عام 1908، احتفلت آنا جارفيس للمرة الأولى بعيد الأم تخليداً لذكرى والدتها، وآنا هي ناشطة أميركية ولدت عام 1864 وتعدّ مبتكرة عيد الأم لتأثرها بوالدتها، وقد خاضت بالفعل حملات ليصبح هذا العيد معترفاً به وتقليداً سنوياً.
إذاً مرّ 115 عاماً على بدء الاحتفال بهذا اليوم، 115 عاماً ونحن ننظر إلى أمهاتنا بعيون دامعة متمنّين لهن الصحة وأن "يبقين فوق رؤوسنا" وفي حياتنا. 115 عاماً والعالم يزيّن الشوارع بالورد والهدايا، ويركض الأبناء والبنات لشراء أجمل ما يمكن من أجل يوم أولئك الرائعات، باعثات الحياة والمضحّيات. ولكن، ألمْ يحن الوقت ليصبح هذا اليوم مناسبة للمطالبة بحقوق الأمهات المهدورة لا سيما في تلك البلدان التي تكرّس الأمومة، كمهنة المرأة الأساسية ودورها النهائي؟
نعم، في تلك البلدان تحديداً، تدفع النساء ثمناً باهظاً لقاء الأمومة التي تتحول في أحيان كثيرة إلى حرمان من الحضانة وعنف جسدي ولفظي وجنسي واقتصادي واجتماعي. في هذه البلدان، قد تسكت أمٌّ 50 سنة وتتحمل الضرب والأذية، حتى لا تخسر أبناءها أمام المحاكم الروحية والشرعية وحتى لا يُسقط المجتمع على رأسها لقب "مطلّقة" وحتى لا ترافقها إلى الأبد، جملة "ماتت مطلّقة"، مع ما يشتمل عليه هذا التصنيف من أفكار بالية ووصمٍ مفاده أن "المطلّقة" لا تستطيع الاهتمام بأبنائها في غياب الزوج، الذي طلّقها لأنها تستحق ذلك، فتُحرم الأم من حقها الطبيعي في رؤية أبنائها والاعتناء بهم. لكنّ هؤلاء الأمهات لا يؤخذن على محمل الجدّ، وغالباً ما يُعتبرن غير معنيات بالاحتفال السنوي كل 21 آذار/مارس، ذلك أن الأم التي تستحق الاحتفاء هي الأيقونة الصامتة، التي لا تُسمِع صراخها لأحد!
في عيد الأمهات، يحقّ لنا أن نطالب بأمومة أقل وجعاً، بأمومة لا تعني استنزافنا حتى الموت، ولا تعني أن نضحي بكل شيء. ويحق لنا أن نسأل الرجال المغرمين بأمهاتهم وزوجاتهم، ماذا ستفعلون من أجلهنّ؟ ومتى ستتعلّمون أن الحياة مشاركة وأن لا عيب في التشاركية في الأعمال المنزلية وفي أعمال الرعاية الأخرى، وأن فكرة أن يجلي رجل صحنه، يجب ألا تكون مجرد استثناء يستحق الثناء، بل مجرد تصرّف بدهي، لا ينتقص من الرجولة ولا من القيمة؟
في العيد، يحق للأمهات أن يطالبن بالحرية داخل الأمومة، وبالخصوصية داخل الأمومة، وبالطموح والاستقلالية الاقتصادية داخل الأمومة
في العيد، يهمّنا أن يعرف الجميع أن أمهاتنا متعبات، كثيرات منهن حُرمن من احتضان أبنائهنّ وبناتهنّ، فيما تعاني أخريات أمام رجال الدين من أجل تسوّل يومٍ واحد مع الصغار الذين حملنهم داخل أجسادهنّ. في العيد الورديّ هذا والذي يعني في الكثير من البلدان بدء فصل الربيع أيضاً، يجب أن يلتفت العالم إلى الـ364 يوماً التي تعيشها النساء والأمهات بلا حماية وبلا دعم، والتضحية غير المنطقية التي يجبرن على بذلها وحيدات ومن دون أن يأبه أحد.
في العيد، يحق للأمهات أن يطالبن بالحرية داخل الأمومة، وبالخصوصية داخل الأمومة، وبالطموح والاستقلالية الاقتصادية داخل الأمومة، وبالاحترام الحقيقي لا الذي يمكن اختصاره بهدية أو وردة، الاحترام الذي يعني المشاركة والتوقف عن التعامل معهنّ كـ"جوارٍ" مجبرات على فعل كل ما يفعلنه، من دون كلمة شكر أو مساعدة، إلا في عيد الأم الذي يعج بالحب والأماني، إنما من دون أن يتغير شيء في واقع الأمهات ومعاناتهن اليومية، مع رجال يعتقدون أن المرأة مجرد أم، وأنها لا تحتاج إلى أي شيء آخر. طبعاً لا يمكن تعميم هذه النظرة إلى كل الرجال، لكننا نتحدّث، عن رجال لا يدخلون المطبخ، ولا يطعمون طفلاً، ولا يدعمون زوجاتهم الناجحات، ويتصرّفون كفحول لا كشركاء في العمل وفي المجالس وفي السياسة وفي الجنس وفي التربية والأعمال الرعائية والمنزلية.
الوقت الطويل الذي تمضيه النساء في العمل المنزلي غير مدفوع الأجر، هو في صلب قضية عدم المساواة بين الجنسين. ففي المتوسط، تمضي المرأة 2.3 ساعة في اليوم في إتمام المهمات المنزليّة، في حين أن الرجل يمضي 1.4 ساعة، بحسب بيانات وزارة العمل الأميركية.
للأمهات، نتمنّى مزيداً من الحقوق المقرّة في قوانين، ومزيداً من التقدير والدعم والرجال المستعدين للمشاركة والإصغاء.