هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: English (الإنجليزية)
بورودٍ وشموع مفروشة على طول مساحة المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، الشارع الرئيسي النابض بروح الثورة، أرسلت "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات"، إلى جانب مجموعة من المتضامنين والمتضامنات، تحية إكبار دعماً للحق الفلسطيني في ظل تواصل جرائم الاحتلال ضد المدنيين منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
واكبت "ميدفيمنسوية" هذه الأمسية التي تعكس إيمان الحراك المدني والنسوي بالتضامن مع قضايا التحرر الوطني والانعتاق
من الاستعمار ، حيث لم تدّخر مختلف المنظمات الوطنية جهداً في مساندة الحق الفلسطيني والضغط بكافة السبل المتاحة من أجل فك التعتيم الإعلامي الهادف إلى حجب حقيقة المجازر التي يتعرّض لها شعب فلسطين.
خلال الأمسية التضامنية، قالت رئيسة "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات"، نائلة الزغلامي لـ "ميدفيمنسوية"، "نقف اليوم وقفة مساندة وتضامن تخليداً لأرواح نساء غزة اللواتي قُتلن تحت القصف الصهيوني".
وعن رمزية الشموع التي تضيء لوحة أجساد بشرية مزخرفة برايات تونس وفلسطين تقول الزغلامي، "نُشعل الشموع كحركة رمزية على فقدان الأرواح. وهذا أبسط ما نقوم به لتخليد أسماء الضحايا وتسجيل تضامننا اللامشروط واللامحدود مع كل النساء اللواتي ما زلنَ صامدات واللواتي وهبنا لفلسطين أبناءهن وأحفادهن وبقين في أرضهنّ ولم يتركنها للاحتلال".
إبادة... أو حرب لقطع النسل
كعادتها، لم تخلُ مجازر الاحتلال من جرائم حرب حيث شكّل قصف المستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة أشنعها إذ خلّف المئات بين قتيل وجريح من مرضى ونازحين ممّن تحصنوا بجدران المبنى طلباً للشفاء أو بعض الأمان.
كان المشهد أشبه بفيلم هوليوودي مرعب، أطفال يفترشون المساحات الخضراء في محيط المستشفى يلعبون بالدمى ويستمتعون ببعض لحظات سمر أخيرة مع أمهاتهن ، إلى أن باغتهم شبح الموت المعادي للحياة.
تعكس هذه العملية حرباً من نوع آخر، ربما يريد فيها الاحتلال قطع النسل عبر القضاء على الخصوبة والحياة وإشباع نزعة تكريس الموت مصيراً للفلسطينيين والفلسطينيات، ليثبتَ للعالم رعبَه من ولادة المزيد من الأطفال وبزوغ أجيال جديدة من الفتية والفتيات الذين قد يكوّنون نواة مقاومة لأكبر معاقل الظلم والاحتلال والعنصرية والبطريركية.
تعليقاً على جريمة استهداف المستشفى التي هزّت ضمير الإنسانية وسط تعتيم دولي مطبق، تقول نائلة الزغلامي، "هذا المستشفى شاهد على جرائم الإبادة وهو جريمة حرب هدفها قطع النسل في مكان يعجّ بالولادات المبكرة لنساء بسبب فواجع القصف وسقوط المنازل".
وفي رسالةٍ إلى النساء اللواتي ما زلن يحاربن الموت تشبثاً بالحياة والأرض، تقول الزغلامي "من تونس أوجّه تحية صمود وإكبار وشدّ للعزائم إلى النساء الفلسطينيات من دون استثناء، وإلى كل الحلقات المستضعفة في المجتمعات البطرياكية ضد همجية ووحشية الاحتلال".
وتستذكر زغلامي بأسف قائلة، "أحيي الصحافيين والصحافيات الذين يهدّد القصف حياتهم، مثل مصير فقيدتنا شيرين أبو عاقلة ضحية الجيش الصهيوني".
"مستشفى المعمداني شاهد على جرائم الحرب والإبادة الساعية إلى قطع النسل في مكان يعج بالولادات المبكرة للنساء بسبب فواجع القصف وسقوط المنازل"
على صعيد آخر، يبدو أن جيش الاحتلال يسعى إلى تنفيذ هجمات هدفها إبادة الأجيال القادمة إما عبر قصف المستشفيات أو تدمير قدرات الفلسطينيات على الإنجاب و تشويه الأجنة باستخدام الفوسفور الأبيض المحرم دولياً، ورغم كل ذلك، تظل فلسطين تقاوم، بالحياة والإنجاب، تحدياً لآلة الموت والوحشية وتحقيقاً للعدالة.
هذه العدالة التي تمنحها الطبيعة للنساء تذكّرنا بأساطير مصر القديمة وإلهة الخصوبة "إيزيس" ملكة العرش التي باتت رمزاً لها وللحياة في أساطير الحرب، فتعمّر الأرض وتمنع فراغها واندثارها. تلك هي المرأة الفلسطينية، أسطورة في العطاء الإنساني من أجل الحق في الأرض.
في هذا السياق، أكّد صندوق الأمم المتحدة للسكان في 13 تشرين الأول/أكتوبر، أن عدد النساء الحوامل في مدينة غزة يبلغ 50 ألف، وأن عدد الولادات المتوقعة في الضفة الغربية وغزة الشهر القادم يفوق الـ13 ألف. وهو أمر لا شك في أنه يرعب إسرائيل فنراها تقصف هنا وهناك من أجل القضاء على أي فرصة نجاة أو حياة.
جبهة مدنية تونسية لدعم فلسطين
رغم اليأس والإحباط، تتمسّك الحركات النسوية والمدنية في تونس، من خلال تحالف تم إطلاقه بمبادرة من الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية نقابية) ونقابة الصحافيين والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والدفاع عن أرضه المحتلّة. ولم تقتصر نضالات الحراك المدني والنسوي على حملات التضامن والتظاهر، إنما وجّهت اللجنة الوطنية لدعم المقاومة، وفق ما أكدته الزغلامي لميدفمنسوية، رسالة احتجاج شديدة اللهجة باللغات العربية والفرنسية والانغليزية إلى كل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية لتحميلها مسؤولية السكوت على حرب الإبادة والتصفية العرقية.
"عدد النساء الحوامل في مدينة غزة يبلغ 50 ألف، وعدد الولادات المتوقعة في الضفة الغربية وغزة الشهر القادم يفوق الـ13 ألف"
تؤكد القيادية النسوية على تنويع الأفعال الاحتجاجية، فتشرح الزغلامي في هذا الإطار، "اعترضنا أمام سفارات بعض الدول الداعمة لجيش الاحتلال بقوة الكلمة والمناصرة والتحشيد لأننا دُعاة سلام وسنتوجه في الأيام المقبلة إلى المنظمات الدولية، أما اليوم فمن الضروري التوثيق".
بهذه العبارات تُعرب الزغلامي عن أهمية التوثيق الذي يقع على عاتق الحراك المدني والنسوي النابض في تونس من أجل تسجيل الجرائم والانتهاكات والتشهير بها عبر كل الأساليب السلمية بهدف كشف جرائم الاحتلال ولفت نظر الشعوب ضحايا التعتيم والبروباغندا الكاذبة لجيش الاحتلال والإعلام الغربي.
وتأسيساً على أن الواجب المهني والإنساني الذي يقتضي بالتضامن مع الصحافيين والصحافيات الملتزمين بتغطية الأحداث في غزة، نظمت نقابة الصحافيين التونسيين يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر وقفة احتجاجية دعماً للشعب الفلسطيني ومساندةً للصحافيين والصحافيات الذين يعملون من غزّة والضفة الغربية.
إلى ذلك، أضاءت النقابة ليلاً الشموع في ساحة مقرّها، اعتزازاً بشهداء الصحافة الفلسطينية الذين أضاؤوا على حقيقة العدوان الهمجي على غزة ودفعوا حياتهم فداء لأهداف مهنة الصحافة وقيمها. وحضرت هذه الأمسية الفنية روح مُنشد الحرية ومُناصر تحرّر الشعوب، الشيخ إمام، على أنغام ''فلسطين دولة بناها الكفاح''.