ما هو صندوق النفقة؟
وضعت الجزائر عام 2015، صندوق النفقة لصالح النساء الحاضنات اللواتي يمتنع أو يتعسّر على الطليق دفع مستحقاتها، وذلك بموجب قانون 15-01 الذي تضمنّه قانون المالية للسنة نفسها.
يأتي هذا القانون نظرًا للطابع الاجتماعي الذي يُميّز الدولة الجزائرية، والتزامًا بالمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر بخصوص حماية الفئات الهشة.
تمنح الدّولة من خلال هذا الصندوق مبلغًا ماليًا لصالح النساء الحاضنات يضمن الغذاء واللباس والسكن والعلاج وما يعتبر من الضروري في الأعراف، ويصل المبلغ إلى 6000 دينار عن الطفل الواحد (حوالي 30 يورو).
وكانت وزارة التضامن والمرأة وقضايا الأسرة من يُسير الصندوق إلى أن تمّ تجميده عام 2021 بموجب قانون المالية للسنة ذاتها، لأنّه أثبت "عدم فعاليته إثر ترتب ديون كبيرة عليه بسبب قلة التحصيل"، بحسب وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي.
ما الجديد بعد رفع التجميد عن الصندوق؟
خلال العام 2024، أسندت الجزائر صندوق النفقة لوزارة العدل التي ستُسيّره عوضًا عن وزارة التضامن والمرأة وقضايا الأسرة، كما أن المرأة الحاضنة ستلجأ من اليوم فصاعدًا إلى أحد مكاتب صندوق النفقة في محكمة الولاية التي تقطنُ بها لإيداع ملفّ يُثبت تنصّل أو عُسر الطليق من سداد النفقة، بسبب البطالة أو تغيير مكان السكن، وبالتالي عدم وجود عنوان لطلب تنفيذ دفعها، ليقوم بذلك المحضر القضائي بإثبات العسر ثمّ تسليم اسم المستفيدة والمعلومات الخاصة بها لأمين الخزينة، والأخيرة ستتكفل بدفع منحة للحاضنة في شكل حوالة بريدية.
كما سيحمل القانون الجديد آلية جديدة لتحصيل أموال النفقة من الطليق المدين الممتنع، بتأسس وزارة العدل كطرف مدني في القضية التي تُرفع ضدّه، الأمر الذي سيعفي الحاضنة من أتعاب التنقل وسداد مستحقات المحامي وغيرها.
ما هي التحفظات؟
لا شكّ في أن تعديل قانون صندوق النفقة مكسب لصالح النساء الحاضنات، إلّا أنّ المناقشة والمصادقة عليه جاءت في ظلّ برلمان نسبة النساء فيه تمثّل 8.35 في المئة فقط، وهو ما يُترجمُ غياب التمثيل السياسي النسوي في البلاد ما قد ينعكسُ سلبًا على القوانين التي تمسّ النساء بالدرجة الأولى.
كما أنّ غالبية الضيوف الذين ناقشوا القانون على المنابر التلفزيونية كانوا رجالًا، الأمر الذي يُعدُّ إقصاءً للعنصر النسائي على الرغم من أنّ الموضوع يخصّهنّ بالدرجة الأولى.
ويأتي القانون في ظلّ استمرار تطبيق قانون الأسرة الجزائري منذ 40 سنة، وهو قانون تطالب نسويات جزائريات بإلغائه، بخاصة أنّ النساء المطلقات يُحرمن بفعل المادة 66 منه من الحضانة بمجرّد زواجهن من رجل ثان، وبإمكان الزوج "بقوّة" القانون ذاته أن يمنع زوجته من العمل، الأمر الذي يعيق استقلاليتها المالية وستجد نفسها إذا حصل وأن تطلّقت عاطلة عن العمل.
وحمل النقاش الذي سبق المصادقة على قانون صندوق النفقة، خطابًا يتعارض مع حقّ النساء في طلب الخلع من طرف نواب برلمانيين، إذ قال بعضهم إنّهم متخوّفون من أنّ إعادة تفعيل هذا الصندوق "سيسمح بانتشار ظاهرة الخلع في المجتمع"، بحجة أنّ النساء سيلجأن لطلب إنهاء الرابطة الزوجية، لأنّ الدّولة تضمن دفع النفقة، وبالتالي سيشهد المجتمع تفكّكاً على حدّ تعبيرهم، وكأنّ النساء يحملن وحدهن على عاتقهنّ المجتمع، متناسين أنّ الخلع مكسب وحقّ مشروع.
"Algerians Feminist": خطوة إيجابية ولكن..
في هذا الإطار رحّبت مبادرة "Algerians Feminist" وهي منصة رقمية نسوية تنشط في الجزائر بتعديل قانون صندوق النفقة، معتبرةً أنّها خطوة إيجابية نحو ضمان حقوق النساء الحاضنات والأطفال، في المقابل أعربت عن بعض التحفظات على غرار عدم وضوح آليات تمويله، مُطالبةً بوضع خطّة واضحة لضمان استدامة تمويله وعدم تحديد سقف زمني لصرف النفقة إضافةَ إلى وضع آليات لتحصيل ديون النفقة المتراكمة من قبل المدينين.
وعن تأسّس وزارة العدل كطرف مدني في قضايا امتناع الطليق من دفع النفقة، اعتبرت "Algerians Feminist" أنّها خطوة إيجابية ستساعد في تحسين صندوق النفقة، إلّا أنّها ليست حلّا شاملًا للمشكلة، مُقترحة أن تخصّص الدولة موارد كافية لمتابعة قضايا النفقة وتطبيق الأحكام القضائية، إلى جانب تغيير ثقافي في المجتمع لنبذ ظاهرة التهرّب من دفع النفقة.
وأدانت المبادرة الخطابات التمييزية على "بلاطوهات" التلفزيون والصادرة عن بعض النواب خلال مناقشة قانون صندوق النفقة، معتبرة أنّ ذلك يُظهرُ نظرة دونية للمرأة ويُشكّك في رغبتها في الحفاظ على الأسرة، كما أنّ الخلع حقّ مشروع ولا ينبغي ربطه بوجود صندوق النفقة.
وعن تغييب الجمعيات النسويات عن النقاش حول تعديل نص القانون، اعتبرت "Algerians Feminist" ذلك إقصاءً ممنهجًا للمرأة من المشاركة في صنع القرار، مطالبةً بمشاركة فاعلة للنساء في جميع المجالات، بخاصة في القضايا التي تتعلّق بحقوقهنّ مع تمكينهنّ من خلال التعليم والتدريب ليُصبحن فاعلات في المجتمع.
وأكّدت "Algerians Feminist" أنّ النقفة اليوم لا تكفي لتلبية حاجيات النساء الحاضنات بخاصّة في ظلّ ارتفاع تكاليف المعيشة، مقترحةً رفع سقف النفقة لتتناسب مع احتياجات العصر، مع توفير سكن ملائم للنساء الحاضنات والأطفال وفرص عمل مناسبة لهنّ مع رعاية اجتماعية ونفسية.
موضوع جد هام شكرا على البحث والكتابة فيه