هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية)
أعضاء مجموعة "توحيدة بن الشيخ" خلال ندوة حول الحقّ في الإجهاض بالعاصمة تونس – تصوير هاجر غماقي
في الذكرى الـ52 لتقنين الإجهاض في تونس وبمناسبة اليوم العالمي للإجهاض الآمن، نظّمت مجموعة "توحيدة بن الشيخ" يوم الخميس 25 أيلول/سبتمبر الجاري ندوة صحفية بعنوان: "من أجل استقلالية جسدية فعلية: رفع العراقيل أمام الوصول إلى الإجهاض في تونس"، وذلك بأحد نُزل العاصمة.
تُعدّ "توحيدة بن الشيخ" ائتلافاً تونسياً يضمُّ منظمات نسوية وحقوقية، يُعنى بالدفاع عن الحقوق الجنسية والإنجابية للنساء، مع تركيز خاص على الحق في الإجهاض. وتحمل المجموعة اسم الدكتورة توحيدة بن الشيخ، أول طبيبة تونسية وعربية، تكريماً لريادتها الطبية والاجتماعية ونضالها من أجل الصحة الإنجابية وحقوق النساء.
سلّطت الندوة الضوء على مفهوم الاستقلالية الجسدية والحق في الإجهاض في تونس، من خلال استعراض الإطارين القانوني والتاريخي وأهميتهما في تعزيز حقوق الإنسان. كما ناقشت أبرز التحديات التي تحول دون التمتع الفعلي بهذه الحقوق، بما في ذلك العوائق الاجتماعية والثقافية والصحية والإدارية.
واختُتمت الندوة بالإعلان عن الفائزات بالجائزتين الأولى والثانية في مسابقة أفضل إنتاج صحفي حول الحقوق الجنسية والإنجابية. وتُمنَح هذه الجائزة سنوياً بهدف تشجيع الصحفيات والصحفيين على تناول هذه القضايا الحساسة بعمق ومهنية، وتسليط الضوء على موضوعات الاستقلالية الجسدية وحرية اتخاذ القرار.
الفجوة الكبيرة بين القانون والواقع
في عام 1973، أقرّت تونس القانون رقم 53 الذي يتيح للنساء، سواء كنّ متزوجات أو عازبات أو حتى قاصرات بموافقة الولي الشرعي، حق الإجهاض الطوعي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. ويُنفَّذ الإجراء مجاناً داخل مؤسسات الصحة العمومية. كما أجاز القانون الإجهاض بعد هذه الفترة في حالات استثنائية محددة: إذا كان الحمل يهدّد حياة الأم، أو في حال ثبوت تشوّه خطير لدى الجنين، أو إذا تجاوز عدد الأطفال الأحياء للزوجين خمسة.
غير أنّ هذه الريادة التشريعية، التي منحت تونس صفة "الدولة السباقة"، لم تُترجم بالكامل على أرض الواقع. فبعد أكثر من نصف قرن على إقرار القانون، ما يزال الوصول إلى خدمات الإجهاض محفوفاً بالعراقيل والتضييقات، وظل تطبيقه منقوصاً، في ظل تزايد القيود الإدارية والاجتماعية والطبية التي تجعل هذا الحق بعيداً عن متناول جميع النساء.
من الناحية النظرية، يتيح القانون التونسي لكل امرأة، بغضّ النظر عن وضعها العائلي، الحق في الإجهاض خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. غير أنّ الواقع يكشف عن عراقيل متعدّدة؛ إذ تطلب بعض المستشفيات، بشكل غير قانوني، ترخيصاً من الزوج أو الأب رغم أن التشريع لا يشترط ذلك. كما يمارس جزء من الطاقم الطبي وشبه الطبي وصاية على قرار المرأة، عبر المماطلة أو محاولات ثنيها عن الإجهاض، وصولاً أحياناً إلى العنف اللفظي والوصم الاجتماعي.
تقول هادية بالحاج، رئيسة "مجموعة توحيدة بالشيخ": "يتحول قرار الإجهاض إلى عملية شاقة صحياً ونفسياً بسبب تضييق الوصول إلى هذا الحق"، مؤكدة أن هناك مماطلة في المؤسسات الصحية العمومية، ورفضاً غير معلن لإجراء العمليات خاصة للفتيات العازبات.
يكشف استبيان ميداني أنجزته المجموعة بين عامي 2022 و2023، وشمل عينة تجاوزت 5800 شاب وشابة، أن 26.6% فقط من الرجال و45% من النساء على دراية بوجود قانون يبيح الإجهاض، في حين يجهل البقية ذلك تماماً. والأخطر أن 38% من الرجال و31% من النساء يعتقدون أنّ غير المتزوجات لا يحق لهنّ النفاذ إلى هذه الخدمة، ما يعكس جهلاً بالنص القانوني القائم.
"يتحول قرار الإجهاض إلى عملية شاقة صحياً ونفسياً بسبب تضييق الوصول إلى هذا الحق"
التعتيم وانتشار التضييقات
تقول سلمى حجري، رئيسة مجموعة "توحيدة بن الشيخ": "لا يمكن تحديد نسب حالات الإجهاض أو تشخيص واقعه في تونس بدقّة، لأن الأرقام الرسمية لا تشمل سوى ما يجري في القطاع العمومي، فيما يظلّ القطاع الخاص خارج أي إحصاء."
تشير بعض التقديرات إلى أنّ عدد عمليات الإجهاض في القطاع الخاص يفوق بثلاثة أضعاف تلك التي تُجرى في المؤسسات العمومية، حيث تتراوح تكلفتها بين 300 و500 دينار (ما يعادل 90 إلى 150 يورو) لعملية الشفط الجراحية، مقابل مجانيّتها في القطاع العام. غير أنّ غياب الرقابة على المصحّات الخاصة يفتح المجال أمام تجاوزات خطيرة، مثل إجراء عمليات متأخرة تصل إلى الشهر الخامس أو السادس، وهو ما يُعد مخالفاً للقانون إلا في الحالات العلاجية، وقد يترتب عنه عواقب صحية وخيمة على النساء تصل أحياناً إلى الوفاة.
يُعتبر نقص الأدوية المخصّصة للإجهاض الطبي، مثل "الميزوبروستول" و"الميفيبريستون"، من أبرز التحديات التي تواجه النساء اليوم. فالكثير منهن يضطررن للتنقّل بين المؤسسات الصحية بلا جدوى بسبب نفاد المخزون، ما يدفع بعضهن إلى اللجوء إلى طرق غير قانونية أو إلى عيادات خاصة مرتفعة الكلفة.
إلى جانب ذلك، تعاني النساء في الجهات الداخلية من ضعف البنية التحتيّة الصحية ونقص الأطباء المختصين، إذ تشير تقارير أممية إلى وجود أقل من طبيب وطبيبة أمراض نساء واحد لكل 10 آلاف امرأة في ولايات مثل تطاوين وسليانة، مقابل 8 أطباء/ ات في تونس العاصمة.
كما تُشكّل مسألة الخصوصية تحدياً إضافياً في المناطق الريفية، حيث يُعرف الطاقم الطبي عادةً النساء اللواتي يقصدن المراكز الصحية، ما يهدّد سرية العملية ويعرّض هويّة النساء اللاتي يجرين الإجهاض للانكشاف.
لا تقتصر العراقيل على الجانب الإداري والدوائي، بل تمتد إلى البعد النفسي والاجتماعي. نساء كثيرات يروين تعرضهن للعنف اللفظي والمعاملة اللاإنسانية داخل المستشفيات، فضلاً عن الوصم والتمييز.
إحدى القابلات اعترفت خلال الندوة الصحفية بأنها وزميلاتها يحاولن إقناع النساء بالعدول عن الإجهاض "لأنه مضر بصحتهن". كما يرى بعض الأطباء أنّ الإجهاض يجب أن يُجرى فقط كحل أخير.
رغم مخالفتها لروح القانون، تكشف هذه الممارسات عن استمرار هيمنة التصورات التقليدية والنظرة الأخلاقيّة على قرار يتعلق بجسد المرأة وحرّيتها الفردية.
رغم مرور عقود على تقنين الإجهاض، لا يزال تدريب الأطباء/ات والقابلات في تونس غير كافٍ لمواكبة المستجدات الطبية والقانونية. فقد أشار تقرير لجمعية "توحيدة بن الشيخ" إلى أنّ هذا التدريب لا يعتمد مقاربة حقوقية، وأن القابلات، على وجه الخصوص، يشكّلن أحياناً حاجزاً أمام النساء.
ورغم وجود محاولات لتحسين الوضع، مثل إصدار مجموعة "توحيدة بن الشيخ" لدليل التدريب في الصحة الإنجابية بتونس عام 2013، وبرامج تدريب 60 إطاراً صحياً في 2024، فإن ضعف المتابعة وعدم تحديث التشريعات يعرقل هذه الجهود. وتؤكد الناشطة هاجر ناصر، أمينة مال المجموعة، أنّ التقصير في تطبيق القانون وضعف تدريب الإطارات الطبية يؤديان إلى انتهاك حقوق النساء.
رغم مرور عقود على تقنين الإجهاض، لا يزال تدريب الأطباء/ات والقابلات في تونس غير كافٍ لمواكبة المستجدات الطبية والقانونية. فقد أشار تقرير لجمعية "توحيدة بن الشيخ" إلى أنّ هذا التدريب لا يعتمد مقاربة حقوقية، وأن القابلات، على وجه الخصوص، يشكّلن أحياناً حاجزاً أمام النساء.
بين المكسب المهدّد والمسؤولية الغائبة
اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على إقرار الحق في الإجهاض، تواجه تونس مفارقة صادمة: فبينما يضعها القانون التقدمي في طليعة المنطقة، يكتنف الواقع الميداني العديد من العراقيل والنواقص.
بين نقص الأدوية، والفجوات الإقليمية، والوصم الاجتماعي، والعراقيل الإدارية، وغياب استراتيجية واضحة من الدولة، يصبح هذا الحق في كثير من الحالات مجرد حبر على ورق. والأسوأ أن غياب آليات المحاسبة يتيح للأطباء/ات والقابلات الذين واللوات يرفضون/ن إجراء العمليات أو يفرضون/ن عراقيل غير قانونية البقاء في مأمن من أي مساءلة.
منذ عام 1973، شكّل قانون الإجهاض في تونس ثورة في التشريع العربي، لكنه ظل بعيداً عن التطبيق الفعلي. وبين مكسب قانوني رائد، وممارسات ميدانية مقيدة، يظل الحق في الإجهاض اليوم مهدّداً، ويتطلّب أكثر من أي وقت مضى إرادة سياسية واضحة، وتدريباً حقوقياً للممارسين/ات الصحيين/ات، وضمان وصول النساء إلى خدمة آمنة ومجانية، تحترم كرامتهن.




























