هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
تاباتا مارتن أوليا
لا تزال الهجرة قضيةً محوريةً في السياسة الأوروبية؛ وخاصة في إيطاليا حيث تكتسب قضايا الجنسية والهوية الوطنية أهميةً متزايدةً. في الآونة الأخيرة، أثار تطوران سياسيان جدلًا واسعاً في جميع أنحاء البلاد.
أولاً، تم تشديد قوانين حصول الأحفاد من أصول إيطالية على الجنسية. قبل تعديل القانون، كان الحصول على الجنسية الإيطالية قائماً على مبدأ "حق الدم": يحصل أي شخص مؤهل على الجنسية إذا كان له سلف كان على قيد الحياة عند تأسيس مملكة إيطاليا في 17 مارس 1861. أما بموجب اللوائح الجديدة، فيجب أن يكون أحد والديه أو جديه مواطناً إيطالياً بالولادة.
أما التطور الثاني فهو الاستفتاء الذي أقيم في 8 و9 يونيو لتسريع إجراءات تجنيس مواطني الدول الثالثة. هدف الإصلاح المقترح إلى تقليص مدة الإقامة غير المنقطعة المطلوبة من عشرة إلى خمس سنوات. في المقابل لم يشارك في التصويت سوى 30% فقط من الناخبين والناخبات الإيطاليين، وهي نسبة تقل عن الـ 50% زائد واحد المطلوبة لتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة قانوناً.
تحدثنا إلى فانيسا لمعرفة رأيها حول النتيجة، وهي عاملة اجتماعية تبلغ 34 عاماً ومهاجرة من الجيل الثاني هاجرت والدتها من جمهورية الرأس الأخضر للعمل كمدبرة منزل في سن السادسة عشرة.
تقول عن الاستفتاء: "أشعر بخيبة أمل كبيرة. كان بإمكان مليون ونصف مليون شخص الحصول على الجنسية الإيطالية، لكننا لم نحقق هذا الهدف. أعمل مع جمعية "كويستاروما" في روما، وهي جمعية تناضل ضد جميع أشكال التمييز، بما في ذلك العنصرية. كنا نُنظم حملات ونُجري حوارات وورش عمل قبل الاستفتاء. أعتقد أننا بحاجة إلى بذل جهد أكبر في هذا المجال. كنتُ أتحدث مع بعض الأصدقاء لرفع مستوى الوعي بهذه القضية، لكنهم لم يفهموا. إنهم لا يدركون مدى صعوبة الحصول على الجنسية الإيطالية. يعتقدون أنها أمرٌ يُمنح بسهولة، وكأنه هبة".
وتُشير فانيسا إلى التباين مع أولئك الذين يحصلون على الجنسية عن طريق النسب وتقول: "حتى وقت قريب، كان من الأسهل بكثير على شخص ذي جذور إيطالية، حتى لو كانت بعيدة جدًا، الحصول على الجنسية مقارنةً بشخص عاش هنا طوال حياته".

وتضيف: "بالنسبة إلى البقية، هناك ثلاث طرق فقط للحصول على الجنسية: إما أن تعيش هنا لعشر سنوات قبل التقدّم بطلب، أو أن تتزوج مواطنًا أو مواطنة إيطالية، أو أن تُقدم الطلب عند بلوغك الثامنة عشرة. هذا ما فعلته والدتي؛ فقد تقدمت بالنيابة عني عندما بلغت الثامنة عشرة، وحصلتُ على الجنسية عندما كنت في التاسعة عشرة أو العشرين. قرأوا لي حقوقي، وأخذوا بصماتي، وأُقيمَ حفل أداء اليمين، وهذا كل شيء. بالنسبة إليهم، كان الأمر مجرد إجراء إداري: روتيني، لا حياة فيه تقريباً. أما بالنسبة إليّ، فقد كان أمراً بالغ الأهمية. كنت متحمسة للغاية، لأنني تمكنت أخيراً من تقديم نفسي للعالم بالطريقة التي أرى نفسي فيها: كإيطالية من أصل أفريقي".
هي تستذكر التجارب التي طبعت طفولتها في إيطاليا قائلةً: "كانت تجربةً صعبةً للغاية. عانينا كثيراً من الناحية المادية، فكنّا نعيش أنا وأمي وأختي الكبرى على دخلٍ واحد. اضطرت أمي للعمل لساعاتٍ طويلة، فكان على الراهبات في ديرٍ الاعتناء بأختي التي لم تكن ترى أمي سوى مرةً واحدةً في الأسبوع تقريباً. لطالما اعتبرني الناس دخيلةً بسبب لون بشرتي، مع أنني وُلدتُ هنا. عندما كنتُ مع أمي، كان الناس يظنون أنني مُتبنّاة لأني من عرقٍ مختلط، فأمي بيضاء وأبي أسود البشرة، وهو أمرٌ شائعٌ في الرأس الأخضر. عانيتُ العنصرية في المدرسة، وما زاد الطين بلة أنني لم أكن أحمل الجنسية. لم أستطع المشاركة في الرحلات المدرسية إلى الخارج أو في المسابقات الرياضية بسبب تصريح إقامتي".
واليوم، لا تزال التحديات قائمة. "بدأتُ بناء هويتي في السابعة عشرة، ولا تزال العملية مستمرة. الأمر صعب بالنسبة إلى شخص ذي خلفية ولون بشرة مختلفين. يفترض الناس أنني لا أجيد الإيطالية، أو أني غير متعلمة، مع أنني أول فرد في عائلتي يحصل على شهادة جامعية، وهذا أمر أفتخر به. عملتُ أيضًا في مجال التمثيل السينمائي، لكن الأدوار التي تُعرض عليّ هي نفسها دائمًا: مهاجرة أو عاملة جنس. كل هذه التجارب دفعتني إلى البدء بالقراءة عن العرق والهجرة والعدالة الاجتماعية، وسمحت لي بتقبّل هويتي كامرأة إيطالية سوداء، والعمل على تحدي السرديات السائدة من خلال النضال الاجتماعي".
بالنسبة إليهم، كان الأمر مجرد إجراء إداري: روتيني، لا حياة فيه تقريباً. أما بالنسبة إليّ، فقد كان أمراً بالغ الأهمية. كنت متحمسة للغاية، لأنني تمكنت أخيراً من تقديم نفسي للعالم بالطريقة التي أرى نفسي فيها".
يلقى هذا الشعور بالإقصاء الصدى نفسه لدى رُوث، وهي امرأة إريترية 56 عاماً انتقلت إلى إيطاليا عام 1983 بتأشيرة لم شمل عائلي، وتعمل الآن على دمج المهاجرين اجتماعيًا ومهنيًا من خلال منظمات مختلفة.
تقول رُوث: "حاولتُ أن أعيش كمواطنة فاعلة، وأنا على أتم الإدراك بأن لون بشرتي يُميّزني كأجنبية. أحاولُ أن أتجاهل المواقف العنصرية، والتركيز بدلًا من ذلك على بناء علاقات قائمة على التماسك والانسجام. كانت تجربتي إيجابيةً بشكل عام، فقد تمكنتُ من بناء الحياة التي أردتها، على الصعيدين المهني والشخصي".
وعند سؤالها عن إجراءات الحصول على الجنسية، أوضحت: "أنا متزوجة من رجل إيطالي. كان التقدم بطلب الجنسية عملية بسيطة وسريعة للغاية في حالتي. كنتُ أول من تقدم بطلب في عائلتي، عام 1987. بعد حصولي على دبلوم المحاسبة، كان من المشروط حيازة الجنسية الإيطالية لأتسجّل رسميًا وأُمارس مهنة المحاسبة. في ذلك الوقت، لم تكن هناك شروط خاصة، فقط سجل جنائي نظيف. لم يكن هناك حتى حفل لأداء اليمين في مبنى البلدية، ولم يكن هناك حاجة إلى مرسوم رئاسي".
على الرغم من أن الإجراءات كانت سلسة في حالة رُوث، مرّ بقية أفراد عائلتها بتجربة مختلفة تماماً. "جاء والداي إلى إيطاليا في أواخر سبعينات القرن الماضي، مع بداية حرب الاستقلال الإريترية. لدي أيضاً أخوان وأخت واحدة. تقدمت والدتي وأخواي وأختي بطلبات للحصول على الجنسية بعد دخول القانون رقم 91 الخاص بالجنسية حيز التنفيذ عام 1992. بالنسبة إليهم، كان الأمر أكثر تعقيداً واستغرق وقتاً أطول بكثير. على الرغم من إقامتهم لأكثر من 30 عاماً، وامتلاكهم منزلًا، وكسبهم دخلًا جيداً، ومعرفتهم الجيدة باللغة الإيطالية، استغرق الأمر أكثر من أربع سنوات لمعالجة طلب والدتي. أما في حالة أحد أخواي وأختي، استغرق الأمر حوالي عامين. رُفض طلب أخي الآخر بعد أربع سنوات بسبب "عدم كفاية الدخل"، على الرغم من أن دخل الأسرة كان أعلى بكثير من الحد الأدنى. بعد ذلك تقدّم بطلب جديد استغرق حوالي عام قبل الموافقة عليه".
وبالحديث عن تجربتها، تشير إلى طبيعة النظام غير المتوقعة وتقول: "إنّ إجراءات الحصول على الجنسية متضاربة للغاية. لا توجد جداول زمنية مضمونة. وقد تختلف نتائج طلبين متطابقين يُقدَّمان في اليوم نفسه؛ قد يستغرق أحدهما أربع سنوات، والآخر سنتين. لا يوجد يقين قانوني، فالمسألة تعتمد على الحظ".
عندما سألنا رُوث عن الاستفتاء، شاركت فانيسا خيبة أملها.
"لقد بذلتُ جهداً كبيراً لرفع مستوى الوعي لدى معارفي، وشاركتُ في العديد من المؤتمرات. كنتُ آملُ في تصويتٍ إيجابي، لكنني لم أكن أعوِّل عليه حقاً. إنها قضيةٌ مهمةٌ ذات تداعياتٍ كبيرة على إيطاليا، ويجبُ طرحها في البرلمان. هناك عواملٌ كثيرة يجب أخذها في الاعتبار: شيخوخة السكان، وانخفاض معدل الولادات، والمساواة في الحقوق، وأهمية الاندماج الاجتماعي والاقتصادي، والحاجة إلى بناء مجتمعٍ قائم على التماسك والعدالة الاجتماعية لما هو في صالح الإيطاليين والإيطاليات والأجانب على حدٍ سواء. للأسف، لا يرغب الساسة الإيطاليون في تحمّل مسؤولية تغيير قانون الجنسية لعام 1992. لكن خيبة أملي الأكبر هي في فشل الاستفتاءات المرتبطة بالعمالة. إن الأجانب هم أكثر من يعانون الاستغلال في العمل، والعقود قصيرة الأجل، والفصل بدون مكافأة نهاية الخدمة. أشعر بالمرارة إزاء غياب قوانين تحمي العمال، والأجور المتدنية، وظروف العمل غير الآمنة".
تعكس تجارب هاتين الإمرأتين حقيقة أكبر: في حين تستمر الهجرة في رسم مستقبل البلاد، فإن الطريق إلى تكريس الانتماء الكامل في إيطاليا غير متساوٍ وغير مضمون بالنسبة إلى الكثيرين.
ترى فانيسا في ذلك اختلالًا مزمناً: "ندفع الضرائب، ونشارك في دفع المعاشات التقاعدية، ونعمل. هناك أناس يُستغلّون في عملهم، مثل العاملين والعاملات في حصاد المحاصيل في الأرياف. بدون جنسية، غالبًا ما يُجبر المرء على العمل بشكل غير قانوني لمجرد البقاء على قيد الحياة. تستفيد إيطاليا من وجودنا. لكننا لا زلنا نُحرم من حقوق المواطنة التي يتمتع بها الآخرون".
بالنسبة إلى رُوث، إنّ الحق في الجنسية له ثقل ديمقراطي كبير. تقول: "إنه يمنحك القدرة على اختيار حُكامك، ولكنه لا يكون منطقياً إلا إذا خلا من التمييز العنصري. في بلد لا يزال الناس يتحدثون فيه عن "الإثنيات الأصلية"، غالباً ما يبدو هذا الحق مجرد فكرة ثانوية".




























