بقلم أمل حسني قارة - صحافية تونسية
تدور أحداث المسلسل "فاتن أمل حربي"، وهو من بطولة الفنانة المصرية نيللي كريم و تأليف ابراهيم عيسى، حول تداعيات الطلاق على النساء ودوامة الصراع التي تدخل فيها البطلة "فاتن"، وهي امرأة متزوجة وأم وموظفة تعاني من خلافات زوجية عميقة.
بعد معاناة طويلة مع طليقها، تقرر"فاتن" المطالبة بتغيير قانون الأحوال الشخصية المصري لتتمكّن من الاحتفاظ بحضانة ابنتيها، إذ بحسب هذا القانون الجائر، تفقد المطلّقة حقها في حضانة أطفالها بمجرد الزواج مجدداً.
يكشف "فاتن أمل حربي" الستار عمّا تخبئه البيوت والمحاكم من حكايات أليمة تطال النساء والعائلات، والعمل جزء من سلسلة أعمال فنية مصرية تتناول هذه القضية، مثل فيلم" أريد حلا".
على أرض الواقع، بلغت وفق النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2020 عدد إشهارات الطلاق 213 ألف و950 حالة مقابل 225 ألفا و929 حالة عام 2019، بنسبة انخفاض قدرها 5,3%.
استطاع "فاتن أمل حربي" أن يحصد نجاحاً كبيراً لأن عدداً كبيراً من المطلقات والزوجات المعنّفات أو المكبلات تحت وطأة الأعراف والقوانين الظالمة، وجدن في شخصية "فاتن" ما يشبههن ورأين في العلاقة الزوجية التي شاهدنها ما يعشنَه من إهانة وسوء معاملة وإذلال وهيمنة ذكورية وعقاب في حال قرّرت المرأة أن تتحرّر من أصفادها.
النساء، مثل "فاتن"، يواجهن تحديات ناجمة عن قوانين وممارسات تقوم على افتراض دونية النساء، خصوصاً في القرارات المتعلقة بالأسرة. كما أنه في الكثير من الأحيان تتحول العلاقات عند الطلاق إلى مناسبة لتعزيز أفعال الانتقام والتنكيل على حساب مصلحة البنات والأبناء الذين غالباً ما يقعون ضحايا للنزاع ويتألّمون بسببه.
إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ النساء اللواتي يرفعن قضية طلاق، يصبحن تلقائياً غير موهلات للحصول على أي شكل من أشكال المعونة المالية التي تقدمها الدولة في المحاكم، إذ يُعتبر أنهن لا يزلن متزوجات رسمياً، وبالتالي ما زلن من "مسؤولية" الزوج، لا الدولة!
الولاية التعليمية
تناول المسلسل أيضاً قضية في غاية من الأهمية تتمثّل بالولاية التعليمية للأطفال. في "فاتن أمل حربي"، يهدّد الأب زوجته بتغيير مدارس الأبناء ونقلهم إلى مدارس حكومية، ما اضطر الأم إلى رفع دعوى للحصول على الولاية التعليمية. هذا التصرف أو التكتيك كلاسيكي جدّاً، إذ يلجأ إليه الكثير من الآباء كوسيلة ضغط على الطليقات، تماماً كمسألة الحضانة ونفقة الأطفال وغيرها، وهي ممارسة آن الوقت لوضع حدّ لها.
مئة عام على إصدار قانون الأحوال الشخصية في مصر
على الرغم من مرور مئة عام على إصدار قانون الأحوال الشخصية في مصر، لا تزال الكثير من الثغرات موجودة وثابتة منذ عقود،حيث بقيت أسيرة تفسيرات وتأويلات دينية وأبوية متأثرة بالموروثات الثقافية القاسية والمتحيزة ضد النساء.
في تلك القوانين، نصّ يشير إلى واجب الطاعة، لا يزال صامداً حتى اليوم، وهدفه وضع النساء في مرتبة دنيا ليجبرهن على طاعة الشخص الذي من المفترض أن يوفّر لهن متطلّبات المعيشة. يتناقض هذا النص بوضوح مع مبدأ المساواة الذي كرّسه الدستور المصري في المادة 53 التي تنص على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي".
تبعاً لقانون الأحوال الشخصية المصري أيضاً، للرجل وحده الحق فى الطلاق ما لم تشترط المرأة فى عقد الزواج سبيلاً آخر له، وهو أمر تقيّده التقاليد الذكورية والأعراف المجتمعية وتحجب عن النساء استخدامه. فضلاً عن ذلك، يسمح القانون للرجل بإنهاء علاقة الزواج عبر طلاق شفهي دون الحاجة لأي إجراءات رسمية، وهو الأمر الذي يتعمّده بعض الأزواج للتمادي فى إهانة زوجاتهم، علاوةً على ظاهرة تعدّد الزوجات المقوننة والتي لا شك أنها تشكّل عبئاً نفسياً ومصدر إذلال للكثيرات.
من غير المستغرب إذاً أن يكون العمل تعرّض لحملة مضادة شرسة من رجال دين يخشون النيل من هيمنتهم على منظومة الزواج والطلاق ورعاية الأطفال. لكن ليتهم غضبوا الغضب نفسه حين حُرمت كثيرات من حقوقهن وأطفالهن وهُددن بأغلى ما لديهن، وليت التعاطف المجتمعي الذي عرفه المسلسل يتحوّل إلى تغيير حقيقي في قوانين الأسرة في مصر والعالم العربي أجمع.