هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
بقلم بترا كلاريتش- صحافية كرواتية
في أحد أيام كانون الأول/ديسمبر 2021 الباردة في مدينة سبليت عند الساحل الكرواتي، تعرضت امرأة تبلغ من العمر 44 عاماً لهجوم من حبيبها السابق حين كانت منهمكة في ترتيب السلع في المتجر حيث تعمل. بحسب تقرير الشرطة، بدأ الرجل بتوجيه الإهانات والشتائم للضحية بسبب عدم سماحها له برؤية ابنه. وسرعان ما انقض عليها وبيده آلة حادة فطعنها 15 طعنة. فارقت السيدة الحياة بعد وقت قصير من الهجوم، رغم أنها نُقلت على الفور إلى المستشفى.
بعد أقل من شهر على هذه الحادثة وعلى بُعد 300 كم شمالاً، في مرفأ مدينة رييكا، كانت امرأة في الـ67 من عمرها تتناول القهوة مع رجل عمره 36 عاماً. وفجأة طرحها أرضاً وصار ينهال عليها بالضرب المبرح، فما لبثت أن توفت بفعل الضربات التي تلقّتها على رأسها وجسدها.
في منتصف شهر شباط/فبراير 2022، صُعق سكان جزيرة فيلا لوكا الصغيرة بخبر مقتل إحدى المواطنات على يد ابنها البالغ من العمر 34 عاماً داخل منزلهما العائلي.
كانت الصدمة كبيرة على سكان كرواتيا، البالغ عددهم 4 ملايين نسمة بحسب آخر إحصاء، جرّاء جرائم القتل العنيفة هذه، خاصةً أنّ اثنتين منهما ارتُكبتا في أماكن عامة. إنّ هذه الأحداث لأمثلةٌ واضح على جرائم قتل النساء، علماً أنّ القانون الكرواتي لا يتضمن تعريفاً لمصطلح "قتل النساء" أو femicide.
أما منظمة الصحة العالمية، فتُعرّف قتل النساء على أنه قتل متعمّد للنساء لأنهن نساء، غير أنّ المفهوم الأوسع لهذا المصطلح يشمل كل جرائم القتل التي تستهدف النساء والفتيات. بحسب منظمة الصحة العالمية، إنّ معظم حالات قتل النساء يقترفها الرجال، وغالباً ما يكونون على صلة وثيقة بالضحية أو تجمعهم بها علاقة حميمة حالية أو سابقة. وعادةً، يكون قتل النساء مسبوقاً بتعرّضهن للعنف المنزلي والتخويف والاعتداء الجنسي أو غيرها من الأحوال التي يتفوق فيها الرجل على المرأة من حيث القوة والموارد.
لا تعترف كرواتيا كسائر بلدان الاتحاد الأوروبي بجريمة قتل النساء. على الرغم من القرار الذي صادق عليه البرلمان الأوروبي بشأن جرائم قتل النساء في العام 2015، لا يعترف القانون الجنائي في كرواتيا بمصطلح قتل النساء، وذلك ينطبق على القوانين الجنائية في بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. بسبب هذا الواقع، بات من الصعب رصد البيانات بشكل دقيق وزيادة الوعي حول جرائم قتل النساء، وبالتالي مكافحة هذا الشكل الأخطر على الإطلاق من أشكال العنف ضد النساء.
بحسب وزارة الداخلية الكرواتية، في شهر كانون الثاني 2022 حصراً، تم تسجيل ثلاث حالات قتل للنساء، وإحداها على يد شخص قريب من الضحية. أما أرقام العام 2021، فتسجل 14 جريمة قتل للنساء، من بينها 11 حالة كان فيها مرتكب الجريمة شخصًا قريبًا من الضحية، بما في ذلك حبيب حالي للضحية في وقت وقوع الجريمة، وحبيب سابق لضحية أخرى.
آخر حادثة لقتل النساء غطتها وسائل الإعلام في كرواتيا وقعت في مدينة صغيرة تُدعى فيلا لوكا في جزيرة كورتشولا. في هذه القضية، أقدم رجل في سن الـ34 على طعن والدته حتى الموت في منزلهما العائلي. بحسب سكان المدينة، كان الجاني في حال نفسية وجسدية سيئة طوال الأيام التي سبقت جريمة القتل. وعلمنا من شرطة مقاطعة دوبروفنيك-نيريتفا أنّ الوالدة كانت قد تقدمت ببلاغ ضد ابنها عدة مرات.
على الرغم من القرار الذي صادق عليه البرلمان الأوروبي بشأن جرائم قتل النساء في العام 2015، لا يعترف القانون الجنائي في كرواتيا بمصطلح "قتل النساء".
القضية الثانية وقعت قبل بضعة أسابيع في مدينة رييكا، حين هاجم رجل عمره 36 عاماً امرأة بالغة من العمر 67 عاماً وهما جالسان معاً في أحد مقاهي وسط المدينة. وكان نازل المقهى وزبائن آخرون شاهدين على جريمة القتل الوحشية هذه، حتى أنّ وسائل الإعلام نشرت لاحقاً فيديو يوثق الحادثة، ما يخالف بدوره مدونات أخلاقيات مهنة الصحافة ويصور الضحية بشكل فاضح.
أما الجريمة الثالثة، فحدثت في تشرين الثاني/نوفمبر عندما أقدم رجل على مهاجمة حبيبته السابقة في مكان عملها في أحد متاجر "ليدل". دنا الرجل من الضحية وبدأ بتوجيه الشتائم إليها ثم انقض عليها وطعنها بآلة حادة. وشهد على هذه الجريمة زبائن كُثر كانوا في المتجر في ذلك الوقت. لم يكن للمعتدي سجلّ سوابق لدى الشرطة.
من هنا نسأل ما الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمكافحة جرائم قتل النساء أو على الأقل الحد منها ومن جميع أشكال العنف ضد النساء؟ قد يكون من المفيد زيادة الوعي المجتمعي بهذه القضايا، وتوفير تعريف قانوني واضح لمصطلح قتل النساء، فضلاً عن إنفاذ القوانين بشكل صحيح بغية الحد من العنف الطويل المدى الذي غالباً ما تتعرض له النساء قبل قتلهن.

ترى مريانا كوشر من منظمة "دوميني" غير الحكومية التي تهدف إلى تعزيز حقوق النساء أنّه يجب توعية الرأي العام حول قضايا جرائم قتل النساء وتثقيفهم حول هذه المواضيع.
وتقول كوشر، "لا يتم الاعتراف بجرائم قتل النساء على أنها كذلك في كرواتيا. لم نضع برامج لرصد حالات قتل النساء على المستوى المحلي إلا مؤخراً. وبرأيي، منذ حادثة القتل التي وقعت في مركز التسوق في سبليت، أصبح الموضوع متداولاً أكثر في وسائل الإعلام". وأضافت أنّ ذلك خطوة إلى الأمام نحو فهم المشكلة الاجتماعية المتمثلة في العنف الذكوري ضد النساء.
لا تقف كوشر عند هذا الحد بل ترى أيضاً مشكلة أخرى في غياب البيانات المتعلقة بالعنف نتيجة عدم وجود الأطر المناسبة لتعريف هذه الحالات ورصدها، ناهيك عن عدم تبليغ الضحية عن العنف الذي تتعرض له بسبب الخوف والشعور بالعار وقلة الإدراك، من بين أسباب أخرى.
وأردفت قائلة، "نعلم عن تجربة أنّه في أغلب الأحيان تحدث جريمة قتل النساء بعد تعرّض الضحية للعنف خلال فترة طويلة".
احتجاجات ضخمة ضد العنف
في العام 2018، وقّعت كرواتيا على اتفاقية اسطنبول، وهي صك ملزم قانوناً "يضع إطاراً قانونياً ونهجاً شاملًا لمكافحة العنف ضد النساء". وفقاً للبيانات الحكومية، تم تصنيف 90% من حالات العنف ضد المرأة والعنف المنزلي في كرواتيا على أنها جرائم، على الرغم من أنّ الاتفاقية تدعو إلى إنزال عقوبة صارمة بمرتكبي مثل هذه الأفعال وتصنيفها في القانون الجنائي.
على الرغم من وجود أوجه قصور في التشريعات، يزداد وعي المواطنين الكرواتيين بهذه المشكلة. في ربيع العام 2019، أنشأت الممثلة وكاتبة السيناريو الكرواتية يلينا فيلياشا مجموعة على فيسبوك بإسم spasime# (#أنقذني) بعد أن ألقى رجل في جزيرة باغ بأطفاله الأربعة من الشرفة. بعد ذلك بوقت قصير، تم تنظيم مظاهرة في العاصمة الكرواتية زغرب، وشارك فيها حوالي 50 ألف شخص.
بعد مرور نصف عام، أقامت العديد من منظمات المجتمع المدني احتجاجات ومبادرات في جميع أنحاء البلاد بسبب إطلاق سراح خمسة رجال متهمين بالاغتصاب المتكرر والاستغلال الجنسي والابتزاز والاعتداء الجسدي والنفسي على فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً خلال سنة واحدة. وشارك العديد من المواطنين والشخصيات العامة في هذه الاحتجاجات التي هدفت إلى دق ناقوس الخطر بشأن نقص الوعي وضعف عمل المؤسسات في حماية المرأة من العنف.
نتيجةً لذلك، وعدت الحكومة الكرواتية المتظاهرين بفتح بيوت آمنة للنساء في المقاطعات الست حيث لا تتوفر مثل هذه المساكن، وأنشأت خطاً ساخناً للإغاثة على مدار الساعة. لم تنكث الحكومة بوعدها، بيد أنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت الإجراءات التي اخذتها مناسبة، حيث أنّ بعض هذه البيوت المفتوحة لم يكن مخصصاً للنساء فقط، بل لجميع ضحايا العنف، وبعضها يخضع أيضاً لسلطة كاريتاس. وكذلك خط الإغاثة مخصص لجميع ضحايا العنف وليس للنساء حصراً، لذلك هناك شكوك حول ما إذا كان للمتطوعين إلمام كافٍ بالمشاكل الخاصة بالنساء ضحايا العنف.
تقول لورينا زيك من جمعية Rijeka SOS إنّه من المنظور النسوي لا تُعدّ هذه الإجراءات مُرضية لأنها لا تتناول على وجه التحديد قضية العنف ضد النساء.
وتضيف زيك، "تتطرق اتفاقية اسطنبول إلى حالات مختلفة من العنف ضد النساء، من الجريمة إلى "الدفاع عن الشرف" وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث. ويُرجّح أنّ المتطوعين الذين يردّون على اتصالات الخط الساخن لم يحصلوا على الإرشاد الكافي للتعامل مع هذه المسائل".




























