هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: English (الإنجليزية)
خلال العدوان المستمر على غزة وحتى أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، استهدفت إسرائيل بالقصف نحو 50 مقراً ومركزاً لمؤسسات إعلامية تعمل في قطاع غزة، منها مكتب شبكة الجزيرة، وتلفزيون فلسطين، ومكتب الوكالة الفرنسية، وشبكة الأقصى الإعلامية، ووكالة معا الإخبارية، ووكالة سوا، ووكالة شهاب، وصحيفة القدس، وإذاعة بلدنا، وإذاعة زمن، والوكالة الوطنية، ووكالة خبر، وصحيفة الأيام، وشركة إيفينت للخدمات الإعلامية، ومؤسسة فضل شناعة، وإذاعة القرآن الكريم، ووكالة شمس نيوز، ومكتب وكالة APA. وبحسب ما نقلته "نقابة الصحفييين الفلسطينيين"، عن لسان "لجنة حماية الصحفيين"، فإن "الحرب الإسرائيلية على غزة هي الأكثر دموية من حيث عدد القتلى من الصحافيين/ات منذ أكثر من 30 عاماً".
جرائم هدفها واضح: إسكات الصحافيين/ات
في مقابلة مع "ميدفيمنسسوية"، قال عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيي، عمر نزال، "لا تزال جرائم الاحتلال بحق الجسم الصحافي مستمرة منذ السابع من أكتوبر حتى الآن، وقد وثقت النقابة مقتل ما لا يقل عن 62 صحفياً/ة في قطاع غزة، وهذا العدد يزيد عن عدد الصحافيين/ات الذين قتلتهم إسرائيل خلال 23 عاماً سبقت أكتوبر 2023، إذ يشكّل ثلاثة أضعاف ما قُتل من الصحافيين/ات حول العالم منذ بداية العام الجاري".
وأكّد نزال أنّ عمليات القتل ليست هي الجرائم الوحيدة بحق الصحافيين/ات، بل هناك جرائم واسعة واستهداف متعمد يطال أسرهم وبيوتهم التي تُقصف سواء خلال وجودهم داخلها أو حين يكونون خارجها.
يشرح نزال أن في غزة 1200 صحافي/ة، ويقول إن "جميعهم لم يعودوا يعملوا من مكاتبهم بل يعملون في ظروف قاسية من ساحات المستشفيات ومراكز الإيواء من أن تُوفّر لهم أدنى مقومات العمل الصحافي/ الأمر الذي يشكل خطراً جدياً على حياتهم بخاصة الصحافيين/ات الذين ما زالوا في مدينة غزة وشمال غزة". ويتابع نزال، "يُضاف إلى هذه الظروف الصعبة التهديدات المستمرة لبعضهم من قبل جيش الاحتلال ومخابراته بضرورة التوقف عن العمل في الشمال تحت طائلة التهديد بالقتل".
لا تقتصر جرائم الاحتلال بحق الصحافة على غزة، إذ وثّقت النقابة 38 حالة اعتقال بحق الصحافيين/ات ما زال 32 منهم قابعين في سجون الاحتلال وغالبيتهم تم تحويلهم إلى الاعتقال الإداري، بحسب نزال، "ما يعني أن هذا الاعتقال جاء على خلفية عملهم الصحافي وعلى خلفية حرية الرأي والتعبير والنشر. وهناك انتهاكات واسعة وكثيرة تتعلق بالمنع من التنقل عبر الحواجز العسكرية التي باتت تقطع أوصال الضفة الغربية، واعتداءات مختلفة بالرصاص وقنابل الصوت والغاز".
رداً على سؤالنا لعضو الأمانة العامة في نقابة الصحافيين/ات حول أسباب هذه الانتهاكات الإسرائيلية بحق الجسم الصحافي الفلسطيني، تأتي إجابة نزال: "الأمر بات واضحاً. فالاحتلال يحاول منع الرواية الفلسطينية من الانتشار حول العالم ومنع نقل الصور التي توضح حجم مجازر الإبادة التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة وحجم الخسائر العسكرية التي تلحق بقواته والتي يحاول إخفاءها. وهذا ما يفسر سبب استهداف الصحافيين/ات بخاصة في شمال غزة في الأيام الاخيرة".
في سياق متّصل، يؤكد الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين/ات، أنتوني بيلانجي، أن الاتحاد يقف بشكل كامل مع الصحافيين/ات الفلسطينيين/ات ونقابتهم في عملها من أجل خدمتهم، ويقول إنه خاطب المؤسسات الدولية حول ما يجري من جرائم بحق صحافيي قطاع غزة، بما فيها منظمة اليونسكو. وأشار بيلانجي خلال لقاء أجراه في مقر نقابة الصحافيين/ات في مدينة رام الله في 22 تشرين الثاني/نوفمبر إلى أن النقاش جارٍ مع النقابة والجهات المختصة لإتاحة بيوت آمنة للصحافيين/ات في قطاع غزة، وتوفير احتياجاتهم، في محاولة لحمايتهم وتوفير مكان عمل آمن لهم. كما رحّب بتوجّه النقابة في فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية للاعتراض على جرائم الحرب المرتكبة بحق الصحافيين/ات.
وثّق مركز "حملة" 687 إزالة أو تقييد أو حذف حساب فلسطيني، بالإضافة إلى حالات أخرى لم تصل إلى المركز وبالتالي لم تُسجّل، ما يعني أن الأعداد من المرجّح أن تكون مهولة
استهداف المحتوى الرقمي الداعم للحق الفلسطيني
من جهة أخرى، يواجه فيسبوك والتطبيقات الأخرى التابعة لشركة ميتا ومنصة إكس اتهامات بتقييد المحتوى الداعم لفلسطين وبنشر خطاب يدعم الكراهية والعنف ضد الفلسطينيين/ات، لا سيما في خلال فترة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
في هذا الإطار، يشرح مدير دائرة الرصد والتوثيق في "حملة المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي"، أحمد قاضي، في حديث مع "ميدفيمنسوية" كيف تبيّن منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم "أن المراقبة والتقييد للمحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي في تصاعد هائل وغير مسبوق والأمر شمل الحذف والإزالة وتقييد الوصول".
تبعاً لقاضي، وثّق مركز "حملة"، حتى اللحظة، 687 إزالة أو تقييد أو حذف حساب فلسطيني، بالإضافة إلى حالات أخرى كثيرة لم تصل إلى المركز وبالتالي لم تُسجّل، ما يعني أن الأعداد من المرجّح أن تكون مهولة.
يلفت أحمد قاضي إلى ظهور أساليب جديدة لتقييد المحتوى الفلسطيني وأنماط مختلفة لم تكن موجودة في السابق. فمثلاً، بعض الاشخاص على منصة انستغرام لم يتمكّنوا من التعليق على المحتويات التي تذكر فلسطين أو تنشر قصص الحرب؛ وبعض القصص والمنشورات تعرّضت لتقليل أو تقييد وصول لكل المنطقة الفلسطينية؛ كما تعرّضت بعض الصفحات والحسابات لشبه الغاء حيث يظهر محتواها كصفحة بيضاء لا شيء عليها برغم وجود الكثير من المنشورات عليها. وهذه أنماط جديدة لم تعترف بها انستغرام بل ادّعت في بياناتها أنها مشاكل تقنية وغير مقصودة، لكن كان واضحاً أن الامر مقصود. ويضاف إلى ما سبق الأنماط التقليدية طبعاً، كالإشعارات التي تصل البعض وتفيد بإزالة الحسابات والمحتويات أو بتقييدها.
المفارقة، بالنسبة إلى قاضي، أن الشركات وراء مواقع التواصل تدّعي أنها تزيل أو تقيّد وصول محتويات تحريضية تنشر خطاب الكراهية، لكن ماذا عن المواقع العبرية التي وثّق المركز نشرها لأكثر من 1100 قطعة محتوى تدعم خطاب الكراهية ولم يتم إزالتها؟ وهذا يعني أن التحريض بالعبرية مقبول، أما التعبير الفلسطيني فمرفوض.
في المحصّلة، رصدت "حملة"، عن طريق استخدام مؤشر العنف، أكثر من مليون حالة خطاب كراهية وتحريض موجّهة ضد الفلسطينيين/ات والمناصرين/ات للحقوق الفلسطينية على منصات التواصل الاجتماعي باللغة العبرية، وما زالت تلك منتشرة بشكل هائل في خضم الأحداث السياسية المتصاعدة في المنطقة التي بدأت في السابع من أكتوبر. وقد تركّزَ انتشار هذه الخطابات على منصة "إكس" نظراً إلى عدم تتبّع المنصة للمحتوى الضار المنشور، والسماح بوجوده وانتشاره.
من هنا، حذّر مركز "حملة" من أن خطابات الكراهية والتحريض على منصات التواصل الاجتماعي تترجم إلى هجمات حقيقية على أرض الواقع، محمّلاً شركات وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى مثل "ميتا" و"إكس" المسؤولية في إدارة المحتوى المنتشر على منصاتها، بخاصة المحتوى المكتوب باللغة العبرية.
سيصعب على المشتبه به إثبات براءته في ظل غياب معايير واضحة لحدود الاطّلاع المسموحة والممنوعة، كما أن القانون ينتهك خصوصية المواطنين/ات ويراقب نشاطهم في الفضاء الرقمي
قانون خطير وفضفاض أصدره الكنيست...
فلسطينياً إذاً، تعدّت الأمور انتهاكات المحتوى الرقمي والرقابة عليه، ليجد المواطن/ة نفسه رهن الاعتقال والمساءلة القانونية والمحاسبة الجائرتَين، فعلياً على أرض الواقع، ذلك أن الكنيست الإسرائيلي صادق على قانون حظر استهلاك المنشورات الإرهابية، على حد تعبير القانون، بتاريخ الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
ينص القانون على "حظر الاطّلاع بشكل منهجي ومنتظم على منشورات تتضمن الدعوة المباشرة لارتكاب عمل يعرف بالإرهابي وفق مفاهيم القانون الإسرائيلي، أو تتضمّن كلمات مديح أو تشجيع أو تعاطف في ظروف تشير إلى الشعور "بالانتماء" إلى أحد المنظمات "الإرهابية" التي يسري عليها هذا القانون، ويتم بناء عليه العقاب بالسجن لمدة عام كامل".
ببساطة، يسعى هذا القانون إلى معاقبة الشخص بناءً على ما في ذهنه بدلاً من سلوكه، ما يتعارض مع القانون الجنائي الذي لا يعاقب على ما يدور في ذهن الشخص وأفكاره.
إلى ذلك، سيصعب على المشتبه به إثبات براءته في ظل غياب معايير واضحة وفهم واضح لحدود الاطّلاع المسموحة والممنوعة، كما أن القانون ينتهك خصوصية المواطنين/ات ويراقب نشاطهم في الفضاء الرقمي ويحوّلهم إلى مجرمين محتملين، ويحد أيضاً من عمل الصحافي/ة المرتبط عضوياً بالاطلاع على المحتوى والتعرّض للحقائق خلال فترات الطوارئ. وهذا الأمر لا يجرم الصحافي/ة فحسب، بل يؤثّر أيضاً في حق الجمهور في المعرفة، تبعاً لقراءة مركز "حملة".