صربيا: هل وسائل منع الحمل رفاهية أم حق أساسي من حقوق الإنسان؟

ميليتسا باراتش

تتباين معرفة النساء بوسائل منع الحمل واستخدامها في صربيا تبعًا للعمر، ومستوى التعليم، والقرب من المناطق الحضرية. وبحسب بيانات مسح المؤشرات المتعددة (MICS)، كما وردت في تقرير "الجوانب الجندرية لمسار الحياة" لعام 2022 الصادر عن يونيسف صربيا، فإن 99.7% من المشاركات يعرفن على الأقل وسيلة حديثة واحدة لمنع الحمل. وقد شمل المسح عينة وطنية وأخرى من مجتمعات الروما، التي تعيش في ظروف فقر مدقع وتهميش اجتماعي واسع.

وفي العينة الوطنية، أشارت النتائج إلى أن 62% فقط من النساء المتزوجات و75% من غير المتزوجات الناشطات جنسيًا استخدمن شكلاً من أشكال وسائل منع الحمل. أما في تجمعات الروما، 98% من النساء يعرفن وسيلة واحدة على الأقل، و97% على دراية بوسائل حديثة، لكن 60% فقط من المتزوجات يستخدمن وسائل منع الحمل، وغالبًا ما يعتمدن على الوسائل التقليدية بنسبة 56%، مقابل 7% فقط يلجأن إلى الوسائل الحديثة.

كما تكشف البيانات عن اختلاف واضح بين النساء المتزوجات وغير المتزوجات، فالنساء غير المتزوجات يلجأن إلى الوسائل الحديثة بنسبة 56%، مقابل 21% فقط بين المتزوجات. وتظهر النتائج أيضًا أن استخدام الوسائل الحديثة أعلى بين النساء في المناطق الحضرية وذوات المستويات التعليمية المرتفعة، مقارنة بالنساء في المناطق الريفية ومن ذوات التعليم المحدود. ويظل الواقي الذكري الوسيلة الحديثة الأكثر انتشارًا، بينما يبقى الانسحاب الطريقة التقليدية الأكثر شيوعًا.

عوائق الوصول إلى وسائل منع الحمل

ويبيّن "أطلس سياسات وسائل منع الحمل 2025" الصادر عن المنتدى البرلماني الأوروبي للحقوق الجنسية والإنجابية أن صربيا تسجّل تغطية أدنى بكثير مقارنة بالعديد من الدول الأوروبية. فلا توجد برامج دعم مخصصة للشباب/ات دون 19 أو 25 عامًا، ولا للفئات الهشة مثل العاطلين/ات عن العمل أو منخفضي/ات الدخل، كما لا يغطي النظام الصحي وسائل منع الحمل طويلة الأمد القابلة للعكس (LARC)، ولا تدخل وسائل منع الحمل الطارئة ضمن التعويضات المتاحة.

وبناءً على ذلك، تتحمل النساء كلفة معظم وسائل منع الحمل الحديثة من جيوبهن الخاصة. فباستثناء نوع واحد من حبوب منع الحمل يخضع لمساهمة مالية منخفضة ضمن صندوق الصحة الوطني، تتطلب الأنواع الأخرى تغطية تتراوح بين 70 و90% من التكلفة أو دفعها بالكامل. ورغم المقترحات المتكررة من منظمات المجتمع المدني لإعفاء الشباب والشابات من هذه الرسوم، لم يُعتمد أي منها، رغم أن تراجع استخدام وسائل منع الحمل يرتبط في كثير من الأحيان بالفقر وضعف معرفة الشباب والشابات بالصحة الإنجابية.

وفي بعض الحالات، يفضي تراجع استخدام وسائل منع الحمل إلى حدوث حمل غير مرغوب فيه. ورغم انخفاض هذه الحالات في السنوات الأخيرة، سجّلت صربيا في عام 2023 معدلًا مرتفعًا نسبيًا للولادات لدى المراهقات بين 15 و19 عامًا بلغ 14 ولادة لكلّ ألف فتاة.

مايا، البالغة 20 عامًا، تستخدم وسائل منع الحمل منذ مراهقتها. وتقول: "حتى الآن استخدمتُ الواقيات والحبوب فقط. لم أفكر في خيارات أخرى لأنني أعلم أنني لن أستطيع تحمل تكلفتها. سيكون الأمر أفضل بكثير لو كانت أقل تكلفة… عندها سيستخدمها عدد أكبر من الناس."

وتنظَّم إجراءات الإجهاض في صربيا بموجب قانون إنهاء الحمل داخل المؤسسات الصحية، حيث تُلزم كل عيادة بتقديم الخدمة عند طلب المرأة شخصيًا. غير أن الإجراء لا يغطيه التأمين الصحي، إلا في حال كان الإجهاض ضروريًا لأسباب طبية.

انخفاض استخدام وسائل منع الحمل غالبًا ما يكون نتيجة الفقر ونقص المعرفة لدى الشابات والشباب حول الصحة الإنجابية.

غياب التثقيف الجنسي والمعلومات

ولا يزال التثقيف الجنسي غائبًا فعليًا عن النظام التعليمي الرسمي في صربيا، إذ لا يتجاوز ما يُقدَّم للطالبات والطلاب ضمن دروس الأحياء معلومات أساسية ومحدودة حول الصحة الجنسية والإنجابية، من دون توجيه شامل أو موارد داعمة. وتقول مايا: "معظم معرفتي بوسائل منع الحمل والحقوق الجنسية والإنجابية جاء من أحاديث مع أمي وصديقاتي. في المدرسة، بالكاد تطرقنا إلى هذا الموضوع، ربما في درس واحد، ولم يكن مناسبًا لسنّنا حينها. كما أنني لا أشعر بالراحة عند الحديث عن هذه الأمور مع الأطباء أو الممرضات، وغالبًا لا يقدمون أي معلومات إضافية. عادة لا أذهب إلا للحصول على وصفة طبية عندما أواجه مشكلة حقيقية."

آنا، 34 عاماً، تعمل مُدرّسة، وتلاحظ أن النساء في صربيا يفتقدن إلى الوصول للمعلومات الأساسية حول وسائل منع الحمل والصحة الإنجابية بشكل عام. تقول: "يمكنني أن أتحدث من تجربتي الخاصة. في فترة المراهقة، كانت مصادر معلوماتي الأساسية حول الصحة الجنسية والإنجابية هي صديقاتي وبعض المجلات. كان هذا الموضوع من التابوهات في المدرسة، ويمكنني أن أؤكد دون تردد أن شيئاً لم يتغير منذ ذلك الحين. صحيح أن الشابات والشباب اليوم لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت، لكنني ما زلت مقتنعة بأن التعليم الجنسي الجيد في المدارس ضروري لتوعية الشباب/ات بقضايا الصحة ووسائل الوقاية والحماية. كما أعتقد أن هناك حاجة أيضاً لعمل توعوي موجه للجمهور العام. يجب على صانعي السياسات أن يجعلوا هذا الأمر أولوية إذا أردنا شابات وشباب مسؤولين/ات ومطلعين/ات"

إن غياب التثقيف الجنسي، وضعف الوصول إلى المعلومات والاستشارات، واستمرار التابوهات الاجتماعية، كلها عوامل تُضعف معرفة النساء بخيارات منع الحمل، رغم وجود برامج وطنية ومؤسسات رسمية ومنظمات غير حكومية تعمل في هذا المجال.

وتشدد برانكا، البالغة 52 عامًا، على أهمية الدعم الاجتماعي والمؤسسي، خاصة أن الحديث عن هذه القضايا لا يزال من المحرّمات. وتقول: "لدي ابنتان، وأنا منفتحة معهما في كل ما يتعلق بصحتهما. كثير من الفتيات والنساء يتجنبن الحديث عن هذه المواضيع بسبب الخجل أو الشعور بنقص المعرفة، رغم أن الكثير من المشكلات الصحية يمكن تفاديها. لا أرى أننا حققنا تقدمًا يُذكر في هذا المجال. في بعض الدول تحصل النساء على دعم حكومي أو خصومات لشراء وسائل منع الحمل، وأعتقد أن هذا نموذج يجب أن تعتمدْه صربيا أيضًا. في المثالي، يجب أن تكون الوسائل مجانية وتُستخدم تحت إشراف طبي، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، فعلى الأقل يجب أن تكون أقل تكلفة… فهذا حقٌ أساسي لنا."

ورغم أن مواعيد أطباء النساء في العيادات الحكومية مجانية، فإن الحصول عليها يكاد يكون مستحيلًا؛ إذ يُقدَّر عدد أطباء النساء العاملين/ات في القطاع العام بـ 500 إلى 520 فقط، فيما تفتقر بعض المدن تمامًا لوجود هذا الاختصاص.

رعاية خاصة باهظة التكلفة

في العديد من مناطق البلاد، وخاصة بين الشابات، يبرز بشكل واضح نقص المعلومات الكافية حول أجسادهن وخياراتهن الإنجابية. صحيح أنّ الواقيات الذكرية وحبوب منع الحمل متوفرة في الصيدليات، إلا أنّ وسائل منع الحمل طويلة الأمد والقابلة للعكس تتطلب استشارة في مركز طبي ووصفة طبية. ورغم أن الاستشارات لدى طبيب/ة النسائية في المراكز الصحية العامة مجانية، إلا أنّ الحصول على موعد غالباً ما يكون شبه مستحيل: إذ يُقدّر أن هناك حالياً نحو 500 طبيب وطبيبة نسائية فقط يعملون في هذه المراكز، بينما لا يوجد في بعض المدن أي طبيب نسائية ضمن مراكزها الطبية. ونتيجة لذلك، تضطر النساء في كثير من الأحيان إلى الانتظار طويلاً للحصول على موعد، أو التوجه إلى عيادة خاصة حيث تكون كل استشارة مدفوعة.

ماريا، 38 عاماً، ربة منزل، تقول إن تجربتها مع وسائل منع الحمل: "لم تكن من أكثر التجارب امتاعاً"، لكنها استطاعت أن تجد الطريقة المناسبة لها بفضل الرعاية الطبية الخاصة، "وهو أمر لا يتاح للجميع"، كما تعترف. وتضيف: "خلال حملي وبعده، كنت أراجع طبيب النسائية في عيادة خاصة، لأنه كان من الصعب التواصل مع الطبيب في المركز الصحي العام، لم يكن دائماً قادراً على إعطائي مواعيد إضافية رغم أنني كنت بحاجة إليها. بالنسبة لي، كان الذهاب إلى طبيب/ة خاص هو الحل الأفضل. كان الأمر صعباً من الناحية المالية، نعم، لكنني كنت أشعر براحة وأمان أكبر. وأعتقد أننا نحن النساء يجب أن نتحدث عن هذا الأمر أكثر. فمن الطبيعي تماماً أن يكون لنا جميعاً حق الوصول إلى رعاية طبية عالية الجودة، وأن تكون هذه الرعاية متوفرة في المراكز الصحية العامة. لكننا نعلم جميعاً أن ذلك ليس متاحاً في كل مكان."

الإطار القانوني والسياسي المحلي: الالتزامات الدستورية والتشريعية

يحمي دستور جمهورية صربيا مبدأ المساواة بين الجنسين ويعدّه أحد أسس حقوق الإنسان. كما يضع قانون المساواة بين الجنسين لعام 2021 واستراتيجية المساواة 2021–2030 إطارًا لسياسات تهدف إلى تعزيز المساواة، ومكافحة التمييز، والحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

ورغم أن استراتيجية 2021–2030 تنصّ بوضوح على "تعزيز الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية" كأحد أهدافها الأساسية، ويلزم قانون 2021 السلطات الصحية والاجتماعية باتخاذ تدابير خاصة لرصد هذه الحقوق ودعمها وتحسينها، فإن الواقع لا يزال بعيدًا عن هذه الالتزامات. فالعنف القائم على النوع الاجتماعي والتمييز ما يزالان جزءًا من الحياة اليومية في صربيا، خصوصًا بالنسبة للنساء. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى تسجيل 19 جريمة قتل نساء (فيميسايد) في عام 2024، كان الجاني في 18 منها شريكًا أو أحد أفراد الأسرة. كما سُجّل في العام نفسه 27,211 بلاغًا عنف منزلي؛ 82.6% من مرتكبيه رجال، و71.6% من ضحاياه نساء، بحسب التقرير الثالث عشر لمراقبة تنفيذ قانون منع العنف المنزلي الصادر عن مركز النساء المستقل (AWC).

البرنامج الوطني للصحة الجنسية والإنجابية

وبحسب البرنامج الوطني لحماية وتحسين الصحة الجنسية والإنجابية لعام 2017، يجب أن يحصل الجميع على معلومات دقيقة وشاملة، وعلى وسائل منع حمل آمنة وفعّالة ومتاحة وقابلة للاستخدام. كما يشدد البرنامج على ضرورة تمكين الأفراد من حماية أنفسهم من الأمراض المنقولة جنسيًا، باعتبار أن الصحة الجنسية والإنجابية جزء أساسي من الحق العالمي في أعلى مستوى ممكن من الصحة الجسدية والنفسية، كما تنص عليه المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ويؤكد البرنامج على أهمية ضمان المساواة في الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية بغض النظر عن الجنس أو العمر أو الوضع الاقتصادي أو الخلفية الثقافية أو مستوى الضعف، وعلى تمكين الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن حياتهم الإنجابية والمشاركة في تطوير برامج الحماية الصحية.

ورغم وضوح هذه الأطر المحلية والدولية التي تعتبر الحقوق الجنسية والإنجابية حقوقًا أساسية، فإن الواقع اليومي في صربيا لا يعكس ذلك بالكامل. فهناك فجوة واضحة بين السياسات المكتوبة والممارسات الفعلية، ما يستدعي من المؤسسات توسيع نطاق التعليم والتوعية، وتسهيل الوصول إلى المعلومات الموثوقة، وتطوير آليات الدعم والسداد، وتعزيز خدمات الإرشاد لجميع النساء، في مختلف الأعمار والمناطق. وفي النهاية، لا ينبغي أن يُعامل أي حق أساسي، وفي أي مكان، بوصفه رفاهية.

تم إنجاز هذا المقال بدعم المكتب التونسي لمؤسسة "روزا لوكسمبورغ".