شيماء اليوسف
تعلّقَ قلب بوسي سعيد منذ عمر السادسة عشر بكرة القدم، فانضمت إلى فريق في نادي الشرقية (الجنوب الشرقي من دلتا النيل)، إلّا أن تحقيق الحلم لم يكن سهلاً، إذ عارضَ من حولها لعبها كرة القدم، رفضت بوسي الاستسلام وقررت متابعة مشوارها الرياضي، فتنقلت بين ملاعب عدّة حتى التحقت وهي في بداية العشرين بنادي الدخيلة في القاهرة، معتقدةً أن حربها مع المجتمع انتهت، لكن الحرب بدت هنا أكثر شراسة.
ضربتُ بالحجارة خلال إحدى المباريات
بعد مرور عشر سنوات من لعب كرة القدم، تعرضت بوسي لإصابة في قدمها أثناء لعبها في مباريات دوري 2010-2011، والتي تسببت في ابتعادها عن الملاعب لمدة 18 شهراً، ونصحتها رائدة الكرة النسائية المصرية سحر الهواري، أول حكمة في شمال أفريقيا، بأن تتجه إلى التحكيم الكروي، وهذا ما فعلته، فاتجهت للعمل كحكمة كروية عام 2013.
في البداية لم يتقبل اللاعبون بوسي ، فكانت ترى تعابير وجوههم وتصرفاتهم معها والتي تشي برفضهم لها، حتى انعكس هذا بدوره على طريقة تفاعلهم معها، كما رفض الجمهور وجودها، تقول: "لا أصدق للآن أنه تم ضربي بالحجارة خلال تحكيمي مباراة بمنطقة الفسطاط بمصر القديمة، ليس لشيء، فقط لأني حكمة امرأة".
لم يكن المردود المادي لعمل بوسي مجزياً، وكانت تتقاضى لقاء عملها في مباريات دوري المحليات للناشئين، 150 جنيهاً مصرياً، ما يعادل 3 دولاراً أميركياً عن كلّ مباراة تحكّمها، رغم ذلك لم تفكر بتغيير عملها بل حرصت على تطوير نفسها رياضياً للوصول إلى التحكيم الدولي، فدأبت على التمرين وممارسة الرياضة والتعمق في فهم أصول التحكيم الكروي الدولي.
ومنذ عامين فقط زادت أجور التحكيم إلى 1500 جنيه مصري، ما يعادل 35 دولارٍ أميركيّ، تقول: "طوال الفترة الماضية كنت أنفق من جيبي على عملي".
رشح اتحاد كرة القدم المصري بوسي للتحكيم الدولي الكروي، بعد استيفائها جميع شروط التأهل من حيث اللياقة البدنية والعمر وغيرها من الشروط المعمول بها، وبعد خضوعها للاختبارات الفنيّة وضِعَ اسمها في مقدمة قائمة المقبولين للتحكيم الكروي الدولي من فئة السيدات. كانت هذه البداية، لتشارك بوسي بعدها في مباريات دولية عدّة، إلى جانب مشاركتها في المعسكرات الكروية، ومع انطلاق بطولة كأس أمم أفريقيا لكرة القدم عام 2019، شاركت كمدربة لياقة بدنية.
اليوم تعمل بوسي مع الجهاز الفنيّ لنادي الهلال السعودي لكرة القدم النسائية، حيث لاقت تفاعلاً إيجابياً أكبر من الجمهور واللاعبات، أمّا مادياً فأجورها في السعودية أعلى ما ساعدها على الاستقرار الاقتصادي. تقول: "السعودية الآن تهتم بصناعة كوادر كرة قدم نسائية وتدعم اللعبة مادياً وإعلامياً للرجال والنساء على حدٍ سواء".
تمييز واضح بين الرجال والنساء
يوجد فجوة كبيرة في طريقةِ تعاملِ المؤسسات الحكومية المصرية مع كرة القدم النسائية مقارنة بكرة القدم للرجال، إذ يحصل اللاعبون الرجال عل دعم وتمويل أكبر كما يحظون بقبول شعبي وتقدير على عكس النظرة الساخرة أو المستخفة باللاعبات. يُذكر أن منتخب مصر للسيدات ظهر في أول بطولة رسمية له سنة 1998، مع انطلاق كأس أمم أفريقيا للسيدات (1).
يرى الكابتن محمد عرفات، مدرب حارسات مرمى منتخب مصر لكرة القدم النسائية، أن كرة القدم النسائية تعتبر لعبة حديثة في المجتمع المصري، مقارنة بكرة القدم للرجال، بخاصة في مجتمع يتقيد بالعادات والتقاليد المحافظة، فكانت العائلات تمنع بناتها عن اللعب، وحتى حين تقبل، لا يحصل ذلك إلّا بعد إقناع الآباء بصعوبة شديدة.
"لا أصدق للآن أنه تم ضربي بالحجارة خلال تحكيمي مباراة بمنطقة الفسطاط بمصر القديمة، ليس لشيء، فقط لأني حكمة امرأة".
يقول عرفات: "لا ينقص اللاعبة المصرية شيء لكن كرة قدم الرجال تستحوذ على الدعم المالي بخاصة من قبل الرعاة الذين يدفعون للكرة الأكثر شعبية في الشارع المصري".
لم تكن الأندية الشعبية مهتمة في السابق بوجود فرق كرة قدم نسائية لكن الحال تغير بعد قرار الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (KAF)، الذي أصدر قراراً يُلزم فيه كافة الأندية المشاركة في البطولات الأفريقية بتأسيس فرق كرة قدم نسائية، ابتداءً من الموسم الكروي الرياضي 2022 -2024، لتتجه إدارات نوادٍ عدة بالفعل إلى تكوين فريق للسيدات(2)، ومن بينهم نادي (طلائع الجيش، والأهلي، والزمالك، والمصري البورسعيدي، والمقاولون العرب، والاتحاد السكندري، وزد وفاركو).
التحدي الأكبر هو غياب الأندية
الدكتورة دينا الرفاعي، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم، والمسؤولة عن الكرة النسائية في مصر، ترى أن غياب الأندية كان أحد أكبر التحديات التي واجهت كرة القدم النسائية في مصر ، كما لفتت إلى جهود الاتحاد المصري لكرة القدم على مدار عامين متواصلين، من العمل على الملف وتطويره، ليشارك ناديا (الأهلي) و(الزمالك) بتأسيس فرق كرة قدم للسيدات بمختلف الفئات العمرية، (الكبيرة والمتوسطة والناشئة) كما دخلت فرق الناديين مباريات التصفيات المحلية للمشاركة في البطولات الكروية الإقليمية والعربية لاحقاً.
ووصل عدد الأندية الرياضية في مصر عام 2021، إلى 791 نادياً، من بينهم 80 نادياً حكومياً، و 116 نادياً عاماً، و 595 نادياً خصوصياً، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري(3)، ويعتبر نادي "سولاريس" للسيدات، هو النادي الاجتماعي الوحيد المخصص للنساء في مصر وتم تأسيسه، بمنطقة الرحاب بالقاهرة الجديدة، عام 2016. وبحسب بوسي سعيد هناك حوالى 20 فريقٍ نسائيّ أي حوالى عشرين نادٍ شعبيّ انضم إلى خطة تأسيس فرق كرة قدم نسائية.
ويحتل المنتخب المصري لكرة القدم النسائية المركز 94 في التصنيف العالمي من أصل 193 فريق، بينما يحتل المنتخب المصري لكرة القدم للرجال المركز 36 عالمياً من أصل 201 فريق(4).
من جهة أخرى تعاني كرة القدم النسائية من قلّة اهتمام وسائل الإعلام في التغطية أو المتابعة مقارنة بكرة القدم للرجال، إذ تتنافس القنوات التليفزيونية على الفوز بحقوق البثّ لدوري كرة القدم للرجال، دون وجود أي اهتمام بدوري الكرة النسائي.
أكثر ما تحتاجه كرة القدم النسائية المصرية اليوم هو الإدارة الجيدة. ومن بين سبل النهوض بهذه الرياضة ايجاد تعاون فعّال بين الاتحاد المصري لكرة القدم وكليات التربية الرياضية في جامعات مصر وعددهم 28 كلية، بهدف إنشاء فرق كرة قدم نسائية داخل الكليات والإشراف عليها لتأهيل المشاركات للبطولات بما يسمح بنشر الوعي الرياضي والثقافي حول اللعبة والتركيز على انتشارها الشعبي.
(1) منتخب مصر للسيدات .. من أجل مواكبة تطور الكر