هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
على الرغم من أن حق الإجهاض الاختياري مضمون قانونيًا في تركيا، تواجه النساء عراقيل عديدة عند محاولة اللجوء إليه فعليًا. فالنساء التركيات يواجهن أصلًا صعوبات في الوصول إلى هذا الحق، غير أن الوضع أشد قسوة بالنسبة للاجئات السوريات اللواتي يعانين حرمانًا مضاعفًا.
وبموجب قانون تنظيم السكان رقم 2827 الصادر عام 1983، تُعدّ وسائل تنظيم الحمل قانونية في تركيا، كما يُسمح بالإجهاض حتى الأسبوع العاشر من الحمل، مع إمكانية التمديد في الحالات التي تُهدَّد فيها حياة المرأة أو الجنين. ومع ذلك، ترفض المستشفيات الحكومية والخاصة في مختلف أنحاء البلاد إجراء هذه العملية بشكل روتيني، مستندة إلى ذرائع متعددة.
الاستعداد لولادة غير مرغوبة
قالت فاطمة.إ، وهي لاجئة سورية حامل: "عمري 25 عامًا، وقد شهدت الحرب في سوريا وما زلت أحمل آثارها. لست مستعدة لإنجاب طفل."
لا تزال فاطمة تعاني من تبعات الحرب النفسية، ولا ترغب في أن تصبح أمًا قبل إكمال علاجها. لكن زوجها وعائلته يتدخلون في قراراتها ويسيطرون على معظم تفاصيل حياتها. ورغم عدم رغبتها في ذلك، أصبحت حاملًا.
في البداية حاولت إخفاء حملها، لكنها اكتشفت أن المستشفيات الحكومية لا تُجري الإجهاض بعد الأسبوع العاشر. وأخبرها الأطباء بأن العملية "ممنوعة". أما المستشفيات الخاصة فأبلغتها بإمكانية إجرائها لكن مقابل تكلفة مالية عالية لا قدرة لها عليها. وهكذا تستعد فاطمة اليوم لولادة لا تريدها.
عوائق في المستشفيات الحكومية والخاصة
لتقصّي حجم المشكلة، تواصلنا مع مستشفيات حكومية وخاصة في شانلي أورفا وديار بكر، وهما من محافظات جنوب شرق تركيا. وقد أفادت جميع المستشفيات التي تواصلنا معها بأنها لا تُجري عمليات الإجهاض.
تضم دياربكر 11 مستشفى حكوميًا قادرًا نظريًا على تقديم خدمات الإجهاض الآمن والمجاني، واحد في مركز المدينة، وعشرة في الأقضية، إضافة إلى تسعة مستشفيات خاصة. أما شانلي أورفا فتضم 21 مستشفى، منها 14 حكوميًا و7 خاصة. ومع ذلك، أكدت جميع المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء أن "الإجهاض ممنوع".
بعض المستشفيات التي اتصلنا بها في دياربكر اقترحت الحضور شخصيًا. وفي المحافظتين، تُجري مستشفيات خاصة محدودة الإجهاض فقط عندما يشكّل الحمل خطرًا على حياة المرأة، وبشرط حصولها على موافقة الزوج، مقابل رسوم تتراوح بين 35 ألفًا و55 ألف ليرة تركية أي ما بين 800 إلى 1300 دولار أميركي. كما ترفض رفضًا قاطعًا إجراء الإجهاض للحمل خارج إطار الزواج.
وفي المستشفيات الخاصة، غالبًا ما تحدد مواقف المالكين/ات والإداريين/ات ما إذا كان الأطباء/ات يستطيعون/ن إجراء الإجهاض. وتتأثر هذه المواقف في الغالب بالسياسات الحكومية، مما يؤدي إلى مزيد من التضييق على النساء.
حرمان مضاعف للاجئات السوريات
رغم صعوبة حصول النساء التركيات على الإجهاض، تواجه النساء السوريات عوائق أكبر بسبب نقص المعلومات، والوصمة الاجتماعية، والهشاشة الاقتصادية.
وحتى آيار/ مايو 2025، تستضيف تركيا مليون و300 سوريًا وسورية، منهم 21,188 في دياربكر و238,475 في شانلي أورفا. وتكشف شهادات النساء اللواتي قابلناهن في المدينتين عن الصدمات والمخاطر المهدِّدة للحياة التي تواجهها من يُحرمن من حقّ قانونيّ يفترض أن يكون متاحًا.
رغم صعوبة حصول النساء التركيات على الإجهاض، تواجه النساء السوريات عوائق أكبر بسبب نقص المعلومات، والوصمة الاجتماعية، والهشاشة الاقتصادية.
"حاول الطبيب إقناعي بالولادة"
فاطمة الحسو، 33 عامًا، فرت من الرقة قبل 14 عامًا واستقرت في شانلي أورفا، حيث تزوجت أحد أقاربها. وعندما علمت بأنها حامل بطفلها الخامس، كانت في الأسبوع الثامن، أي داخل الإطار الزمني القانوني للإجهاض.
قالت: "أردت إنهاء الحمل لأننا لا نستطيع تحمل نفقات طفل آخر. لكن لا المستشفيات الحكومية ولا الخاصة وافقت على الإجهاض. قال لي الطبيب: ‘الله يرزق كل طفل رزقه’، واعتبر إنهاء الحمل خطيئة."
أنجبت فاطمة عام 2024، وهي اليوم أم لخمسة أطفال. وهي وزوجها لا يرغبان بإنجاب المزيد، غير أنهما لا يستطيعان شراء حبوب منع الحمل التي تصفها بأنها "باهظة الثمن".
"كانت بحاجة إلى موافقة زوجها"
مخوز، 40 عامًا، من الرقة أيضًا، تقيم في شانلي أورفا. عندما أدركت أنها حامل، لم تستطع إخبار زوجها. كانت ترغب في الإجهاض لأنها تعيش زواجًا تعيسًا، لكنها نشأت في أسرة متديّنة تعرف جيدًا أن الإجهاض في سوريا يُنظر إليه بوصفه "قتلًا بدم بارد".
قالت: "بالنسبة لي، أي علاقة جنسية غير مرغوبة هي اغتصاب. لم أرد طفلًا، لكن في المستشفى أخبروني أنني بحاجة إلى موافقة زوجي. وبما أنني لم أستطع إخباره، اضطُررت إلى الإنجاب."
أميرة حسين، 35 عامًا، جاءت إلى دياربكر من القامشلي بعد أن فقدت زوجها في الحرب. تزوجت لاحقًا واستقرت في منطقة بيسْمِل. وعندما علمت بحملها، كان الوقت قد تأخر للإجهاض.
قالت: "حبوب منع الحمل مرتفعة التكلفة، ولم أستطع استخدامها بانتظام. الرجال لا يريدون استخدام أي وسيلة حماية، ونحن النساء لا نستطيع شراء حبوب منع الحمل بسبب الظروف المالية."
توضح الطبيبة النسائية صابرة أيغون أن الإجهاض في تركيا يُقسَم اجتماعيًا إلى حالتين: داخل إطار الزواج وخارجه.
قالت: "النساء الراغبات في الإجهاض خارج الزواج يواجهن أعرافًا اجتماعية، وخوفًا من الوصمة، وغيابًا لدعم الشريك. وحتى داخل الزواج، لا يتوفر الإجهاض في كل المستشفيات. كثير من الأطباء والطبيبات والإداريين/ات يرفضون/ن إجراؤه."
وتضيف أيغون أن السوريات، وخاصة في المناطق الريفية، يفتقرن إلى المعرفة بحقوقهن: "لا يعرفن كيفية عمل النظام الصحي، ولا يمكنهن الوصول إلى معلومات دقيقة. ومعظمهن لا يستطعن تحمل تكاليف المستشفيات الخاصة، ما يجعل معدلات الحمل غير المرغوب فيه أعلى بين السوريات مقارنة بالنساء التركيات."
الإجهاض غير الآمن قد يكون مميتًا
تحذر د. أيغون من أن كثيرات ممن لا يستطعن الحصول على الإجهاض يلجأن إلى "عيادات غير مرخصة".
قالت: "الظروف في هذه العيادات شديدة الخطورة، مما يزيد احتمالات العدوى وقد يؤدي إلى الوفاة." وتشير إلى أن النساء غير المتزوجات يواجهن عقبات أشد، إذ ترفض مستشفيات حكومية كثيرة إجراء الإجهاض خارج إطار الزواج، رغم عدم وجود نص قانوني يمنع ذلك. وتقول: "لا الأطباء/ات ولا الإداريون/ات يريدون/ن تحمّل المسؤولية، مما يدفع النساء إلى إجراءات غير آمنة."
"الظروف في هذه العيادات شديدة الخطورة، مما يزيد احتمالات العدوى وقد يؤدي إلى الوفاة."
من جهة أخرى، تقول هيلين غونَش، وهي صيدلانية في دياربكر، إن النساء كثيرًا ما يأتين لطلب أدوية تُحفّز نزول الدورة الشهرية.
قالت: "إذا لم يكن الدواء بوصفة طبية، نسألهن عن السبب. ومن خلال الحديث معهن نكتشف أنهن يردن استخدامه لإنهاء الحمل. هذه الأدوية لا يمكن وصفها إلا من قِبل أطباء الأسرة، ومع ذلك، تُضلِّل بعض النساء الأطباء للحصول عليها."
وتضيف: "نحذرهن من أن هذه الأدوية قد تسبب نزيفًا شديدًا، وحتى الوفاة. نطلب منهن مراجعة طبيب، لكن بعضهن يعثرن على طرق للحصول على الحبوب دون وصفة."
وتشير غونَش كذلك إلى أن ارتفاع أسعار حبوب منع الحمل يساهم في زيادة الحمل غير المرغوب فيه: "حبوب منع الحمل مرتفعة التكلفة، ولا تستطيع النساء شرائها، وهذا يجعل الحمل غير المرغوب فيه شائعًا."
ملاحظة: حفاظًا على السلامة الشخصية، تم تغيير أسماء اللاجئات السوريات الكرديات والعربيات. وفي كلتا المدينتين، لم يكن ممكنًا الحصول على بيانات حول عدد النساء اللواتي أجرين عمليات إجهاض في المستشفيات الخاصة، إذ رفضت المستشفيات مشاركة هذه المعلومات.
تم إنجاز هذا المقال بدعم المكتب التونسي لمؤسسة "روزا لوكسمبورغ".

























