هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
منذ اغتيال شيرين قرابة الساعة السادسة والنصف صباحاً يوم 11 أيار/مايو وهي تغطي اقتحام الجيش الإسرائيلي لمدينة جنين، غمرت المجتمعات العربية موجة من مشاعر الحزن والسخط والاستنكار، من تونس إلى الضفة الغربية. وحتى ضمن فريق التحرير لدينا، بدأت الرسائل تتدفق بكثرة.
تكتب ألفة بلحاسين، الصحافية التونسية في شبكة ميدفيمينسوية: "بالنسبة إليّ، تُجسد شيرين قوّة الكلمة في وجه طغيان قوة الاستعمار المسؤولة عن جميع أشكال الفصل العنصري. كلماتها وصوتها كانا هدفاً للدبابات الإسرائيلية...أثّر قتلها في نفسي بشكل خاص واليوم أشعر بالحزن الشديد على شيرين ممزوجاً باليأس والغضب. لقد خسرنا صحافية كفوءة ومتمرسة ومراسلة ميدانية شجاعة لطالما سعت لإيصال الحقيقة. هل سيمرّ اغتيالها من دون معاقبة مرتكبي هذه الجريمة، مثل غيرها من الاغتيالات التي استهدفت صحافيين/ات؟ تُظهر جنازة شيرين الشعبية اليوم بوضوح استمرار القمع، وهي تعزّز، حتى بعد رحيلها، قيمتها وحضورها في قلوب العرب ومنازلهم. أصبحت شيرين رمزاً لتحرير فلسطين. لن ننساك! الحرية لفلسطين!"
أما سامية علالو، مسؤولة مشروع "ميدفيمينسوية"، فتضيف قائلة: "يا ليتنا كنا معاً لنبكي ونصرخ بغضب... من الصعب جداً أن نشهد على هذا الكمّ من الإفلات من العقاب والظلم وعدم المبالاة. ولكن دعونا لا نفقد الأمل، لنبقَ منتفضين."
أما ميسون عودة غنغت، مديرة إذاعة "نساء أف أم" وإحدى المساهمات في إنشاء شبكة ميدفيمينسويّة، فأرادت تقديم شهادة بدورها: "الراحلة شيرين أبو عاقلة لم تكن صحافية فلسطينية رائدة فحسب، بل كانت أيضاً مثالاً يُحتذى به ومصدر إلهام للعديد من الصحافيات اللواتي أكملن تدريبهن واكتسبن الخبرات المهنية في إذاعة نساء أف أم، قبل الانطلاق في مسيرتهن المهنية في مجالات صحافية عدة. صحيح أن شيرين رحلت، بيد أن الصحافيات في فلسطين حفرنها وعملها في قلوبهن وأذهانهن، وبهذا الشكل بقيت حيّةً فيهن. أنا وفريق نساء أف أم في حزن شديد على هذه الخسارة الكبيرة: إمرأة فلسطينية مؤثرة، وأيقونة إعلامية في العالم العربي. ارقدي بسلام يا أختاه!"
شيرين الأيقونة
مرّ شهران منذ أن أجرت شيرين أبو عاقلة استطلاعاً في مخيم جنين للاجئين/ات لتوثيق حملة جديدة من العنف الذي تمارسه قوة احتلال لا تعطي أي اعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، بما في ذلك الحق في الإعلام وفي الحصول على المعلومات. بعد وقت قليل من مقتلها على يد القوات الإسرائيلية، أدانت قناة الجزيرة "الجريمة النكراء التي تشكل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي وتهدف إلى منع الصحافيين/ات من أداء مهامهم."
عملت شيرين التي كانت تبلغ من العمر 51 عاماً في القناة القطرية منذ أواخر التسعينيات. خلال مسيرتها، غطت الكثير من الأحداث التي تركت تأثيراً بالغاً في تاريخ فلسطين: معركة جنين، والانتفاضة الثانية وعدد لا يُحصى من الاعتداءات والعمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. كانت أيضاً من بين أبرز الشخصيات التي طبعت العمل الصحافي الاستقصائي والميداني والاحترافي وأدّت دوراً مهماً بالنسبة إلى الشباب في المنطقة.
تكتب مايا العمار من بيروت، رئيسة التحرير المشاركة في ميدفيمينسويّة: "استيقظتُ في 11 أيار وفتحت هاتفي كالعادة. أول ما وقع عليه نظري هو خبر مقتل شيرين أبو عاقلة. في تلك اللحظة تجمّدتُ في مكاني ولساعتين من الوقت بقيت أبحث على الإنترنت عن أي إشارة تدل على أنها لا تزال على قيد الحياة، أو أنها في غيبوبة لا بد أن تستفيق منها، ولكن من دون جدوى. في طفولتي، شكّلت شيرين مصدر إلهام لي نظراً لإصرارها وشجاعتها. عندما كبرت، صارت شيرين مصدر إلهامي بهدوئها وتواضعها. في حياتها كما في مماتها، ذكّرتني بالقدس وفلسطين. بعيداً عن العقائد الدينية والإيديولوجية، استطعنا أن نفهم بفضل شيرين، نحن الذين لم نتمكن من زيارة فلسطين، كم أن هذه الأرض معطاءة وغنية ومتجذرة في ثقافتنا الواسعة. والأهم أننا أيقنّا حقيقة هذا الاحتلال الذي لطالما تعامل بقمعية ووحشية. لا يسعني أن أعبّر عن مدى غضبي من العالم بسبب نفاقه ومعاييره المزدوجة وظلمه. قلبي مع كل الفلسطينيين/ات الذين يتعرضون يومياً للقتل والتعذيب والمهانة ويشعرون بأنهم غير موجودين... لكن الكثير منا يدعمكم وسنواصل دعم قضيتكم حتى الرمق الأخير!".
"في طفولتي، شكّلت شيرين مصدر إلهام لي نظراً لإصرارها وشجاعتها. عندما كبرت، صارت شيرين مصدر إلهامي بهدوئها وتواضعها. في حياتها كما في مماتها، ذكّرتني بالقدس وفلسطين"
اغتيال واضح وصريح
صباح 11 أيار/مايو، ارتدت شيرين خوذة وسترة زرقاء مضادة للرصاص ومطبوع عليها كلمة "Press" أو صحافة، لذا كان من المستحيل ألا يعرف الجميع أنها صحافية. روى المصوّر مجاهد السعدي تفاصيل ما حدث للإعلام بما أنه كان يقف إلى جانب شيرين عندما أصيبت. وهو يقول: "أصيب زميل لنا وسمعت شيرين تصرخ لتنبهنا بأنه أصيب. سمعت طلقة نارية أخرى فالتفتُّ ورأيتها ممدّدة على الأرض. أصيبت في رأسها، أسفل الأذن، برصاصة دقيقة للغاية، في منطقة لم تكن تغطّيها الخوذة". تأكيداً على كلام مجاهد، أفادنا علي السمودي منتج في قناة الجزيرة الذي أصيب أيضاً في الميدان جراء إطلاق النار وقال وهو يرقد في مستشفى إبن سينا في جنين: "القوات الإسرائيلية هي من أطلقت النار، أولًا عليّ وأصابتني في ظهري، ثم على شيرين".
كم نود لو أن مشاهد الاضطهاد المقيتة هذه تثير الاستياء نفسه في الغرب حيث عبّر الرأي العام عن تأثره الكبير بأعمال الرعب التي أُنزلت بالأوكرانيين على يد الجيش الروسي
الشرطة الإسرائيلية اقتحمت جنازة شيرين أبو عاقلة
استشهدت شيرين بدل المرّة اثنتين حين انتهكت الشرطة الإسرائيلية حرمة جنازتها وحاولت تفريق الحشود وهم يخرجون جثمانها من المستشفى، فانهالت بالضرب على الرجال الذين كانوا يحملون التابوت وكادت تطيح به.
تأتي شيرين أبو عاقلة من عائلة مسيحية من المدينة المقدسة وقد دعا أفراد عائلتها إلى الهدوء أمام الكاميرا واكتفوا بالمطالبة بإظهار الحقيقة حول الظروف التي أدت إلى مقتل شيرين.
كم نود لو أن مشاهد الاضطهاد المقيتة هذه تثير الاستياء نفسه في الغرب حيث عبّر الرأي العام عن تأثره الكبير بأعمال الرعب التي أُنزلت بالأوكرانيين على يد الجيش الروسي. في المقابل، نأمل ألا تتحوّل هيمنة بوتين إلى مشاهد عنف اعتيادية سرعان ما تخسر اهتمام المشاهدين/ات والعالم بها.
إنّ الاعتداءات الإسرائيلية على الإعلاميين/ات ليست بجديدة. فقد تعرّض صحافيون/ات آخرون من الجزيزة إلى مضايقات من الشرطة الإسرائيلية. وقبل عام واحد، تم قصف برج الجلاء في غزة بغارة إسرائيلية علماً أن القناة القطرية كانت تتخذ من ذلك المبنى مقراً لمكاتبها.