هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: English (الإنجليزية)
بقلم أوفغو بينار
تدفقت النساء إلى الشوارع في تركيا على إثر إصدار الرئيس التركي رجب طيب أردغان في منتصف ليل ٢٠ آذار/مارس مرسوماً يقضي بانسحاب تركيا من اتفاقية مجلس أوروبا بشأن مكافحة العنف ضد النساء، والتي تُعرف باسم اتفاقية اسطنبول.
"اتفاقية اسطنبول تنقذ الأرواح" ، "لا نقبل قرار رجل واحد" ، "لن نتنازل عن اتفاقية اسطنبول". تلك كانت بعض الشعارات التي هتفتها النساء خلال احتجاجات عمّت جميع أنحاء تركيا.
حازت اتفاقية اسطنبول على توقيع 45 دولة وتوقيع الاتحاد الأوروبي. وهي تُعدّ الأداة القانونية الأكثر انتشاراً لمنع العنف ضد النساء والعنف المنزلي، فضلاً عن ضمان حماية الضحايا وتقديم الجناة إلى العدالة. وهذه الاتفاقية هي معاهدة ملزمة قانوناً لمجلس أوروبا، وهي تغطي العنف الأسري وتسعى إلى إنهاء إفلات مرتكبيه من العقاب القانوني.
تركيا كانت الدولة الأولى التي توقّع المعاهدة
اعتُمد مشروع الاتفاقية من قبل الوزراء والنواب في مجلس أوروبا في السابع من نيسان/ابريل 2011. وفُتح باب التوقيع عليها في الحادي عشر من أيار/مايو 2011 بمناسبة الدورة 121 للجنة الوزراء في اسطنبول. ولهذا السبب عُرفت الاتفاقية باسم اتفاقية اسطنبول، وهي دخلت حيّز التنفيذ في الأول من آب/أغسطس 2014.
بحسب "منصة سنوقف قتل النساء" تُقتل 3 نساء على الأقل كل يوم في تركيا
وقّعت تركيا على الاتفاقية في الحادي عشر من أيار/مايو 2011 ، لتصبح بذلك الدولة الأولى التي تصادق على المعاهدة. اعتباراً من تموز/يوليو 2020 ، تم التوقيع على الاتفاقية من قبل 45 دولة والاتحاد الأوروبي. والبلدان الموقِّعة هي: ألمانيا، أندورا، ألبانيا، الاتحاد الأوروبي، النمسا، بلجيكا، المملكة المتحدة، البوسنة والهرسك، بلغاريا، جمهورية التشيك، الدنمارك، أرمينيا، إستونيا، فنلندا، فرنسا، جورجيا، كرواتيا، هولندا، ايرلندا، إسبانيا، السويد، سويسرا، إيطاليا، أيسلندا، الجبل الأسود، قبرص، مقدونيا الشمالية، لاتفيا، ليختنشتاين، ليتوانيا، لوكسمبورغ، المجر، مالطا، مولدوفا، موناكو، النرويج، بولندا، البرتغال، رومانيا، سان مارينو، صربيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، تركيا، أوكرانيا، اليونان.
على الرغم من توقيع أرمينيا وبلغاريا وجمهورية التشيك والمجر ولاتفيا وليختنشتاين وليتوانيا ومولدوفا وسلوفاكيا وأوكرانيا والمملكة المتحدة على الاتفاقية، إلا أن تلك البلاد لم تصادق عليها بعد. في السادس والعشرين من شباط/فبراير 2020 رفضت سلوفاكيا التصديق على الاتفاقية، وكذلك رفضت المجر التصديق عليها في الخامس من أيار/مايو 2020. في تموز/يوليو 2020 ، أطلقت بولندا عملية الانسحاب من الاتفاقية فقام الآلاف بالتظاهر ضد هذا الانسحاب.
كيف انسحبت تركيا من الاتفاقيّة؟
في الرابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2011 ، وافق البرلمان التركي على الاتفاقية ثمّ تم تكليف هيئة مستقلة هي فريق الخبراء المعني بالعمل لمناهضة العنف ضد النساء والعنف المنزليGREVIO بمراقبة وضع اتفاقية اسطنبول قيد التنفيذ. في الخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2018، نشر GREVIO تقرير التقييم الخاص بتركيا. وكان من المتوقع أن تقدم الحكومة الترجمة الرسمية للتقرير وترسله إلى أحزاب المعارضة والمنظمات النسائية والمنظمات غير الحكومية من أجل العمل معاً على منع العنف ضد النساء.
مرت ثلاث سنوات على نشر التقرير ولكن حزب العدالة والتنمية (AKP) لم يقم من وقتها بترجمة التقرير إلى اللغة التركية، كما لم تُقدَّم حوله أية معلومات.
لمدة ثلاث سنوات، قامت المنظمات النسائية بالضغط على الحكومة من أجل تقديم الترجمة الرسمية للتقرير، فاستُهدفت تلك المنظّمات من قبل السياسيين "المحافظين" ووسائل الإعلام الموالية للحكومة بذريعة أن الاتفاقية "تدمّر القيم والهياكل العائلية التقليدية في تركيا". كما طالبت الجماعات المحافظة بإلغاء القانون التركي رقم 6284 حول حماية الأسرة ومنع العنف ضد النساء.
تحوّل الانسحاب من اتفاقية اسطنبول إلى موضوع نقاش ساخن في تركيا. ففي شباط/ فبراير 2020 ، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه ينبغي مراجعة الاتفاقية. وخلال تلك الفترة نفسها، زعمت وسائل الإعلام المحافظة والمجتمعات الدينية المغلقة أن الاتفاقية "دمّرت القيم والهياكل العائلية التقليدية في تركيا"، ووضعت "أسساً قانونية للمثلية الجنسية".
بدأ النقاش الرئيسي حول الاتفاقية في أيار/مايو 2020 بعد خطاب مدير الشؤون الدينية علي أرباش الذي استهدف أفراد مجتمع الميم (المثليين والمثليات والعابرين والعابرات وثنائيي وثنائيات الجنس) وغيرهم.
"قوموا بدراستها وراجعوها. إن كان ذلك ما يريده الشعب، قوموا بإلغائها... ذلك ما يجب فعله...". ردّد تلك الأقوال أردوغان أثناء دعوته حزبَه الحاكم "حزب العدالة والتنمية" (AKP) لأن يراجع مشاركة تركيا في اتفاقية اسطنبول، في حين قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية نعمان كورتولموش، "مثلما تم التوقيع على [اتفاقية اسطنبول] وفق الأصول المرعية، يمكن الانسحاب منها وفق الأصول المرعية أيضاً".
قُتلت 300 امرأة على الأقل في تركيا في العام 2020 الذي انسحبت خلاله تركيا من الاتفاقيّة
نزلت النساء إلى الشوارع للمطالبة بتنفيذ اتفاقية اسطنبول. لكن في كل مرة كانت تحتجّ النساء فيها، كانت الشرطة تهاجمهنّ وتعتقل الكثير منهنّ. مع ذلك، وعلى الرغم من جميع العقبات والمخاطر، استمرت النساء في النزول إلى الشوارع. وفقاً لما نشرته "منصة سنوقف قتل النساء" التركية، قُتلت 300 امرأة على الأقل في عام 2020، وكان ذلك على أيدي الشريك في معظم الحالات. كما عُثر على 171 امرأة ميتة في ظروف مريبة. وتقول "منصة سنوقف قتل النساء" إن ثلاث نساء على الأقل يُقتلن في تركيا كل يوم.
في العشرين من آذار/مارس 2021، أعلن رجب طيب أردوغان انسحاب تركيا من المعاهدة بمرسوم رئاسي صدر في منتصف الليل. تم فرض حظر تجوال على مستوى البلاد في تركيا اعتباراً من الساعة التاسعة مساءً وحتى الساعة الخامسة صباحاً بسبب جائحة Covid-19، فتدفقت النساء إلى الشوارع في الساعات الأولى من صباح يوم السبت في جميع أنحاء البلاد للاحتجاج على القرار. مع استمرار احتجاج النساء على القرار في جميع أنحاء تركيا، تقدّمت نقابات المحامين إلى مجلس الدولة بطلب لإلغاء القرار، قائلة إنّ المادة 90 من الدستور التركي تضع المعاهدات الدولية المتعلقة بالحقوق الإنسانيّة الأساسيّة هي فوق القانون المحلي. وقال محامون/ات إن أردوغان لا يمكنه قانونياً إخراج تركيا من اتفاقية دولية صادق عليها البرلمان.
"إذا أرادت تركيا أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، فعليها التوقف عن التصرف على هذا النحو. لن يحصل الدخول مع انسحاب تركيا من اتفاقية اسطنبول وإغلاق حزب سياسي حاز على ملايين الأصوات"
صدر عن قادة مجلس أوروبا بياناً بشأن انسحاب تركيا المعلن من اتفاقية اسطنبول. نضّ هذا البيان على أن تركيا "كانت أول دولة عضو تصادق في عام 2012 على اتفاقية مجلس أوروبا بشأن منع العنف ضد النساء والعنف المنزلي التي فُتحت للتوقيع في اسطنبول خلال الرئاسة التركية للمنظمة قبل 10 سنوات ". وتابع، "إذا أرادت تركيا أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، فعليها التوقف عن التصرف على هذا النحو".
وقالت بترا باير، رئيسة لجنة المساواة ومكافحة التمييز التابعة لمجلس أوروبا (PACE) ، إن "هذا (الانضمام) لن يحصل مع انسحاب تركيا من اتفاقية اسطنبول وإغلاق حزب سياسي حاز على ملايين الأصوات".
كما أصدرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بياناً طالبت فيه الحكومة التركية على "إعادة النظر في هذا الانسحاب"، إنّما بدون أن تلقى أي رد حكومي حتى الآن.