هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية)
بتاريخ 12 كانون الثاني/يناير 2024، اصطدمت شاحنة كانت تنقل على متنها 30 عاملة في مجال قطف الزيتون، بسيارة أخرى. وقع الحادث المؤلم على مقربة من منطقة سيدي علي بن عون في ولاية سيدي بوزيد، وأدّى إلى إصابة 12 امرأة بجروح وكسور مختلفة.
بالكاد مرّ يومان حتى وقع حادث آخر إثر انزلاق شاحنة كانت تقلّ 63 عاملة موسمية على طريق سجنان في ولاية بنزرت، فأصيبت 39 امرأة بجروح ونُقلت 4 إلى المستشفى من جرّاء إصابتهن بكسور خطيرة على مستوى الحوض.
في شهر كانون الثاني/يناير 2022، كان موقع "ميدفيمينسوية" كرّس ملفّاً عن أوضاع النساء الريفيات في أكثر من بلد، وتناول في تقرير صحافي ضمن هذا الملفّ قضية الصعوبات في تنقّل النساء العاملات في الحقول "اللواتي لا يتمتعن بأي تأمين صحي ولا ينتمين إلى أي نقابات، علماً أنهن معرّضات للأدوية المبيدة للحشرات وبوجوه مكشوفة، ولا يحصلن على كامل مستحقاتهن. يستلمن نصف ما يجنيه الرجال من أجور، كما أن عملهنّ لم يُدرج حتى في الإحصائيات الرسمية. يُقدّر عددهنّ بالآلاف، ويُنقلن يومياً إلى الحقول في شاحنات يلتصق فيها جسد الواحدة بجسد الأخرى وتتعرّض فيها حيواتهن للخطر بشكل يومي".
92% من النساء الريفيات العاملات في هذا المجال لا يتمتعن بالتغطية الاجتماعية
و98% منهن يحصلن على أجرة أقل من الحد الأدنى
نذكّر بما كان كُتب في ذلك التقرير، تحديداً لجهة نشر القانون رقم 51 حول النقل في المناطق الريفي الذي أُقرّ عام 2019 بهدف حماية العاملات من مخاطر الطرقات، غير أن الأوضاع لم تتغيّر كثيراً على إثره، إذ لم تزل العاملات يتنقّلن يومياً بواسطة "شاحنات الموت"، ملتصقات ببعضهن وكأنهن من المواشي، وسط تجاهلٍ تام من قبل السلطات المحلية والوطنية لظروفهنّ.
محرومات من أبسط الحقوق
في بيانٍ نشر على موقع "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير، عبّر المنتدى الذي يتابع هذه القضية عن كثب، عن استيائه العميق من أوضاع النساء العاملات في مجال الزراعة والحصاد في البلاد التونسية، وأكّد أن الحوادث المتكررة البالغة 69 منذ 2015 تسبّبت بوفاة 55 شخصاً وإصابة 835 آخرين بجروح وأضرار أخرى. ومنذ سنّ القانون رقم 51، بلغ عدد الحوادث التي وقعت 33، وأسفرت تلك عن وفاة 15 عاملة.
دعا المنتدى السلطات إلى اتخاذ التدابير اللازمة والضامنة لتأمين تطبيق صارم للقانون وتحسين النظام القانوني الخاص بحقوق العمال والعاملات في مجال الفلاحة، والاستثمار في البنية التحتية للطرقات، وتدعيم حملات التوعية من أجل مقاومة النقل الفوضوي الذي يُعدّ شكلاً من أشكال الاتجار بالأشخاص.
خلال استضافتها في حصة "ميدي شو" الذي تبثه إذاعة "موزاييك"، علّقت على الحوادث السيدة حياة عطار، المسؤولة عن ملف النساء الريفيات في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالإشارة إلى تواطؤ السلطات في الجريمة وقالت بنبرة لا تخلو من التمرد إن "الشاحنة المكتظة بالعاملات الزراعيات بأعداد تفوق طاقتها، مثل شاحنة سجنان، يمكن أن تمرّ على الطريق من دون أن تلفت الانتباه... وأنا لا يمكنني أن أصدق أن لا عون من أعوان الأمن استطاع الانتباه إليها ولمخالفتها لقوانين البلاد، بما في ذلك القوانين المتعلقة بالعنف ضد النساء".

وصرّحت السيدة حياة عطار بأن القانون 51 ليس بالكامل، لكنه قادر على الحد من هيمنة الوسطاء وأصحاب الشاحنات، والحد من سيطرتهم على النساء اللواتي يتبعنهم بحكم أنهن يحصلن منهم على أجرة وطريقة للتنقل من بيوتهن إلى المناطق الزراعية.
في 13 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبمناسبة اليوم العالمي للنساء الريفيات الذي يحتفل به العالم في 15 أكتوبر من كل سنة، أنجز المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحليلاً لأوضاع العاملات في المجال الزراعي في تونس وأظهر أن "92% من النساء الريفيات العاملات في هذا المجال لا يتمتعن بالتغطية الاجتماعية و98% منهن يحصلن على أجرة أقل من الحد الأدنى في مجال الفلاحة و78% منهن هنّ أيضاً ضحايا عنف".