بصراحة وتلقائية أطلّت علينا الفنانة اللبنانية "إليسا" بكل حالاتها في فيلمها الوثائقي “It’s ok”، لتقول لكل النساء بأن الضعف ليس عيباً، وبأنه لا بأس إن بدت وجوهنا أو قلوبنا متعبة في بعض الأحيان.
ضعيفة أحياناً، مرهقة في أحيان أخرى، ومنتصرة في مشاهد أخرى التقطتها عدسة الكاميرا، هكذا تنقّلت إليسا في الحلقات الثلاث بين الحالات والمشاعر، لتروي محطات مهمة في حياتها، المرض، الأزمات المهنية، القلق ليلاً، الحب الذي يخيّب الآمال، النجاح، القوة بعد الضعف، مواجهة التنمّر والانتقاد...
قبل التطرق إلى تفاصيل الوثائقي، لا بد من الاعتراف بإليسا الجريئة والشجاعة والحقيقية. ببساطة، استطاعت "ملكة الإحساس" أن تكون نفسها وأن تروي تجاربها وتُظهر لحظات ضعفها وانعتاقها بصدق، من دون أن تحتاج إلى إخفاء أصابع الحزن على وجهها أو إنكار ما فعلته عمليات التجميل بوجهها الناعم. وهو ليس بأمر سهل لامرأة بشهرة إليسا وجماهيريّتها، بخاصة أنها لطالما تعرّضت للتنمر والانتقاد بسبب عمليات التجميل والجرأة في بعض أغنياتها وفيديو كليباتها، وحتى في المواقف السياسية وغير السياسية التي تطلقها، مؤكدة أنها معنية بقضايا الشأن العام، بعيداً من أي مثاليات أو خطوط حمر. والفيلم يأتي كاستكمال لمسيرة إليسا في الجرأة والحضور وعدم الخوف من التعبير عن رأيها أو مشاعرها.
"إتس أوكي" الذي تعرضه منصة "نتفلكس" حالياً، يروي مراحل عدة من حياة الفنانة "النجمة"، ليذكرنا مجدداً بحقيقة أن لكل امرأة في الضوء، حكاية حزن أو أرق تسير في العتمة.
ربما أرادت إليسا أن تتحرّر لا أن تبوح فقط، فغالباً ما يكون البوح في مسيرة النساء والفنانين بداية في مسيرة أخرى أكثر ارتقاء وأهمية، نحو التحرر والتخفف. تقول إليسا، السيدة الخمسينية الناضجة والخارجة من صدمات عاطفية وصحية ومهنية، “It’s ok and when it’s not ok it’s not the end”، وهي رسالة أرادت بها أن تؤكد أنها قوية رغم كل شيء، وأن الحياة تستحق المجازفة والمحاولة مرة أخرى.
في الفيلم، روت إليسا عن خيبتها من قصة حب عاشتها وقالت إنها سبب من أسباب إصابتها بسرطان الثدي، بسبب التوتر والحزن الشديدَين. إنما لم تنتهِ الحكاية هنا، بل ظهرت إليسا المغرمة من جديد، وبدت بغاية الحيوية وهي تتحدث مع حبيبها عبر الهاتف، علماً أنه يعيش خارج لبنان. إليسا المغرمة من جديد والملهمة لملايين النساء المتعبات في العالم العربي، تمثل أملاً بأن هناك دائماً طريقاً نحو السعادة بعد الخيبات، وأن العلاقات السامة ليست نهاية العالم، ويمكن النجاة منها.
وإن كانت بعض المشاهد لا تخلو من التمثيل والتركيب كمثل زيارتها للمدرسة الداخلية التي كانت فيها برفقة أختها أو لهفة الأهالي في قريتها حين زارتها، إذ بدا الأمر تمثيلاً ومقصوداً ومصطنعاً... إلا أن ذلك لا ينفي ولا يلغي حقيقة فكرة الفيلم ككل تبقى حقيقية وصادقة وصاعقة.
قدّمت إليسا في أحد فيديو كليباتها قصة الراقصة الراحلة داني بسترس، وتحدثت عن معاناتها الخفية كسيدة فقدت ابنها فجأة وفقدت معه سبيلها نحو أي سعادة حقيقية، وإن كانت ترقص وتبتسم في الحفلات وأمام الجمهور. ربما لم تستطع داني بسترس أن تحصل على لحظة بوح أمام جمهورها ولا حتى أمام أقرب ناسها، إلا أن إليسا التي أخرجت معاناة بسترس إلى الضوء سابقاً، انتزعت لنفسها بعض الوقت من فم الزمن وقالت: "لحظة أريد أن أخبركم!"... وأخبرتنا.