هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
هدية بركات














الصورة صفر: لوحة فنية، نوفمبر 2023
بداية العملية البرية الإسرائيلية في غزة. مقعد في مستشفى. امرأة شابة، بوجه مستدير كالقمر، أمٌّ لأربعة أطفال، بعضهم/ ن في حضنها والبقية بجانبها. يغطيهم/ ن غبار سميك من الرأس حتى القدمين، لكأنهم/ ن ملفوفون/ ات في قماش أبيض واحد. على صدغ الأم، شريط دمٍ لزج، يشقُّ طريقه عبر الغبار، يتسلل إلى أبعد نقطة، قبل أن يتجلط عند أسفل خدها. لا صراخ، لا بكاء. فقط دهشة في أعين الأطفال/ الطفلات وفراغ غامض في عيني الأم...
مقاطع فيديو مرفقة بأغنية: "سلام لغزة". صور تحمل الكثير من الألم، والرقة، والحنان، والجمال، والشاعرية، والرومانسية، كما لو أنها مشهد لن يتكرر. مع اقتراب الكاميرا، تحدّق المرأة في عيني المصور دون أدنى تغيير على تعابير وجهها، ودون أن تنبس بكلمة، وتعرض أطفالها/ طفلاتها واحداً/ ةً تلو الآخر/ الأخرى بحركات بطيئة ومليئة بالحنان. كلّ ذلك في صمت.
هذه اللوحة الفنيّة لا تحمل توقيعاً أو تاريخاً، لكنها تعود بلا شكّ إلى زمن الجراح الأولى في جسد غزة. غزة المرأة، غزة الحب، غزة السلام، غزة العائلة، غزة الصبر، غزة الصمود في وجه الحصار، غزة الكرامة، غزة التي لم تصدق ما يحدث، والتي ظل الأمل يراودها بأن يكون كلّ هذا كابوساً ستستفيق منه. لكنه لم يكن مجرد كابوس، بل واقعاً مريراً. كلّ شيء حدث بسرعة وقوة رهيبة، على وقع الضربات الجوية الشرسة، والاستهدافات العشوائية، والمجازر بحق المدنيين/ ات، وتزايد أعداد الأطفال/ ات القتلى.
بالتوازي، بدأ فيلم رعب ... فيلم غريزي، مثير للعواطف والانفعالات، حميمي... بلا سيناريو، بلا مخرج/ ة، بلا ممثلين/ ات سوى سكان غزة المنكوبين/ ات، بلا مصورين/ ات سوى الصحفيين/ ات والمدونين/ ات المحليين/ ات، ومجموعة من ملتقطي/ ات الصور بهواتفهم/ ن الذكية.
وكنتيجة لذلك، غمرت الصور شبكة الإنترنت التي انتشرت بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي. هطلت الصور على وقع الصواريخ والقذائف، وانهيار المباني، بسرعة لا تضاهيها سوى سرعة اندلاع الحرائق، وسيارات الإسعاف وطواقمها التي تستخدم الحمالات لنقل الجرحى والجريحات، وسرعة انتشار بقع الدم على الأغطية. لكن، لماذا كلُّ هذا الكمّ الهائل من الصور؟ سؤال لم يكن مطروحاً في ظل تسارع الأحداث، وعنصر المفاجأة، وشدّة الضربات، وطبيعة الفظائع المرتكبة واتساعها.

أما اليوم، وقد هدأ الوضع نسبياً، فبوسعنا اقتراح بعض الإجابات:
نساء يعرضن جثث أطفالهنّ/ ات على الكاميرات، كما لو كانت جوائزاً
يركض الشاب لاهثاً، يتهدّل الغطاء من بين ذراعيه، بالكاد يخفي جسد طفل تدلّت ذراعاه وساقاه المكشوفتان. بقعة الدم القرمزية على الغطاء الأزرق الفاتح توحي بأن الإصابة في الجزء العلوي من الجسد: الصدر، الرقبة، أو ربما الرأس. يتوقف الأب الشاب فجأة عن ركضه المحموم، يلهث، ثمَّ يهتف: "صوِّر! صوِّر! دع العالم يرى أهداف نتنياهو!!!". وما إن تُلتقط الصورة، يتابع الشاب ركضه نحو سيارة الإسعاف المتوقفة عند طرف الشارع، بعد أن تعذر مرورها. لا أحد يعلم إن كان الطفل ما زال على قيد الحياة.

في الواقع، هذه الحادثة ليست معزولة، هناك عشرات الآلاف من الحالات المشابهة، حيث رفع فيها الآباء والأمهات أطفالهم/ طفلاتهن المصابين/ ات الذين/ ات ارتخت أجسادهم/ ن مثل الدُمى مبتورة الرأس، صارخين/ ات بأعلى أصواتهم/ ن: «صوِّر! صوِّر! هذه هي الأهداف الاستراتيجية لنتنياهو!».
آلاف الصور الفوتوغرافية، وآلاف مقاطع الفيديو، تحمل الرسالة ذاتها: أمهات، آباء، أطباء/ ات، مسعفون/ ات، أقارب، جيران، يعرضون أجساد أحبائهم/ ن أو جثثهم/ ن أمام عدسات الكاميرات في لحظة يأس وسباق مع الموت.
ورغم تقديسهم/ ن للذات البشرية وللإنسان، حيّاً كان أم ميتاً، فإنهم/ ن في لحظة براغماتية أو تحت وطأة الضرورة القصوى، تخلى الغزّيون/ ات عن هذا "الإحترام"، ورفعوا/ ن الأغطية للكشف عن الأعضاء المبتورة، والأمعاء البارزة، وأجزاء الجلد المسلوخة، والأجساد الممزقة، والأشلاء المتناثرة. لايبتغون/ ن سوى تصويرها، ولا شيء غير تصويرها. كيف لأي صحفي/ ة أو حتى لعابر/ ة يحمل/ ت هاتفاً ذكياً، أن يتجاهل/ ت نداء استغاثة كهذا؟
وعند نشر هذه الصور، بالكاد يتم إخفاء المشاهد الصادمة، أو الالتزام بالحد الأدنى من بنود معايير "أخلاقيات مهنة الصحافة"، التي خضعت للمراجعة أمام واقع يتجاوز كلّ الأوصاف والحدود.
في زمن غير بعيد، كان مجرد تصوير طفل/ ة ونشر صوره/ تها يُعدّ خطأ مهنياً في حد ذاته. لكن، غزة فرضت قواعدها الخاصة لممارسة الصحافة المواطنية المرتجلة، تم تنظيمها على عجل، صحافة ملتزمة بالحياة، مؤمنة بالقوة المطلقة للمعلومة.
نعرض أنفسنا أمام الكاميرات الصديقة، لوثوقنا بها
جميع الصحفيين/ ات والمدوّنين/ ات والمواطنين/ ات العاديين/ ات الذين/ ات أخذوا/ ن على عاتقهم/ ن مهمّة التصوير وعدم إغفال أي مشهد، كانوا/ نَّ بشكل خاص من أبناء/ ات غزة، وهم/ ن الذين/ ات قرروا/ ن تلقائياً سدّ الفراغ الهائل الذي خلّفه إغلاق إسرائيل للحدود ومنعها دخول الإعلام الأجنبي إلى القطاع. ولعل ما سهّل مهمتهم/ ن معرفتهم/ ن الجيدة بالأرض، والعادات، والتقاليد، والشخصيات، والجغرافيا، والتاريخ، وقدرتهم/ ن على الوصول إلى المُدلين/ ات بالشهادات الحيّة.
على الطرف الآخر، كان الشهود/ ات يشعرون/ ن بالثقة والقرب، وبذلك الرابط الذي ما كان لأي إعلام أجنبي أن يوفره لهم/ ن. ومن هنا جاءت تلك الحميمية، الصدق، والأصالة، بل وحتى ذلك البعد الصادم الذي يميز مشاهداً لم تكن مرتبة مسبقاً ولم تخضع لأي إخراج.
لقد شهدت غزة ميلاد صنفٍ جديدٍ من الصحافة، وهي الصحافة المواطنية في أعمق معانيها. هناك، كُتِبَ التاريخ عبر البث الحيّ بلا تنميق أو تزيين، بما يطلق العنان للانفعالات.
"لسنا مجرد أرقام"، "ارووا قصتنا"، "من سيبقى منا على قيد الحياة سيروي ما حصل"، "انشروا، انشروا، انشروا!!".
شعارات صاغها مفكرون/ ات وشعراء/ ات ومدرسون/ ات وكُتّاب/ ات، فحددوا/ ن المسار وضبطوا/ ن الإيقاع، وتم تطبيقها بحذافيرها كما لو كانت تعاليم دينية خاصة، رحل/ ت صائغوها/ تها إلى عالم آخر، مما أضفى على تعليماتهم/ ن شيئاً من القداسة.
من جهة أخرى، واصل/ ت مستخدمي/ ات الإنترنت المهمة، فغمروا/ ن الفضاء الافتراضي بالشعارات والوسوم: "لن ننسى أبداً"، "لن نكون أحراراً ما لم تتحرر فلسطين".
إن تاريخ فلسطين حافل بالمجازر، والتقتيل، والإبادات، والاستيلاء على الممتلكات، وسرقة الأراضي، والتهجير القسري، والدماء، والدموع. صفحات، ويا لها من صفحات طويت. غير أن الصور التي أظهرت بشاعة الفظائع التي ارتكبت على امتداد الفترة بين عامي 1917 و 2023، ظلت قليلة. وإن كان النسيان سيد الموقف، فإن الصمود هو مفتاح المقاومة.
ليست هناك صورة رمزية واحدة لغزة
التاريخ حافل بالثورات الدامية، الحروب، جرائم الحرب، المجازر، والإبادات العرقية. لكن قلّما شهدت حربٌ مثل هذا الكمّ الهائل من الصور الفوريّة، بقوة تأثيرها، وسرعة انتشارها كما حدث في غزة.
8 يونيو 1972. الطفلة الفيتنامية كيم، ذات التسعة أعوام، تحترق بالنابالم وهي مادة حارقة شديدة الاشتعال، فتركض عارية في الشارع، فيما كان ألسنة اللهب تتعالى خلفها. التقط الصورة مصوّر شاب من وكالة "أسوشييتد برس"، فشكلت نقطة تحوّل في الرأي العام الأمريكي خلال الحرب الفيتنامية.
5 يونيو 1989. رجل مجهول، عُرف لاحقاً باسم "رجل الدبابة"، يقف أعزل أمام رتل من الدبابات الصينية في ساحة تيان آنمين. التقط الصورة مصوّر أمريكي، فصارت رمزاً للمقاومة ضد القمع.
كثيرة هي الصور الأخرى، سواء بالأبيض والأسود أو بالسيبيا (أسلوب تصويري قديم)، التي تركت أثراً لا يُمحى في الذاكرة، في زمن كانت فيه الحروب تُختصر في صورة واحدة تتصدّر الصفحات الأولى من الصحف، ثم تتحوّل لاحقاً إلى صورة تثري تحاليل كتب التاريخ.
واليوم، أيُّ صورة يمكن أن تكون الصورة الرمزية للإبادة في غزة؟
هل هي الصورة الأكثر دموية؟ أم الأكثر بشاعة؟ وكيف ننتقيها؟ هل هي بين الصور الأكثر انتشاراً على صفحات الشبكة العنكبوتية؟ وضمن أية فئة "عادية" من الصور نبحث عنها؟ هل ضمن الصور الخاصة بالأطفال؟ أم تلك الخاصة بالنساء أم الرجال؟ أم الأبطال المجهولين؟ أم الأبطال والبطلات الذين /اللواتي تعقّبتهم/ها خوارزميات منظومة "لافندر" التي اعتمدت على الذكاء الاصطناعي وحددتهم/ها كأهداف للتصفية الجسدية بهدف حرمان غزة من قيمتهم/هن؟
هل من بين صور الأمل؟ أو من بين صور الصمود؟ أم من بين صور المآسي المطلقة؟ أم صور الوحشية؟ أم من بين صور المقاومين/ ات الحفاة؟ أو من ضمن صور الجنود/ ات الإسرائيليين/ ات الذين/ ات أطلقوا/ ن ضحكاتهم الداعرة وهم/ ن ينسفون/ ن المنازل ويقتلون الأطفال؟ أم من ضمن صور المقابر الجماعية؟ أم المذابح؟ أم صور المدفونين/ ات وهم أحياءٌ؟ أو المحروقين/ ات أحياء؟
أم صور جحافل الجائعين/ ات التي تلوّح بأوانٍ فارغة؟ أم صور طوابير أناس عطاشى ينتظرون حقهم في الحصول على غالون أصفراللون من الماء؟ أم صور جموع أُبيدت من أجل كيلوغرام واحدٍ من الدقيق الذي تشرّب دمائهم قبل أن يسدّ رمقهم/ ن؟
أم صور أرضيات المستشفيات التي امتلأت بالمصابين/ ات بجروح خطيرة، إلى الحدّ الذي اضطر فيه الأطباء/ ات إلى فرزهم حسب نوع الإصابة لإنقاذ قلّة منهم/ ن؟ أم صور صحفيين/ ات ألقوا بخوذهم/ ن وستراتهم/ ن الواقية في النار لأنها لم تحمهم/ ن من تصفية مبرمجة وإبادة جماعية خلف الأبواب المغلقة؟ أم صور البيوت والخيام التي تهاوت تحت قنابل صُمِّمت أساساً لهدم الجبال؟ أم صور حقول القمح والزيتون التي أُحرقت بالفوسفور الأبيض كي لا تُنتج شيئاً بعد الآن؟ أم صور آبار الماء المسمّمة؟ أم سيارات الإسعاف التي أحرقت عنوة؟ أم المستشفيات المدمرة؟
أم صور كيلومترات من المدن والأحياء التي تم محوها من الخريطة؟ أم صور رهائن تم تجريدهم من ملابسهم، وتقييدهم، وسيقوا نحو سجون التعذيب والتنكيل؟ أم صور جموع من السكان تم تهجيرهم/ ن قسراً، فهرولوا/ ن بأطفالهم/ ن، و وبفرشهم/ ن، وبأمتعتهم/ ن المتواضعة، ليُقصفوا/ ن في الطريق؟
أم صور عائلات احتمت بالمدارس، لكنها صارت أهدافاً تزيد أرقام الجرحى/ ات والقتلى/ ات؟ أم صور أُسرٍ أُبيدت بالكامل فيما كانت نائمة؟ أم صور مصابين/ ات تُركوا لينزفوا/ ن حتى الموت، وحُرموا/ ن من الرعاية، ومُنعوا/ ن من الدفن، وتُركت جثثهم/ ن لتنهشها الكلاب والقطط؟
أم صور أطفالٍ وطفلات ترتجف أطرافهم/ ن كلّها بسبب متلازمة لم تُدرس بعد؟ أم صور رُضَّع/ ات ينطفئون/ ن رويداً رويداً دون أن يُلاحظ عليهم/ ن أي خدش لأن غازاً بلا لون ولا رائحة سلب أنفاسهم "بلطف"؟
أم صور مظاهرات في أقاصي الأرض، تحت المطر والثلج، يحمل أصحابها دُمى ملفوفة بأكفان بيضاء مخضبة بالدماء؟ أم صور مارة دمعت عيونهم/ ن تأثراً في مدن بعيدة، لم يسمعوا يوماً عن قطاعٍ يُدعى غزة؟
أو صور عروض فنية خاطفة، ورقصات، وعروض شارع تُجسّد الهمجية في أقسى أشكالها؟ أم صور إبداعاتٍ فنيّة ولوحات وصور كاريكاتير، وحفلات موسيقية لفنانين/ ات عالميين/ ات، ومؤتمرات يعقدها مفكرون/ ات أحرار/ ات لفضح كذبةٍ اسمها "إسرائيل"...
هكذا، يتضح أنه لا توجد صورة واحدة يمكن أن تختزل الشحنة الرمزية للإبادة الحاصلة في غزة، بل هناك ملايين الصور الزاخرة بملايين الرموز. ومع ذلك، هناك بعض الأمثلة المشبعة بالحقيقة، والقوة، والانفعالات، يمكن أن تسهم معاً في تشكيل صورة رمزية مختزلة ومن بينها.

نسوة يقفن شامخات، ثابتات الأرجل فوق أكداس الركام
تلك المقاطع من الفيديوهات التي تم تصويرها في عتمة الفجر، حيث تضيء مصابيح المُنقذين أجساداً أو رؤوساً أو أطرافاً مدفونة تحت الركام. وفجأة تعلو صيحات الأمل: "عايشة! والله عايشة! فيها نفس! فيها نفس". صور أولئك الرجال الراكضين إلى المشافي وهم يحملون أجساداً لم يعد بالأمكان التعرف إليها، أكياساً مليئة بأشلاء وأعضاء لم يعد بالإمكان التعرف على أصحابها/ تها، وهم يرددون بأعلى أصواتهم: "أشلاء! أشلاء!"، "أشلاء يتعين تجميعها بالاعتماد على ألوان الملابس".
صورة تلك العربة التي تجرّها فرس متعبة، محملة بأجساد متشابكة، أطرافها متدلية، تتمايل مع إيقاع خطوات الفرس. حوالي عشرة أشخاص، إن حسبنا الرؤوس. معظمهم ما زالوا على قيد الحياة، وبالإمكان إنقاذهم، لو أن أقرب مستشفى يملك مستلزمات العلاج الضرورية.
تلك الصور المروّعة، الملتقطة من الأعلى لعمليات النزوح الجماعي، والتي توحي بيوم الحشر، نرى من خلالها أمواجاً رمادية من البشر تسير تائهة فوق الأنقاض. هل هذه صورةُ "تجريد الانسان من إنسانيته وفقاً لخطة معدّة مسبقاً"؟ تبدو مقولة "تجريد الإنسان من إنسانيته" واهية عند مقارنتها بصور أخرى، ومن ضمنها: صور النساء اللواتي يقفن بشموخ وبأرجل ثابتة لا تتزحزح فوق أكداس الركام، غير عابئات بضراوة الانفجارات وشظايا القنابل التي تمطرهن، يرفضن رفع الأعلام البيضاء أو مغادرة بيوتهن حتى خلال أقسى عمليات الحصار، والقصف بالدبابات، ومنع الغذاء.
صور أولئك المهجّرات اللواتي حوّلن خيامهن المؤقتة إلى أماكن للعيش: مدارس، ومحلات للعلاج، وأماكن للعب، والغناء، والرقص، والفرح، والحب، والصمود، وحتى الولادة... باعتبارها جميعاً فعل مقاومة.
سمعنا هؤلاء النساء العزلاوات يقسمن على البقاء على أرضهن، رغم فقدانهن لأطفالهن ولأزواجهن. نساء استطعن بصمودهن إحباط "خطة الجنرالات" بطريقة لم يكن لأي جيش تحقيقها.
ولإنه يتعذر راهناً، على أيّ كان، التكهن بمصير وقف إطلاق النار في غزة، فإن الجميع يعلم تماماً ما حدث خلال الأشهر الخمسة عشر من النار والدم التي سبقته. لقد تحولت الهزّة التي أحدثتها موجة الصور على المستوى العالمي بسرعة إلى أثر لا يُمحى، أثر يجسد الألم والمعاناة. وبغض النظر عن استخدام هذه الصور في جلسات المحاكم، يمكن الجزم بأن هذا الأثر خلق رابطاً خاماً يجسد المعاناة الإنسانية الكونية، وأيقظ بشكل مفاجئ إنسانية الإنسان فينا.