في الصورة الرئيسية من اليمين إلى اليسار: ريما كرامي، حنين السيد، تمارا الزين، ولورا الخازن.
خمسُ نساء في الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نواف سلام، وهو بلا شك رقم يثير بعض الأمل، إذا ما قارناه بتمثيل المرأة في حكومات لبنانية سابقة، حيث تمَّ تهميش النساء كلياً أو مُنِحْنَ وزارة أو اثنتين في أحسن الأحوال.
تشكل مشاركة المرأة اللبنانية في الحكومة الجديدة نحو 20%، وبرغم أن هذه النسبة تشير إلى بعض التقدم، مقارنة بالحكومة السابقة لم تتجاوز 4% فقط، خصوصاً في ظل ظروف البلد الراهنة. فأنها تبقى غير كافية وأقل من الكوتا النسائية التي تطمح إليها المنظمات والجمعيات النسائية، والتي يجب ألّا تقل عن 30%.
أسندت خمس وزارات إلى سيدات، من أصل أربعة وعشرين وزيراً. فقد تولت لورا الخازن لحود وزارة السياحة، وتمارا الزين وزارة البيئة، وحنين السيد وزارة الشؤون الاجتماعية، وريما كرامي وزارة التربية والتعليم، ونورا بيرقدريان وزارة الشباب والرياضة.
وفي مطلق الأحوال، تبقى مشاركة النساء في الحكومات وفي مجالس النواب والبلديات وغيرها، نتيجة المصادفة أو بدافع الشفقة، ولا يمكن أن تتحول إلى واقع وحقّ طبيعي وبديهي في ظل غياب إقرار قانون الكوتا النسائية، الذي يوجب تمثيل النساء، كفرضٍ لا كخيار متروك لمزاج الأحزاب الذكورية غير المؤمنة بدور المرأة في السياسة.
تقول الكاتبة والناشطة النسوية ناهلة سلامة لـ"ميدفيمينسوية": "إنه مسار طويل ومنهك، لا شيء يُقدّم للنساء، وعليهنّ إيجاد طريقة للتسلل وانتزاع أبسط الحقوق في السياسة والعمل والتعليم، وفي كل شيء. وبرغم كلّ المحاولات، ما زال يُنظر إلى سعينا ونضالنا وجهدنا، بوصفه طنيناً مزعجاً وصراخاً غير مجدٍ، يؤدي إلى دمار الأسرة وانحدار الأخلاق في المجتمع. وهو كلام لا يُسمع من الرجال فقط، إذ إن الكثير من النساء من حولنا يعتبرن المطالبة بحقوق النساء وحريّاتهنّ أمراً غير مهم أو غير ضروري، لا بل إنّ بعضهنّ يرين في العمل النسوي مجرد “هورمونات مجنونة” و”عانسات مهسترات".
2004... المرة الأولى
في عام 2004، أدخل رئيس الحكومة السابق عمر كرامي للمرة الأولى، في تاريخ الحكومات اللبنانية، النساء إلى مجلس الوزراء، وذلك بتسميته ليلى الصلح حمادة وزيرة للصناعة ووفاء الضيقة وزير الدولة لشؤون المرأة، ويُعتبر لبنان متأخراً في موضوع تمثيل النساء في الحكومات والمناصب السياسية والعامة، مقارنة بدول الجوار، رغم ما شهده من انفتاح ثقافي واجتماعي.
وفي مطلق الأحوال، تبقى مشاركة النساء في الحكومات وفي مجالس النواب والبلديات وغيرها، نتيجة المصادفة أو بدافع الشفقة، ولا يمكن أن تتحول إلى واقع وحقّ طبيعي وبديهي في ظل غياب إقرار قانون الكوتا النسائية
ووفقاً للباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، فقد شهد لبنان منذ الاستقلال عام 1943، وحتّى حكومة نجيب ميقاتي السابقة 77 حكومة، لكن المرأة لم تتمثل إلا في 9 حكومات ، حيث شغلت 19 وزيرة من أصل 242 وزيراً، أي ما نسبته 8% فقط، وشغلت كل وزيرة منهن الوزارة مرة واحدة، باستثناء ريا الحسن، التي تولّت الوزارة مرتين.
ويضيف في حديث* لـ "الشرق الأوسط": "كان الحضور الأكبر للنساء في حكومة الرئيس حسان دياب، التي ضمّت 6 وزيرات من أصل 20 وزيراً في عام 2020، كان بينهن وزيرة للدفاع الوطني للمرة الأولى هي زينة عكر. كما ضمت حكومة سعد الحريري 4 وزيرات في عام 2019"، ولم تضم حكومة نجيب ميقاتي الأخيرة سوى وزيرة واحدة وهي نجلاء رياشي من أصل 24 وزيراً.
الثلث المؤثر
في هذا الإطار، تقول ناهلة سلامة: "هناك جهود متزايدة لتعزيز دور المرأة في البلديات والوزارات والنيابة، تقودها جمعيات المجتمع المدني منذ سنوات. لكن رغم هذه الجهود، يبقى تمثيل النساء في الحكومات محدوداً، حيث لم تتجاوز نسبته 3.6% منذ اتفاق الطائف عام 1989.
وترى سلامة أن: "المشكلة الحقيقية تكمن في مدى تقبّل المجتمع لفكرة دخول النساء إلى المعترك السياسي ودعمهنّ خلال الانتخابات. فهناك عوامل قد تمنع النساء من الترشح، أهمها العنف السياسي الذي نشهده في مجلس النواب، أو الضغوط العائلية التي تفضّل الرجل على المرأة، بالإضافة إلى محاولات تشويه السمعة والتهديدات". وتعتبر أنه إن لم تُفرض الكوتا على المقاعد بشكل جدي، فإن حظوظ النساء في الوصول إلى مواقع القرار ستتطلب وقتاً أطول.
وتكمن أهمية الكوتا في الاستحقاقات بعدة جوانب، أبرزها زيادة التمثيل النسائي، ما يتيح لهن المشاركة الفاعلة في التشريعات والسياسات العامة. كما تساهم الكوتا في تقليص الفجوة بين الجنسين اذ تضمن حضور النساء كجزء حقيقي من النسيج السياسي في لبنان.
سعت عدة جمعيات ومبادرات إلى إيصال الصوت والمطالبة بإقرار قانون يضمن حق النساء في التمثيل عبر الكوتا. ورغم أن هذا المبدأ معمول به في النظام اللبناني، كما هو الحال مع الكوتا الطائفية والمذهبية في الوظائف والمناصب الرسمية، إلا أن الكوتا النسائية تحديداً كانت دائماً عرضة للتهميش.
فكانت كل معركة تنتهي بصورة تُلتقط لبعض النسويات وممثلي/ ات الجمعيات برفقة نواب معدودين وقعوا على اقتراح قانون لا يسلك طريقه إلى البرلمان، الذي لا يزال حتى الآن يرفض مناقشته.
والكوتا كما هو متعارف عليها عالمياً، ليست بطبيعة الحال الهدف الأسمى الذي تسعى إليه النساء في تحصيل حقوقهنّ، بل هي وسيلة وتدبير موقّت لتخصيص نسبة معيّنة من التمثيل للمرأة في المجالس النيابية والبلدية وفي الحكومات وغيرها. في معظم الأحيان، يوضع الحدّ الأدنى للكوتا على أساس 30% إلى 33%، لتشكّل الثلث، أو ما يعرف بالثلث المؤثّر. فتسمح هذه النسبة بطرح أو إبطال قرار ما.
"المشكلة الحقيقية تكمن في مدى تقبّل المجتمع لفكرة دخول النساء إلى المعترك السياسي ودعمهنّ خلال الانتخابات. فهناك عوامل قد تمنع النساء من الترشح، أهمها العنف السياسي الذي نشهده في مجلس النواب، أو الضغوط العائلية التي تفضّل الرجل على المرأة، بالإضافة إلى محاولات تشويه السمعة والتهديدات".
المرتبة 174 من أصل 190
يحتل لبنان المرتبة 174 من أصل 190 بلداً من حيث التمثيل النسائي في مجلس النواب. وكانت آخر محاولة لتغيير هذا الواقع عام 2023، قبيل الانتخابات البلدية التي كان من المقرر إجراؤها عام 2024، لكنها ألغيت لاحقاً. أما القانون فلم تتم مناقشته في البرلمان، رغم توقيع 10 نواب على الاقتراح والدعم الذي حصل عليه من برنامج الأمم المتحدّة الانمائي UNDPومنظمة "فيفتي فيفتي" وهي منظمة غير حكومية لبنانية تضم النساء والرجال ، تهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين في القطاعين العام والخاص.
لا شك أن مشهد السيدات الخمس في الحكومة الجديدة منح اللبنانين/ات بعض الأمل في أن التغيير ممكن، لكن جمال المشهد لا يلغي الحاجة إلى المزيد من النضال لانتزاع حق النساء في التمثيل السياسي والمشاركة في القرار، عبر القانون وليس المصادفة.




























