برغم الجدل الذي يثيره تصنيف الأدب وجندرته، بين أدب رجال وأدب نساء، إلا أن التجاهل الذي تعرّضت له كتابات النساء على مر العصور وحتى اليوم، يشدّنا نحو الإضاءة على ما يكتبنه في ميادين مختلفة، وليس في الأدب وحده، وذلك في محاولةٍ لتأكيد أن المرأة الكاتبة ليست استثناءً في حقل يستولي عليه الرجال، وليست خنساء إذا كتبت، جاءت كتابتها رثاء وبكاء، بل هي متخصصة في الاقتصاد، السياسة، الرواية، المجتمع… وتشارك عبر إنتاجاتها المتنوعة في صناعة الثقافة والعلم. من هنا، جلنا في "ميدفيمينسوية" بين أجنحة معرض بيروت للكتاب في نسخته الرابعة والستين، وتحدثنا إلى بعض الكاتبات، صاحبات الإدارات الجديدة.
"ملكة النيفا… آنا أخماتوفا"
"ككاتبة أنا لا أؤمن أبداً بمفهوم الجندرية في الأدب، ثمّة فقط إنسان، برأي وأفكار ومشاعر، وله الحق في التعبير والتصريح والإبداع والخلق كيفما يشاء، وعمّا يشاء. المرأة والرجل قادران على الكتابة بشكل متساوٍ، مع اختلاف الأسلوب والطروحات بين كاتب/ة وآخر، لكن ما يجعل كتابة المرأة نضالاً وتمرّداً وتحدّياً، هو مجتمع فيه ما فيه من العلل التي تظهر على هيئة موروثات وأنماط بالية قد لا تمتّ إلى المنطق والحقيقة بصلة".
أماني غيث هي شاعرة ومترجمة لبنانية، صدر لها في المعرض الكتاب الذي ترجمته وهو "ملكة النيفا… آنا أخماتوفا" عن دار النهضة العربية، تقول "لطالما شغلني موضوع إسهامات المرأة الإبداعية، واستوقفتني هذه الهيمنة لأسماء الرجال. أين هي المرأة من كل هذا؟ ما توصّلتُ إليه، هو أنّ المرأة ناضلت كثيراً وأنجزت وكتبت، لا بل كانت هي الملهمة والمشجّعة والحامية للأدباء والشعراء. لكنّ التاريخ غير منصف، مثل هذا المجتمع الذي يخلق لها العقبات والحواجز والمحظورات. إنها ظاهرة "تأثير ماتيلدا" التي قضت بالتعتيم على عطاءات المرأة وإنجازاتها، كما قال رولان بارت: تاريخ الأدب هو عبارة عن تقدّم للرجال فقط". كلّ هذا يتطلب، وفق أماني، أن تبذل المرأة جهداً مضاعفاً حتى تحظى بالمكانة التي تستحقها في عالم الكتابة والأدب، "عليها أن تحارب… لتكتب".
"تقول آنا أخماتوفا، الشاعرة الروسية التي ترجمت قصائدها، "على من يكتب عن الحب، أن يكون رجلاً!"، ويوم أخبرت أباها أنها سترسل قصائدها للجرائد، وجدت نفسها مضطرة إلى تغيير كنيتها، كي لا تلطّخ اسم العائلة بقصائد منحطّة، بحسب قول والدها"، تروي أماني، وتضيف "النماذج كثيرة عن مبدعات كان الموت أو الجنون الثمن وراء نضالهن، مثل مي زيادة، كامي كلوديل، عنايات الزيات... وكثيرات، حلّقن عالياً وبرغم ذلك، ظللن تحت وصاية الرجل، ورقابته، ومقصّه".
وتشير أماني إلى أزمة القراءة التي يواجهها عالمنا العربي، "الكتب سلطة بحدّ ذاتها، والدليل أنها تُمنَع، وتُحرق، وتودي بأصحابها إلى السجن، أو الموت. وهي أقدم وسيلة للتواصل، والخلود، مهما تنوّعت وتطوّرت أساليب المعرفة... إلّا أنّنا لا ننكر اليوم أنّ الكتاب الورقي في مأزق، وأرى ذلك مؤامرة، على الورق، والمعرفة، و المعلومة التي تُقدَّم باحترام وبغرض الإفادة. ها نحن نرى الصوت والصورة يبتلعان الحبر والورق، هو عصرهما، ربّما للسهولة، وربّما لأنه زمن السرعة، وربّما للمغريات التي تضفيها الوسائل الأخرى"، تتابع أماني.
عن أم عماد وأخريات في "شياطين الدومينو"
10 قصص في مجموعة واحدة تحمّلها الكاتبة والقاصة منى مرعي شجون فترات تاريخية متعاقبة وقضاياها وحكاياتها، منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً إلى عام 2018. تجتمع الشخصيات في أحد الأبنية البيروتية، حيث تدور أحداث المجموعة.
تتناول "شياطين الدومينو" الصادرة عن "دار النهضة العربية" قضايا كثيرة، كالحب والحرب والعنف، ويبدو حضور المرأة لافتاً بالفعل، فهي تحاول أن تصنع مكاناً لها في مجتمع أبوي، "فحتى الأمهات أحياناً يمارسن الدور الأبوي في لحظات معينة وهو ما تناولته "قطبة" إحدى قصص المجموعة. كما أن أبنية الحرب تحرسها النساء وتتناول المجموعة قدراتهن على تسيير أمور اليوميات العادية. وثمة كيان صلب وقوي وهش معاً يخرج من الكثير من شخصيات القصص منها أم عماد وهي أم لولدين خُطفا". تتحدث المجموعة أيضاً عن التذكر وبناء ذاكرة مكان، إضافة إلى موضوع العنف كحالة متكررة، مثل وقع الدومينو.
و تتناول "بانيو" إحدى قصص المجموعة، رغبة المرأة المقموعة والتي لا يستطيع زوجها أن يعطيها ما تريد في عمر الخمسينات وهي لا تملك أي قدرة لتحرّر جسدها أو فكرها خارج إطار العلاقة الزوجية…
تقول مرعي أن مجموعتها تركز بشكل أو بآخر على المبنى واليوميات التي تجري داخله وهي في الوقت عينه لا تُعتبر نوعاً من أنواع السيرة أو الرواية، مفضلة أن تصنفها في خانة القصص القصيرة.
"أنا أكتب ككائن حي يتنفس، وليس من منطلق أنني امرأة، لكن نضالي كامرأة يتجسد في ما أكتبه شئت أم أبيت"، تقول منى. وتشير إلى أن عدداً من قصص مجموعتها كـ"قطبة" و"بانيو" تسلط الضوء على المرأة التي تعرضت للكثير من المظلوميات في المجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء، فهي تعتبر أنه موضوع غير محصور في المنطقة العربية.
وكان صدر لمنى مرعي سابقاً "خارج نطاق الخدمة" (2009، مجموعة قصصية وكتاب تحريك)، و"وليمة تحت الماء" و"أبجد هوز تابولا رازا" (2006، نصوص مسرحية)، كما أنها أنجزت "شياطين الدومينو" ضمن منحة كتابة من "مؤسّسة المورد الثقافي"، ولها مقالاتٌ وأبحاث في المسرح وفنون الأداء والسياسات الثقافية. تُدَرِّس حالياً في قسم المسرح في "جامعة واشنطن" بينما تعمل على رسالة الدكتوراه.
وكان صدر لأماني غيث مجموعة شعرية هي "فلترجموها بوردة" عن "دار ناريمان" في بيروت عام 2021.
طبيبة نسائية وكاتبة في السياسة
جمال قرى مؤلفة كتاب "العلاقات الروسية الشرق أوسطية" الصادر عن دار سائر المشرق هذا العام، هي طبيبة نسائية خريجة كلية الطب في روسيا ومهتمة بالشأن الروسي، إضافة إلى كونها ناشطة اجتماعية وتتعاطى الشؤون السياسية. شاركت في العام الماضي بترجمة كتاب "روسيا في البحر المتوسط"، وهو كتاب مؤلف من ألف صفحة للمؤرخة الروسية إيرينا سميليانسكايا يتناول تاريخ روسيا في الشرق أي الحروب الروسية في المنطقة والدخول إليها.
قررت قرى الشروع في تأليف كتابها هذا بسبب اهتمامها وقراءتها لكتب روسية، وإلمامها بمؤرخين/ات، ديبلوماسيين/ات ورحالة روس، فبعد توسعها في هذه القراءات وجدت مؤلفة الكتاب أن تفاصيل كثيرة ما زالت مجهولة، وهي تستحق السرد والتوثيق إذ لم تشملها برامجنا الثقافية والسياسية، كما تقول لـ"ميدفيمينسوية".
جمعت جمال قرى أكثر من 70 مصدراً لأهم المؤرخين/ات والباحثين/ات المستشرقين/ات والرحالة الروس ووثقت كل هذه المصادر في كتاب ألفته تحت عنوان "العلاقات الروسية الشرق أوسطية".
"حاولت تسليط الضوء على ما يهمنا أن نعرفه عن تاريخ منطقتنا في الحقبة التي تصارعت فيها الدول الكبرى مثل روسيا وبريطانيا وفرنسا من جهة والإمبراطورية العثمانية من الجهة الأخرى على منطقة الشرق الأوسط، وكيف أثرت هذه الصراعات في تاريخنا وحاضرنا"، موثقة كل ذلك بالعودة إلى مصادر أكاديمية لا سيما من الجامعات الروسية.
تعتبر أن كتابها سيكون محط اهتمام للأشخاص الملمّين بالشأن التاريخي والسياسي وخصوصاً أولئك المهتمين بالتفتيش عن تاريخ الشرق الأوسط من منظور السياسة الخارجية الروسية، أي الرواية الروسية ومقارنتها بما نعرفه وما وصلها من الروايات الغربية باللغتين الإنكليزية والفرنسية بشكل خاص، وبالتالي المقارنة بين النظرتين الغربية والروسية إلى الشرق الأوسط.
إلى جانب مهنتها في الطب، تبدو جمال قرى مرجعاً في السياسة الروسية وعلاقتها بالشرق الأوسط من خلال كتاباتها وأفكارها وأيضاً من خلال هذا الكتاب التوثيقي، وهي بذلك تمثل نموذجاً للمرأة الناشطة والعالمة في الحقل السياسي، ويبدو ذلك لافتاً ومهماً، لا سيما أننا نعيش في بلاد يحكمها برلمان يتألف من 120 رجلاً و8 سيدات.
"أكتب لأحيا"
"الشعر أهم من الحياة، فأنا بالحقيقة أكتب لأحيا، وهذا ما أردتُ أن أقوله من خلال ديواني "خنجر في الهواء/ خنجر في عصب الموسيقى"، تقول الشاعرة لودي شمس الدين التي صدر ديوانها حديثاً عن دار موزاييك للدراسة والنشر. وتتابع لموقعنا، "يقول محمد علي شمس الدين، إله الشعر، الطبيعة أنثى فكيف الشعر؟ الشعر في أحد وجوهه آلهة من الأنوثة، الجمال والحب. كما أن الشعر الجميل لا يُنسى، بالعكس تماماً، كلما مر الوقت تتضح صورته بأجمل معانيه، لأن الشعر الجميل شفاف كالماء كلما اقتربنا منه يصبح أكثر وضوحاً ولمعاناً".
وتتابع "علّمني محمد علي شمس الدين أن القصيدة تختار قارئها وليس القارئ من يختار القصيدة".