شادية خدير
تُطرح، بين الحين والآخر، أسئلة حول مقدرة المرأة على النجاح في مجالات يسيطر عليها الرجال عادة، كالسينما مثلاً. يُنظر إلى النساء على أنهن أقلُّ إبداعاً من الرجال، لكن الأفلام المشاركة في مهرجان تطوان السينمائي جاءت لتدحض هذه النظرية، فمن أصل 12 فيلماً كان هناك 7 أفلام من إخراج نساء، نافست بشراسة في مسابقة المهرجان.
أفلام استثنائية، حملت هموم الإنسان في دول حوض البحر الأبيض المتوسط عامة وهواجس النساء بخاصة. تعددت مواضيع الأفلام ما بين الحقّ في الإجهاض ومعاناة النساء والفتيات في الحصول على الرعاية أثناء الحمل والولادة.
يتحدث فيلم "القاتلة" للمخرجة اليونانية إيفا ناتينا عن سلسلة قتل تستهدف الفتيات في إحدى الجزر اليونانية مع بداية القرن التاسع عشر. تفقد هادولا (أدت دورها كاريوفيليا كارابيتي) زوجها باكراً، لتجد نفسها في مواجهة مجتمعٍ ذكوريّ يحاكمها ويضغط عليها. تتحول هادولا بسبب الضغط المجتمعي الهائل إلى قاتلة للفتيات الصغيرات في الجزيرة، ظناً أنها تحررهن من عذاباتهن التي عاشتها هي، ينتهي الفيلم بطرد هادولا من الجزيرة، لتكون ضحية الذكورية وتُعاقب أيضاً من قبل النظام البطرياركي ذاته.
أمّا الفيلم الوثائقي "موخيريس"، بالأبيض والأسود، فيقدم شهادة السيدتين الوحيدتين المتبقيتين على قيد الحياة، من جيل كامل مهمته حفظ التراث الموسيقي الغنائي في إحدى القرى الإسبانية. مزجت المخرجة مارتا لالانا في "موخيريس" بين الوثائقي والروائي، في استعادة تراث غنائي لا ماديّ تتوارثه النساء وتتوالى فيه الشهادات من السيدتين كونستنتينا وايرين، ضمن سرد يسيطر عليه الخذلان والانتظار.
كونستنتينا وايرين هما نموذج لدور المرأة المحوريّ والأساسي في الحفاظ على التراث اللامادي، فلطالما لعبت النساء دوراً أساسياً في حفظ الأغاني والأساطير على مرّ العصور.
جمعت المخرجات بين مقدرات ومهام متعددة، فلم يكنَّ مخرجات وحسب بل كاتبات سيناريو ومنتجات وحتى مغنيات وفنانات، مثلاً تجمع الايطالية لاورا لوكاتي، مخرجة فيلم "الصيف الجميل"، ما بين الإخراج وكتابة السيناريو، أمّا المخرجة العراقية - الفرنسية ليلى البياتي فهي فنانة تشكيلية ومغنية، كما تجمع التركية أسلي أوزج بين الإخراج وكتابة السيناريو والمونتاج.
من جهة أخرى، يزيد إخراج النساء للأفلام من نسبة مشاركة النساء في هذه الأفلام، إذ خلصت دراسة (1) في جامعة ولاية "سان دياغو" إلى أن الأفلام التي تضم مخرجة واحدة على الأقل كانت أكثر قابلية لتوظيف النساء كمحررات أو مصورات أو حتى في أدوار أخرى خلف الكواليس، على سبيل المثال نسبة الكاتبات في أفلام أخرجتها نساء هي 53 بالمئة، بينما اختار المخرجون الرجال 8 بالمئة من الكاتبات فقط.
وتقول ليلى البياتي الحاصلة على الجائزة الكبرى في مهرجان تطوان عن فيلمها من "عبدول الى ليلى " في حديث خاص لـ "ميدفيمنسوية"، أن خروج فيلمها إلى النور لم يكن سهلاً على الإطلاق، ومع ذلك فالنساء لا يحظين بالدعم الكافي لإنتاج أفلامهن فمن حولها الكثير من المخرجات اللواتي يكافحن لإيجاد الدعم الكافي لأفلامهن.
وتعتبر ليلى البياتي، التي تعيش حالياً في مصر، أن السينما التي تنتجها المرأة متفردة من حيث الموضوعات وكذلك زاوية المعالجة التي لا يمكن إلا للمرأة أن تلتقطها، وهي الزاوية ذاتها التي رأت العالم من خلالها، نظرة حساسة، شخصية وموسيقية، ضمن سياق جغرافي وسياسي معين، وقد تكون السبب الرئيسي وراء إعجاب لجنة التحكيم برئاسة المخرج الفلسطيني ايليا سليمان بفيلمها "من عبدول الى ليلى".
عضوة لجنة التحكيم في الدورة 29 لمهرجان تطوان، الممثلة الفرنسية قوسلاجي مالانداو قالت لـ "ميدفيمنسوية"، إن إيمان منتجين وموزعين بأعمال المخرجات كان وراء الإنتاجات الأخيرة التي تميزت بوقوف المرأة خلف الكاميرا وكذلك بوجود صناديق تدعم النساء، وتتمنى ألّا يكون هذا الدعم مجرد موجة عابرة لذلك تعتقد أن اليقظة مطلوبة هنا.
وعن مدى اختلاف السينما التي تصنعها المرأة تقول قوسلاجي مالاندا، أن زاوية النظر لدى المرأة مختلفة قطعاً، لكن لا يعني هذا بالضرورة أن كل المخرجات مبدعات، مضيفةً أنها متيقنة من حاجة المكتبة السينمائية العالمية إلى مزيد من أعمال المخرجات.
ويفسر فرانسيسكو قرين، عضو لجنة النقد بمهرجان تطوان أن المرحلة التاريخية التي نعيشها هي مرحلة المخرجات بإمتياز، مضيفاً أن المخرجة تمتلك إحساساً خاصاً ومتميزاً، فيما يرى الناقد المغربي رشيد نعيم أن الصورة النمطية للمرأة في عدد من الأفلام المنتجة خلال عامي 2023 و2024 حالت دون النفاذ بالعمق الكافي لواقع المرأة في المجتمع، وأن الأزمة الحقيقية تكمن في كتابة سيناريو قادر على تقديم صورة حقيقية تكشف عمق الشخصيات النسائية وقدرتها على تحريك الأحداث وتجذرها في محيطها الاجتماعي.