور بأنفسهم على الأم البديلة.
وينص القانون اليوناني على أن تكون المرأة المؤهلة لهذا الإجراء دون سنّ الخمسين ، وأن تكون مرتبطة بعلاقة زوجية مع شخص من جنس مغاير، وأن تكون غير قادرة على الحمل وفقا لتقرير طبي. ويشمل ذلك النساء المصابات بمتلازمة ماير-روكيتانسكي، أو بتشوّهات خلقية في الرحم، أو بأورام ليفية، أو بحالات تجعل الحمل مستحيلاً أو مهددا لحياتهن.
أما الأم البديلة، فيجب أن يتراوح سنها ما بين 25 و54 عاماً، وألا تكون قد خضعت لأكثر من عمليتي ولادة قيصرية. كما لا يُسمح لها باستخدام بويضاتها الخاصة. وإذا كانت متزوجة، فيُشترط الحصول على موافقة خطيّة من زوجها. كما لا يُذكر اسمها في شهادة ميلاد الطفل، ويحصل المولود تلقائياً على جنسية الأبوين الساعيين.
انقر هنا لقراءة التحقيق التالي حول إسبانيا ومشاكل تأجير الأرحام.
هذا التقرير جزء من التحقيق في صناعة تأجير الأرحام، والذي تم تطويره بتمويل من Journalismfund Europe ونُشر باللغة الإسبانية على موقع lamarea.com.





























