هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
في 28 أيلول/سبتمبر عام 2020، كشفت الناشطة الترانسفيمينية مارتا لوي على فيسبوك أنها اكتشفت في مقبرة فلامينيو في روما صليبًا يحمل اسمها وتاريخ إجهاضها الطبي (أو إنهاء الحمل لأسباب علاجية). بجانب صورة للحجر الصغير، كتبت: "الصورة تساوي ألف كلمة". بالفعل، ساعد المنشور، الذي تمت مشاركته أكثر من 10 آلاف مرة، إلى تواصل العديد من النساء مع سلطات المقبرة في العاصمة. وما كُشِفَ كان صادمًا: فقد دُفنت هناك عشرات الأجنة الأخرى، مع ظهور بيانات النساء الشخصية بوضوح، دون أي موافقة مسبقة منهن.

قالت فرانسيسكا تولينو بعد فترة: "إيجاد اسمي على صليب كان المرحلة الأخيرة في العذاب الذي تضطر المرأة لتحمله في روما عند خضوعها لإجهاض علاجي". تولينو من بين العديد من المريضات اللواتي لم يُطلب رأيهن مطلقًا في المستشفى حول مصير الجنين بعد الإجهاض.
حتى ذلك الحين، كانت قلة من الناس على علم بوجود "حدائق الملائكة"، وهي أجزاء محددة في المقابر مخصصة لدفن الأجنة التي يزيد عمرها عن خمسة أشهر بعد الإجهاض العلاجي. ومع ذلك، وفقًا لكتاب الصحفي الاستقصائي غابرييلي بارباتي(1)، توجد نحو 50 من هذه المناطق في جميع أنحاء إيطاليا، حيث يُدفن ما بين 500 و600 جنينٍ سنويًا، وغالبًا دون علم النساء بذلك.
علّقت إليزا إركولي، رئيسة جمعية Differenza Donna، وهي جمعية مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي وتقود إجراءً قانونيًا جماعيًا ردًا على ذلك، قائلة: "لقد أوضح لنا هذا الحدث الانتهاكات الجسيمة التي تنطوي عليها هذه الممارسة على مستويات متعددة، وخاصة من خلال تحويل حدث حميم وخاص إلى شأن عام، ومحاولة فرض معنى عالمي لتجربة تعيشها كلّ امرأة بطريقتها الخاصة."
بفضل هذه المنظمة والتعبئة اللافتة للحركات النسوية، فتحت هيئة حماية البيانات الشخصية (Garante per la protezione dei dati personali) تحقيقًا(2). ونتيجة لذلك، في عام 2023، تم تغريم مدينة روما بمبلغ 176 ألف يورو، وشركة إدارة النفايات البلدية بمبلغ 239 ألف يورو، وتلقت الهيئة الصحية المحلية ASL 1 تحذيرًا رسميًا لانتهاكها الالتزامات المتعلقة بالسرية المنصوص عليها في تشريعات الإجهاض. على الرغم من أن قبور الأجنة تعرض الآن معرفات مشفرة أو أسماء مستعارة، فإن الدفن يظل مستمرًا دون اشتراط موافقة مسبقة من النساء أو توفير تتبع أخلاقي للبيانات الحساسة المتعلقة بإنهاءات الحمل الطوعية.
مزايا وتحديات القانون 194
تم إضفاء الطابع القانوني على الإجهاض في إيطاليا من خلال القانون 194 في عام 1978، الذي يسمح بالإجهاض خلال 90 يومًا بعد استشارة طبية. وُلد هذا القانون من تسوية تاريخية بين المطالب النسوية والأحزاب الكاثوليكية المحافظة، لكنه فقد الكثير من طابعه الثوري الأصلي، وما زال يشوبه بعض الغموض حتى اليوم. بدءًا من عنوانه: «قواعد لحماية الأمومة اجتماعيًا وإنهاء الحمل الطوعي».
على عكس الأنظمة القانونية الأخرى، لا ينظر الإطار القانوني الإيطالي إلى الإجهاض على أنه حقّ قائم على حرية المرأة واختيارها الذاتي، بل يُعامل كإجراء مرتبط بالصحة العامة هدفه الأساسي حماية الحياة البشرية.
على عكس الأنظمة القانونية الأخرى، لا ينظر الإطار القانوني الإيطالي إلى الإجهاض على أنه حق قائم على حرية المرأة واختيارها الذاتي، بل يُعامل كإجراء مرتبط بلصحة العامة هدفه الأساسي حماية الحياة البشرية.
لا يفرض القانون 194 إطارًا زمنيًا محددًا للإجهاض العلاجي الذي يُسمح به فقط عندما يشكل الحمل أو الولادة تهديدًا لصحة المرأة الحامل الجسدية أو النفسية، أو في حالات التشوه أو أمراض الجنين الخطيرة. ومع ذلك، تنص المادة 7 على أنه إذا وصل الجنين إلى مرحلة نمو تسمح له بالنجاة خارج الرحم (حوالي 22 إلى 24 أسبوعًا)، يتعين على الطبيب اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على سلامة الجنين الجسدية.
تنص اللوائح الوطنية الخاصة بخدمات الدفن على أنه بعد الأسبوع الثامن والعشرين من الحمل، يجب تسجيل الأجنة في سجل الأحوال المدنية كمواليد متوفين ودفنها تلقائيًا. بالمقابل، بالنسبة للإجهاضات التي تُجرى قبل الأسبوع العشرين، يكون أمام المرأة24 ساعة لتقرر ما إذا كانت ترغب في تولي أمر الدفن بنفسها (اختياري) أو تفويض المستشفى بهذه المهمة. في الغالب، تقوم المستشفيات بالتخلص من الأجنة مع النفايات العضوية البشرية، لكنها قد تفوض هذه المهمة أيضًا لجمعيات غير ربحية.
على عكس الأنظمة القانونية الأخرى، لا ينظر الإطار القانوني الإيطالي إلى الإجهاض على أنه حق قائم على حرية المرأة واختيارها الذاتي، بل يُعامل كإجراء مرتبط بلصحة العامة هدفه الأساسي حماية الحياة البشرية.
خلال السنوات القليلة الماضية، قامت الجماعات الكاثوليكية التقليدية، التي تعتبر الجنين حياة إنسانية منذ لحظة الحمل والإجهاض جريمة، بالتدخل في هذا الإجراء غير المشروح جيدًا. في الحالات التي لا تبادر فيها المرأة بتقديم طلب، يقوم الكاثوليك الأصوليون باسترجاع الجنين بعد 24 ساعة من الإجهاض ودفنه وفق شعائرهم الدينية.

الله، والوطن، والعائلة
بدعم من الكنيسة وحكومة ميلوني، قامت الجماعات المؤيدة للحياة على مر الزمن بتطوير شراكات مع السلطات الصحية المحلية وكذلك مع الإدارات البلدية والإقليمية.
في بعض المدن، تدير هذه الجماعات حتى ما يُعرف بـ "حدائق الملائكة"، ويعود تاريخ الاتفاق بين جمعية المتطوعين (الدفاع عن الحياة مع ماري) ووكالة الصحة المحلية (ASL) في نوفارا إلى عام 1999، عندما تم إنشاء أول مقبرة لـ "الأطفال الذين لم يولدوا" في هذه المدينة بمنطقة بيدمونت.
تشمل المنظمات النشطة الأخرى Papa Giovanni XXIII (القديس يوحنا الثالث والعشرون)، وArmata Bianca (الجيش الأبيض)، وDifendiamo i nostri figli (لنحمي أولادنا)، وجمعية ProVita & Famiglia (الحياة والعائلة) غير الربحية، والتي كانت إحدى الجهات المنظمة لمؤتمر العائلات العالمي الذي أقيم في فيرونا عام 2019. أثناء هذا الحدث، أثارت ممارسات مثل توزيع الأجنة المطاطية، وصلوات من أجل "شفاء" الأشخاص المثليين، شعارات فاشية للدفاع عن الأسرة التقليدية، وحملات مناهضة لاستخدام الواقي الذكري جدلًا واسعًا. وقد أثارت رعاية قبل وزير العائلة لورينزو فونتانا المؤتمر، وهو عضو حزب ليغا نورد (الرابطة الشمالية) والرئيس الحالي لمجلس النواب، نقاشًا حادًا، بالإضافة إلى مشاركة ماتيو سالفيني الذي كان آنذاك وزير الداخلية والآن نائب رئيس الوزراء ووزير البنية التحتية والنقل.
في عام 2024، اقترح "إخوة إيطاليا" تعديلًا وصل إلى حد إضفاء الشرعية على وجود نشطاء مؤيدين للحياة داخل المستشفيات والعيادات.
لقد كان ارتباط الحركات الإيطالية المناهضة للإجهاض بالتيار اليميني المتطرف معروفًا منذ زمن طويل. وكذلك دورها الوسيط الذي يربط المنظمات النازية الجديدة بحزبي ليغا نورد وإخوة إيطاليا وهذه هي القوى السياسية نفسها التي تصادق في المجالس البلدية على القرارات الأكثر رجعية ومعادية للمثليين وتمييزية ضد النساء.
في عام 2024، اقترح إخوة إيطاليا تعديلًا وصل إلى حد إضفاء الشرعية على وجود نشطاء مؤيدين للحياة في المستشفيات والعيادات، بالإضافة إلى منحهم حق الوصول إلى الأموال الإقليمية والعامة والوطنية من خطة التعافي والمرونة الوطنية (PNRR).
بالنسبة لأنصار حقّ اختيار الإجهاض، فهذه محاولة جديدة من رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني لتقويض الحق في الإجهاض. فحكومتها لا تكتفي بالترويج لحملات تشجيع الإنجاب عبر مكافآت للأسر الكبيرة والمساعدات المالية للمواليد الجدد، بل تستمر أيضًا في إضعاف النظام الصحي الوطني (SSN) لصالح القطاع الخاص، تمامًا كما فعلت الحكومات السابقة على مدار العقدين الماضيين، بغض النظر عن التوجه السياسي. هذا التفكيك التدريجي للبنية التحتية العامة يضر بالعيادات، التي تواجه تخفيضات مستمرة في الميزانيات والكوادر. وفقًا لإحصاءات (SSN) أُغلق 300 مركز خلال السنوات العشر الماضية، مما يجعل الوصول إلى الرعاية الصحية أكثر صعوبة لسكان الجنوب، والفئات الأكثر ضعفًا، والمهاجرين والمهاجرات.
في إيطاليا، لا يقتصر الوصول إلى الإجهاض على مسألة الحقوق المدنية فحسب؛ بل يكشف أيضًا عن عدم المساواة الاجتماعية، الاختلافات المناطقية والضغوط الثقافية، واستغلال الصحة العامة لأغراض أيديولوجية، وهي ظاهرة تزداد انتشاراً.
إضافةً إلى ذلك، فإن المعلومات المتاحة على المواقع الوزارية ومراكز الاستقبال في المستشفيات حول إجراءات الإجهاض ليست واضحة أو محدّثة، كما أن وقت الانتظار مرهق للغاية. وتتعرض العديد من النساء أيضًا لعنف جسدي ونفسي من طواقم الرعاية الصحية، إذ يُجبرن على الاستماع إلى نبض الجنين، ويُحرمن من المسكنات التي يطلبنها، ويُحتجزن في الغرف نفسها مع نساء يلدن.
كما أن الاستشارات الإلزامية مع الأخصائيين/ات النفسيين/ات أو الأطباء/ات النفسيين/ات الذين/ات يحثون النساء على إعادة النظر في قرارهن أصبحت أموراً شائعة.
علاوة على ذلك، إن الاعتراض بدافع الضمير لأسباب أخلاقية أو دينية منتشر على نطاق واسع في بعض مناطق إيطاليا، إلى درجة أن العديد من النساء يُجبرن على السفر خارج مناطق إقامتهن للحصول على خدمات الإجهاض. في كازيرتا، يرفض 80% من أطباء وطبيبات أمراض النساء إجراء عمليات الإجهاض، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 85% في صقلية.(3)

وفقًا لـ كيارا لالي، فيلسوفة متخصّصة في أخلاقيات علم الأحياء ومؤلفة كتاب "من فضلكم، الحقيقة عن الإجهاض" (La verità, vi prego, sull’aborto) في إيطاليا، هناك 15 مستشفى يرفض جميع أطبائها وطبيباته من أخصائيي/ات أمراض النساء إجراء عمليات الإجهاض لأسبابٍ ضميرية، و20 مستشفى أخرى تتجاوز فيها نسبة الرافضين والرافضات 80%.
وتكتب لالي: "هذا الوضع يخلق ظلمًا اجتماعيًا واضحًا، إذ تتمكن النساء اللواتي يمتلكن المال أو العلاقات من إجراء الإجهاض في النهاية، حتى لو اضطررن للسفر بعيدًا عن منازلهن، بينما تُترك الأخريات دون خيار حقيقي. أما في حالات الإجهاض العلاجي بعد الأسبوع الثاني عشر، فالوضع أكثر سوءًا، إذ يعرف الجميع أن من تملك القدرة المالية تلجأ إلى الخارج لإجراء العملية."
في إيطاليا، لا يقتصر الوصول إلى الإجهاض على مسألة الحقوق المدنية فحسب؛ بل يكشف أيضًا عن عدم المساواة الاجتماعية، الاختلافات المناطقية والضغوط الثقافية، واستغلال الصحة العامة لأغراض أيديولوجية، وهي ظاهرة تزداد انتشاراً.
تشير إحصائية مقلقة أخرى إلى انتشار الإجهاضات السرية، إذ تُقدّر وزارة الصحة الإيطالية أن ما بين 10 و13 ألف امرأة في إيطاليا ينهين حملهن سنويًا من دون إشراف طبي، باستخدام أدوية يشترينها عبر الإنترنت.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام، المبنية على تقديرات إحصائية، لا تشمل النساء المهاجرات، اللواتي قد يتجاوز عدد حالات الإجهاض بينهن 5 آلاف حالة سنويًا.
تجربة ليست صادمة بالضرورة
رغم إدراج الإجهاض في ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي الصادر عن البرلمان الأوروبي، فإنه ما يزال من المحرمات في إيطاليا، نادرًا ما يُناقش، وإن نوقش، فبكثيرٍ من التحفّظ.
النساء اللواتي يخترن الإجهاض لأسباب شخصية يواجهن وصمة اجتماعية قاسية، في حين تُقابل من يجرين الإجهاض لأسباب طبية بالشفقة نتيجة المعاناة التي يمررن بها.
توضح كيارا لالي قائلة: "نادرًا ما نتحدث عن الإجهاض، وعندما يُطرح الموضوع، يخفض الناس أصواتهم وأنظارهم. إلا إذا كان النقاش سياسيًا، حينها يتحول الخطاب إلى خطاب ملتهب وكارثي: "مجزرة الأبرياء"، "إبادة جماعية مقننة"، "نساء قاتلات". حتى من يدافعون عن حق الإجهاض وحرية المرأة في الاختيار يجدون صعوبة في الشعور بالارتياح تجاه الموضوع. فالناس يسارعون لتقديم تبريرات لتخفيف وطأة القرار، قبل أن يضيفوا: "الجميع يعرف أنه صدمة""
وفي المقابل، تسعى فيديريكا دي مارتينو، وهي معالجة نفسية وناشطة ترانسفيمينية، إلى قلب هذه السردية الكارثية والمولدة للشعور بالذنب عبر منصة (IVG, ho abortito e sto benissimo) لقد أجهضت وأنا بخير جدًا، التي تجمع منذ عام 2018 شهادات إيجابية. كما تشارك المنصة معلومات عملية، وتعمل على تعزيز أشكال الدعم الجماعي والمجتمعي المتبادل، مقدمةً دعمًا اقتصاديًا ولوجستيًا ونفسيًا للراغبات في إنهاء الحمل.
"الألم والذنب ليسا جزءًا من قدرنا، ناهيكِ عن العار"
تكتب على إنستغرام: "الألم والذنب ليسا جزءًا من قدرنا، ناهيك عن العار. خياراتنا الشخصية تخصنا نحن وحدنا. ولنتذكّر أن المطالبة بخدمات مناسبة ورعاية كريمة تليق ببلد متحضّر ليست أمرًا اختياريًا بل حقٌّ أساسي."
وتضيف: "نحن موجودات، تمامًا كما أن قصص إجهاضنا موجودة، وهي تستحق الاعتراف بها شأنها شأن كلّ التجارب الأخرى المرتبطة بحقنا في تقرير مصير أجسادنا."
(1) غابرييلي برباتي، ضد إرادتي: إجهاضات مستحيلة، دفن الأجنة، وفضائح أخرى، دار بايزي إيديزيوني، 2024.
(2) هيئة حماية البيانات هي الجهة الوطنية المسؤولة عن تطبيق اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) الصادرة عن الاتحاد الأوروبي.
(3) أحدث تقرير صادر عن وزارة الصحة الإيطالية إلى البرلمان بشأن تنفيذ القانون 194 يعود إلى عام 2022، ويستند إلى بيانات عام 2021.
الصورة الرئيسية
في عام 2021، صرّحت إيما بونينو، عضوة مجلس الشيوخ عن الحزب الراديكالي، قائلةً: "اليوم، بعد أكثر من أربعين عامًا على إقرار القانون 194، ما زال حق المرأة في الاختيار مهددًا، لقد حان الوقت للنضال من جديد".
وقد دعمت حملة Libera di abortire (الحرية في الإجهاض)، وتدعو الحملة إلى الاعتراف بالإجهاض كأحد حقوق الصحة الإنجابية، وضمان إتاحته مجانًا ودون أي عوائق حتى الأسبوع الرابع عشر من الحمل.
المصدر: الإنترنت.
تم إنجاز هذا المقال بدعم المكتب التونسي لمؤسسة "روزا لوكسمبورغ".





























