هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
هناك من سيذكّركِ دوماً بأنك ناقصة وأنك لستِ كافية ليختارك أحدهم و"يضعك في بيته"، تماماً كما قد توضع كنبة مخملية في صدر الصالون، أو كما توضع تحفة فنيّة في فيترينة، حتى يأكلها الغبار، أو تموت من الملل والوحدة... ذلك أن الأعمال الفنية أيضاً تحتاج من وقت إلى آخر إلى مَن يلقي عليها التحية ويذكّرها بأنها مميزة ومهمّة.
ستجدين دوماً من يرى أنك أقل من كنبة مخملية أو تحفة فنيّة تفيد الزينة والتباهي أمام الأصدقاء. ربما لن يمرّ يوم دون أن يخبرك أحد ما أنّ الذنب ذنبك وأن عليك فعل شيء حيال ذلك. غيّري تسريحة شعرك مثلاً، توقفي عن الرقص في عطلة نهاية الأسبوع، البسي فساتين ضيقة، استتري، اختلطي بالناس، اقلعي عن أحاديث الحرية والحقوق، لا تكوني مثقفة، ماذا يستفيد الرجل من زوجة مثقفة؟ قد لا تتقن الجلي وتربية الأولاد، ولا تشتري الكتب بعد الآن، الكتاب غريم يكرهه معظم الرجال أكثر مما تتخيّلين...
يصعب كثيراً فهم أن طموحك أكبر من أن تكوني شيئاً إضافياً في بيت أحدهم، يمكن الاستغناء عنه حين تتغيّر الموضة أو المزاج. إنه نضال يوميّ، أن تثبتي أنك خارج معادلات التحف و"الإضافات" الفنيّة. ونضال أن تشرحي أن القرار لك، وأنك من يقرّر هنا، ولست بانتظار زواج على شكل علبة. عليكِ مهما كبرتِ ونجحتِ أن تفسّري أن عزوبيتك في الثلاثين أو في الأربعين لا ترتبط بالنقص أو الضعف، أو بأنّ أحدهم لم يخترك، بل بأنك قائدة السفينة وأنك أنت تحديداً من لم تقتنع بأحدهم حتى الآن، أو بفكرة الزواج عموماً. إنه في النهاية حديث بغاية الإثارة، يجريه المرء مع امرأة تجاوزت الثلاثين من دون زواج، فيشاهدها وهي ترتبك في سبك جمل يفهمها السائلون وتعبّر عن حقيقتها... إنه حق عام يملكه الجميع بمساءلة أي امرأة تجاوزت الثلاثين بلا زواج! وبعد المساءلة يأتي دور الأحكام والآراء المختلفة حول حياتك الخاصة.
هل كانت داليدا ناقصة وهي تقف على المسارح وتضخ الحياة والحب دون توقف في الشعوب والأجيال؟ هل كانت ناقصة وهي تغنيpour ne pas vivre seul، بذاك الأحساس المحمّل بكل انتكاساتها العاطفية والزوجية؟ أوبرا وينفري السيدة التي لا مثيل لها والتي حاورت أبرز الشخصيات وقدّمت مفاهيم جديدة عن الحياة والنساء والإعلام، لم تتزوّج أيضاً، فهل تبدو بهذه الثقافة العالية وهذه الضحكة الفاتنة، امرأة ناقصة، ولا يمكن أن تكتمل ما لم يضعها رجل ما في بيته؟ شيريل كرو المغنية والممثلة الأميركية المميّزة، هل عليها أن تعيش مع فكرة أن كل ما حققته ليس بالأمر المهم ما دامت قد تجاوزت الستين عاماً بلا زواج؟ وهل جاكلين بيسيت، إحدى أجمل ممثلات الأفلام، لم تكن فاتنة بما يكفي لتجتذب رجلاً ما من هذه القبيلة؟
هل كانت داليدا ناقصة وهي تقف على المسارح وتضخ الحياة والحب دون توقف في الشعوب والأجيال؟
لكنّ النقص غالباً ما يكتمل حين تكون المرأة أجنبية، تبدو حريّتها أمراً رائعاً، دون أن تصل إلى كونها مثالاً يحتذى. فأيقونات العالم الغربي يملكن الحق بالاختيار في كل شيء، وصولاً إلى الحياة العاطفية والجنسية، لكنّ حبل الحرية ينقطع غالباً في مجتمعاتنا في المنتصف، بحيث تنعم المرأة بالحقوق التي تفيد المجتمع، وتُحرَم تلك التي لا يستفيد من إقرارها في شيء أو تشكّل تهديداً له ولاستمراره.
بمعنى آخر، وجدت أنظمة ومجتمعات أن تعليم المرأة وعملها مهمّان اقتصادياً، فسُمح لهن بدخول المدارس وسوق العمل، إنما حافظت السلطات على مبدأ عدم المبالغة، بحيث بقي الرجال يتقاضون رواتب أعلى من النساء ويحصلون على المناصب الإدارية أكثر من النساء. وفي ذلك دليل واضح على رغبة المجتمعات المستمرة في منع النساء من التمادي والاعتقاد بأنهن مساويات للرجال، القائلين بنظرية الفرزدق المشينة "إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها". والديوك بالمناسبة تظنّ أن الصباح لا يطلع لولا صياحها...
في المقابل، وجدت السلطات الأبوية أن منح المرأة الحرية الكاملة في مسألة الزواج والإنجاب، سيجعلها تفلت تماماً من أنيابه، فبقي يلاحقها بضرورة أن تجد "من يستر عليها"، و"من يضبّها" و"من يحميها"، وكأنّها سهلة المنال وتحتاج دوماً إلى "بودي غارد" ورجل عصابات "طيب" يطوّقها من كل مكان إلى أن يخنقها تماماً... من أجل أن يحرسها من الأشرار! وهؤلاء الأشرار هم رجال مثله، فرجل العصابات الطيب هو أيضاً واحداً من أولئك الأشرار، إنما في حكاية أخرى...