هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
تم إنشاء صورة الغلاف بواسطة الذكاء الاصطناعي.
أين الجناة الحقيقيون من المساءلة؟
باعتباري امرأة أفريقية، شعرت في العديد من الأحيان بضغط ضمني في الخطابات النسوية الإيكولوجية، وكأننا نتحمل عبء التحول البيئي رغم أننا من بين أولى الضحايا لنظام استغلالي واستخراجي لم نكن جزءاً من صنعه. لماذا يُطلب منا التخلي عن الحد الأدنى من الراحة بينما تواصل الشركات متعددة الجنسيات من الشمال استغلالنا بلا عقاب؟
لا تتجاوز انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من أفريقيا سوى 3.8% من مجمل الانبعاثات في العالم، ومع ذلك تعاني القارة الأفريقية من العواقب الكاملة لتغير المناخ: مثل الجفاف، والاستيلاء على الأراضي، والهجرة القسرية. وفي الوقت نفسه، تتحمل 100 شركة متعددة الجنسيات مسؤولية 71% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري منذ عام 1988. نحن نعلم من الذي يدمر الكوكب، ونعلم أيضاً من يدفع الثمن. فلماذا لا يزال على نساء الجنوب تقديم التبريرات؟
حلول سخيفة وغير واقعية
من هذا المنطلق، تقدّم لنا العديد من المنظمات في الشمال بدائل "خضراء" لا تأخذ في اعتبارها واقعنا. في عام 2021، حضرتُ ورشة عمل في العاصمة الجزائرية حول البيئة، نظمتها منظمة غير حكومية دولية وكانت مخصصة للنساء المهاجرات من جنوب الصحراء الكبرى. وكان الموضوع الرئيسي: الحفاضات القابلة للغسل. المشكلة لا تكمن في أن هذا النهج يستهدف النساء حصرياً، بل في تجاهله التام للظروف المعيشية للنساء المستهدفات مثل العنف، والهشاشة، وانعدام الوصول إلى المياه، وغياب البنى التحتية.
صحيح أن حوالي 12% من النفايات في الجزائر هي من حفاضات الاستخدام الواحد وغيرها من المنتجات المماثلة. لكن من يتحمل مسؤولية هذا التلوث؟ هل يجب على النساء، اللواتي يعانين بالفعل من الأعباء النفسية والعمل المنزلي غير مدفوع الأجر، تعويض أضرار هذا النموذج الاقتصادي الذي لم يخترنه؟ ولماذا لا نمنع الشركات متعددة الجنسيات من الشمال من إنتاج هذه النفايات منذ البداية؟ من هو المستفيد حقاً من هذه الدورة الإنتاجية والاستهلاك المفرط؟
فخ الرأسمالية الخضراء والنسوية المؤسسية
لم يكن دمج النسوية الإيكولوجية في سياسات المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في الجزائر خطوة إلى الأمام، بل ساهم في تفريغ مطالبها من أي أهمية سياسية. بدلاً من التشكيك في الرأسمالية والاستعمار الجديد، توجّه هذه السياسات المسؤولية إلى الأفراد، وخاصةً النساء.
تشكّل مشاريع التمويل الأخضر الصغيرة، المقدّمة باعتبارها فرصاً لريادة الأعمال البيئية النسائية، مثالاً صارخاً على التحديات التي تواجه النساء في قطاعات غير مستقرة. في الواقع، تبقى 90% من النساء المشاركات في هذه المشاريع عرضة للخطر في قطاعات هشة مثل الزراعة غير الرسمية، والحِرف اليدوية، وغيرها من المجالات.
نحن نعلم من الذي يدمر الكوكب، ونعلم أيضاً من يدفع الثمن. فلماذا لا يزال على نساء الجنوب تقديم التبريرات؟
في الجزائر، حيث تشكّل النساء الأغلبية في الدراسات الجامعية في المهن الخضراء، نرى أنهن يختفين تدريجياً من سوق العمل ومواقع المسؤولية، إذ لا يمثلن سوى 11%، حسب وزارة العمل. لماذا نستمر في محو خبرتهن أو إخفائها؟ لماذا يؤدي ما يُسمى بالسياسات "الشاملة" إلى تهجير النساء من دون منحهن سلطة اتخاذ القرار على الإطلاق؟ ولماذا لا تشكّل هذه الأسئلة أولوية في بلد لا تزال فيه النسوية مسألة محرمة أكثر من النضالات البيئية؟
بين الشمال والجنوب: هوّة استعمارية عميقة
لا تؤثر أزمة المناخ على الناس بشكل متساوٍ، إذ يعيش 75% من النازحين بسبب تغير المناخ في بلدان منخفضة الدخل، بينما تقوم الدول الغنية، المذنبة الحقيقية، بإغلاق حدودها. بحلول عام 2050، قد يتعرض 1.2 مليار شخص للنزوح، 80% منهم من النساء والفتيات، اللواتي يكنّ عرضة للعنف والهشاشة. وفي الوقت ذاته، تستمر الشركات متعددة الجنسيات في استغلال موارد بلدان الجنوب دون عقاب.
بدلاً من معاقبة الملوثين الرئيسيين، تظل الاتفاقيات مثل اتفاقية باريس غير ملزمة. ورغم الاعتراف بالنزاعات المسلحة كسبب رئيسي للجوء، فإن التصحر لا يُعتبر كذلك، على الرغم من أن ملايين الأشخاص قد أُجبروا على ترك أراضيهم/ ن والنزوح.
يوضح تاريخ الأنشطة الاستخراجية للمعادن الخام والنفط الرابط الوثيق بين تدمير البيئة واستغلال الشعوب في الجنوب العالمي. في منطقة دلتا النيجر، تسببت شركتا "شل" و"إكسون موبيل" في تلويث الأراضي والأنهار، ما أدى إلى حرمان النساء الأوغونيات من مصادر رزقهن. وهذه الشركات نفسها تستفيد الآن من آليات تعويضات الكربون*، التي تسمح لها بالاستمرار في التلويث مع الاستيلاء على الأراضي في الجنوب.
تتواجد النساء، وبخاصة النساء الريفيات ومن السكان الأصليين، في الخطوط الأمامية لحماية البيئة. في عام 2023، كان أكثر من 40% من المدافعين/ ات عن البيئة الذين تم اغتيالهم من النساء. كيف يمكننا تبرير هذا الصمت تجاه نضالهن؟ ولماذا لا تهتم الحركة النسوية الإيكولوجية التي تصلنا بهذه النضالات؟ هل نحن بعيدات جداً عن أخواتنا النسويات الإيكولوجيات المناهضات للرأسمالية، أم أن التعافي المؤسسي قد حدَّ من مساحات التبادل بيننا؟
الجزائر مثالاً
بالرغم من أن الجزائر تُعدّ الدولة الأكثر تلويثاً في شمال إفريقيا، إلا أن بصمتها الكربونية لا تزال منخفضة نسبياً مقارنة بالمعدل العالمي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك، فهي تعاني بشكل كبير من آثار التصحر واستنزاف مواردها. في العديد من المناطق، يجبر الجفاف المزارعين والمزارعات، وكذلك مربي ومربيات الماشية، على بيع مواشيهم/ ن والتخلي عن أراضيهم/ ن.
صحيح أن حوالي 12% من النفايات في الجزائر هي من حفاضات الاستخدام الواحد وغيرها من المنتجات المماثلة. لكن من يتحمل مسؤولية هذا التلوث؟
في منطقة النعامة، الواقعة غرب الجزائر على الحدود مع المغرب، يؤدي جفاف الآبار واختفاء المراعي إلى استحالة تربية الماشية، مما يضطر العائلات إلى الهجرة شمالاً أو البحث عن مهن أخرى. ويؤثر هذا الوضع الهش بشكل رئيسي على النساء، باعتبارهن الضحايا الرئيسيات للكوارث البيئية.
إلى جانب ذلك، هناك الإرث الاستعماري السام، حيث خلّفت التجارب النووية الفرنسية التي أجريت في الصحراء الجزائرية ندوباً بيئية وصحية عميقة. وتظل الجزائر اليوم محاصرة بين الضغوط الاستعمارية الجديدة على مواردها الطبيعية، خاصة الغاز والغاز الصخري، وبين المنطق الاستخراجي للشركات متعددة الجنسيات مثل "توتال"، التي تسعى لفرض رؤيتها على حساب سيادة البلدان وحقها في الطاقة المستدامة.
وفي ظل هذه الحرب للسيطرة على الموارد، تجد النساء أنفسهن محاصَرات بشكل مضاعف. فهن ليسن فقط ضحايا للتأثيرات البيئية والاجتماعية، بل يُمنعن أيضاً، بسبب الخيارات الاقتصادية وقوانين التمويل في السنوات الأخيرة، من المشاركة في المشاريع الهيكلية أو الوصول إلى فرص العمل التي تُعتبر ضرورية لتحرُّرهن.
في مواجهة التضليل البيئي الليبرالي
بعيداً عن خطابات المنظمات غير الحكومية التي تسعى إلى تكريس الشعور بالذنب، من الضروري إعادة التفكير في البيئة من جانبها السياسي، بحيث لا يُسمح لها بأن تصبح غطاءً للمصالح الليبرالية. لا ينبغي أن تتحمل النساء في الجنوب المسؤولية بمفردهن عن الأزمة التي يعانين منها بشكل غير متكافئ. إن الحاجة الملحة تكمن في المطالبة بتحولات هيكلية، مثل فرض عقوبات على الشركات متعددة الجنسيات، وإلغاء الديون البيئية، والاعتراف بالهجرة المناخية كحالة طوارئ إنسانية.
لا يمكن تحقيق العدالة المناخية الحقيقية دون العدالة الاجتماعية، مع التحرر من المنطق الأبوي الذي يعمل على تعزيز عدم المساواة بدلاً من مكافحتها.
إنّ أفريقيا، التي تسعى اليوم لإحداث ثورة صناعية للتحرر من التبعية الغربية والإمبريالية، لا يمكن التضحية بها تحت شعار نموذج التحول البيئي الذي يهدف في المقام الأول إلى حماية امتيازات الشمال. لا يمكن تحقيق العدالة المناخية الحقيقية دون العدالة الاجتماعية، مع التحرر من المنطق الأبوي الذي يعمل على تعزيز عدم المساواة بدلاً من مكافحتها.
لا يمكن اختزال النضال النسوي من أجل العدالة المناخية في إصلاحات سطحية أو مساءلة فردية تحجب التوازن الفعلي للقوى. فعدم المساواة البيئية هي، قبل كل شيء، عدم مساواة في القوة.
لا شك أن التغيير لن يأتي من القمم الدولية، بل من النضالات المحلية التي تقودها النساء أنفسهن في الجنوب. فالنسوية الإيكولوجية ليست مجرد أداة لزيادة الوعي، بل هي أداة لإعادة اكتشاف وظيفتها الأساسية: سلاح بيد المرأة للمقاومة والتحول.
*تعويضات الكربون: هي سياسات وإجراءات تهدف إلى موازنة الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الأنشطة الصناعية والتجارية من خلال دعم أو تمويل مشاريع بيئية تقلل من الكربون أو تمتصه من الغلاف الجوي.