إنه سؤال لا أتوقف عن سماعه، في غرفة الأخبار، مع طلابي، حين أسامر أصدقائي، وحين أشرب شاي العصر مع الزملاء القدامى، إنه سؤال كل الأوقات تقريباً، حتى إن البعض يكرره في فرصة لعلّ إجابتي تتغيّر!
في كل مرة أعيد الشرح من جديد، "بلى نستطيع أن نضيف تاء مربوطة على كلمة نائب في حالة التأنيث، والنائبة لها معنيان، الأول المصيبة والثاني مؤنث نائب". إنها قصة على بساطتها وفكاهتها، إلا أنها تختصر هذا التردد في تصديق أن النساء لسن مجرد تابعات في اللغة وفي الحياة ويستطعن الوصول إلى مناصب مرموقة... الحياة تغيّرت يا سادة، ولم تعد كما تتخيلون، وإن كانت الطريق ما زالت طويلة.
ليس أمراً عادياً أن تكوني نسوية ومتخصصة في اللغة العربية في آن معاً، وأن تدافعي عن القضيتين بالشراسة ذاتها وبالرغبة ذاتها، ففي أي لحظة قد يخرج من يسخّف كل ما تفعلينه، مختصراً القضية بأن المطلوب ليس إلا الإقرار بحق النساء بزيادة التاء المربوطة وتوابعها من علامات التأنيث، على كلمات وصفات ومراكز وظيفية، كانت في عصور سابقة حكراً على الرجال، وممنوعاً على النساء.
وإذ لم يكن متوقعاً ولا محبذاً أن تستطيع النساء اختراق الجدار الحديدي التاريخي في سعيهنّ نحو أحلامهنّ ونحو مجتمعات وقوانين تحترم وجودهن وحرياتهن، يصار مراراً إلى اختزال قضاياهن ومطالبهنّ، لتصبح مجرد تاء بلا أي أهمية في آخر كلمة "مدير" مثلاً. أو يذهب البعض إلى اعتبار أي رجل لا يضرب شريكته، بطلاً ومثالياً، ويعتبر ذلك انتصاراً نهائياً لكل نساء العالم، لا داعي بعده لأي تحرك أو حركة مطلبية، وكأن أقصى درجات التحضر هي أن يمتنع الزوج عن ممارسة العنف الجسدي على زوجته، وإن كان يمارس أنواعاً أخرى من العنف، كالاقتصادي أو المعنوي، لكن ما دام لا يضربها، فلا داعي للهلع!
ليس أمراً عادياً أن تكوني نسوية ومتخصصة في اللغة العربية في آن معاً، وأن تدافعي عن القضيتين بالشراسة ذاتها وبالرغبة ذاتها
بالعودة إلى موقعي، بصفتي نسوية ومتخصصة باللغة العربية، ولمناسبة الاحتفال بيوم اللسان العربي بكل لهجاته ولغاته، ما زال يصعب تفسير أن قضيتنا أبعد مما يعتقده كثيرون، إنها بعد كل هذا التاريخ من النضال النسوي، مسألة وجود، ترتبط بحقنا بالاعتراف بنا كنائبات ووزيرات ومواطنات وطبيبات ومهندسات ومديرات وإنسانات، من دون منّة من أحد... ما دامت اللغة هوية المرء، ونتاج تفاعل اجتماعي ثقافي تاريخي حضاري، وحتى نستطيع اعتبارها ملكنا وحقنا، عليها أولاً أن تعبّر عنا وأن تقرّ بوجودنا فيها وفي مكان العمل ومحافل السياسة والمجتمع، وفي عالم ينظر إلينا جميعاً بمساواة، بحيث لا تنقص قيمة أحد بسبب جنسه أو لونه وتوجهاته.
في يوم الاحتفال باللغة العربية، نطمع بمزيد من الاعتراف والودّ والمساواة في كل شيء وفي مختلف الميادين، بدءاً من اللغة التي تعبّر عن الشعوب وعن درجات تقدمها أو تخلّفها، مروراً بالقوانين التي آن أن تصبح أقل قسوة علينا، وصولاً إلى النفوس المحمّلة بالكثير من الضغينة والرغبة بتهميش النساء!