هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
بالإمكان القول إنّ تاريخ مصر هو الأطول، إذ يعود إلى حوالي 7000 قبل الميلاد في ما يُعرف حالياً باسم مصر القديمة. أما تاريخ مصر الحديثة فيعود إلى عام 1922 عندما نالت مصر الملكيّة استقلالها الاسمي عن الامبراطورية البريطانية. بعد ثورة 1952 (والتي تعرف أيضاً باسم حركة الضبّاط الأحرار)، أنهت مصر الاحتلال البريطاني تماماً، وتم إعلان قيام الجمهورية المصرية التي وضعت حدّاً للحكم الملكي في البلاد.
في التاريخ الحديث لمصر هناك ثلاث محطّات ثوريّة حصلت في الأعوام 1919 و1952 وفي عام 2011 مع ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل حسني مبارك بعد ثلاثين سنة من الحكم. تأسّس النظام السياسي الحالي في مصر في أعقاب ثورة 2011؛ وفي هذا النظام شبه الرئاسي، يتم انتخاب الرئيس لمدّة ست سنوات مع إمكانية الترشح لولاية ثانية، بينما يكون البرلمان بمثابة فرع من الحكومة المصرية، مع أنه كمجلس تشريعي يُعَد على أنّه الأقدم في أفريقيا وفي الشرق الأوسط. ومصر عضو مؤسس في الأمم المتحدة وفي حركة عدم الانحياز وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.
الحركة النسوية في مصر
تُعتبر الحركة النسوية في مصر أقدم حركة نسوية مُنظّمة في العالم العربي. تطوّرت هذه الحركة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر حيث تم تأسيس أول منظمة نسائية غير حكومية في 1891. في أعقاب ثورة 1919 التي شهدت مشاركة كبيرة من النساء في التظاهرات التي اندلعت ضد الاستعمار البريطاني، أدركت المرأة المصرية مدى أهمية تلك اللحظة، وأصرّت على عدم هدر فرصة الحفاظ على حضورها وتوسيع نطاقه وتفاعله ضمن المجال العام.
حقّق النضال الشاق للحركة النسوية المصرية خلال الموجة الأولى تقدّماً غير مسبوق على مستويات عديدة وفي جوانب مختلفة. فقد تم تشكيل أول اتحاد نسائي في عام 1923 وتم إصدار أول قانون يحدّد السن الأدنى للزواج (16 للنساء و 18 للرجال) في العام نفسه. كذلك فإن مصر صارت في عام 1923 أول بلد ناطق باللغة العربية يشهد حركة خلع للحجاب دون أي تدخل من الدولة، مما جعل من مصر في تلك الفترة البلد الأوّل في المنطقة الذي استطاعت فيه المرأة أن تسير بحريّة في الشوارع دون حجاب، وأن ترتدي ثياباً عصرية وتنانير.
خلال النصف الأول من القرن العشرين الذي يُعتبر ذروة الحركة النسوية المصرية، استمرت النساء في كسر الهيمنة الذكورية الحاضرة في مجالات عدّة، وذلك عندما صارت المرأة أستاذة في الجامعة وطيّارة وطبيبة ومهندسة ورئيسة نقابة وعالمة فيزياء ذرية ووزيرة. ولا حاجة لذكر أن المرأة المصرية كانت الأولى في البلاد العربية التي يتم انتخابها في البرلمان وذلك في عام 1957.
بعد ثورة 1952/حركة الضبّاط الأحرار، قامت الدولة بحملة تأميم كامل ألقى بظلاله على المجتمع المدني بشكل عام وعلى الحركة النسوية بشكل خاص. فقد تم حلّ عدد كبير من المنظّمات غير الحكومية بموجب قوانين جديدة تم وضعها لتلبّي هذا الغرض، وسُمح للمنظمات غير الحكومية المنشأة حديثاً بالعمل شريطة أن تتبنى الخطاب الحكومي. أدى ذلك التحوّل النموذجي الذي حصل في مصر بعد عام 1952 إلى إضعاف الحركة النسوية المستقلة. لكن بما أن الحكومة القائمة وقتها كانت تحاول أن تُظهر بأنها حديثة ومنفتحة على حقوق النساء واستقلاليتهن، استمرت في دعم تعليم المرأة وإدماجها في القوى العاملة ودعم اقتحامها للمجالات التي كانت حكراً على الذكور، كما أنها استجابت بشكل إيجابي لحركة الاقتراع وضمّنت للمرأة حقها في التصويت بعد نضال استمر لعقود.
أوجه التمييز ضد النساء
تم تسجيل العودة الأولى إلى ارتداء الحجاب في مصر في نهاية سنوات السبعينات. وتزامن ذلك مع الهجرة الملحوظة إلى بلاد الخليج التي صارت دول نفط غنية، ومنحت عدداً كبيراً من المصريّين فرص عمل. العودة إلى الحجاب كانت جزءاً من نقطة تحوّل لها دلالتها في تاريخ مصر الحديثة وأطلق عليها اسم "الغزو الإسلامي الوهابي". أصاب "الغزو الوهابي" مكانة النساء بضربة قاسية. وأخذت الحركة النسوية تواجه مزيداً من العراقيل والحواجز، وتعرّض وضع المرأة الاجتماعي إلى حالة تدهور بعد أن صارت الجماعات الإسلامية قوية وأكثر فاعلية في المجتمعات المحلية، وعلى الأخص في الطبقات الوسطى والدنيا.
على الرغم من الجهود الحثيثة لإعادة وضع النساء إلى الوراء، إلا أنّ الدولة بادرت إلى تأسيس حركتها النسائية الخاصة بها وأنشأت المجلس الوطني للمرأة الذي لعب دوراً محورياً في تطوير التشريعات الجديدة لصالح النساء مثل تعديل قوانين الأحوال الشخصية وإلغاء القانون الذي يسمح للمغتصب بالزواج من المرأة التي اعتدى عليها للتخلّص من العقوبة، وكذلك تم تجريم اقتطاع أجزاء من الجهاز التناسلي الأنثوي (الختان والتشويه)، ورفع الحد الأدنى لسن الزواج من 16 إلى 18، ومنح المرأة الحق في إعطاء جنسيتها لأبنائها إذا لم تكن متزوجة من مصري. ولكن، لم يكن هناك مفرّ من أن تسود الكآبة بعد أن نجح الإسلاميون في الحفاظ على تعدّد الزوجات بالقانون، وبعد أن وقفوا بحزم ضد الضغط النسوي لوضع حدّ للطلاق اللفظي من خلال جعل المحاكم السلطة الوحيدة التي تمنح الطلاق. كما أنهم أحبطوا جميع المساعي لتجديد وإصلاح قانون الأحوال الشخصية الذي يحتوي على المواد التي تشرعن العنف والتمييز ضد المرأة.
إضاءات
منحت الانتفاضة التي طال انتظارها في عام 2011 قوة دفع للحركة النسوية، وصار الحديث عن امتلاك المرأة لجسدها أمراً محورياً في الخطاب النسوي. وقد تزامن ذلك مع استهداف النساء باعتداءات جنسية جماعية في المظاهرات التي استمرت حتى عام 2014.
أدّت المعركة الشرسة التي خاضتها النساء ضد هذه الاعتداءات المرعبة على أجسادهن إلى إصدار تشريع جديد في عام 2014 فرض عقوبات أشد على التحرش الجنسي. ولكن اعتباراً من عام 2014، قامت الحكومة بقمع الفضاءات المدنية التي تقع الحركات النسوية في صلبها، وصار التقدم في مجال التشريعات أبطأ حالياً مما كان عليه في مراحل سابقة.
أمام هذا القمع الواسع النطاق، لجأت الحركة النسوية إلى الإنترنت والفضاء السيبراني، وصارت الناشطات يقمن بحملات عنيدة ضمن الإنترنت من أجل التواصل والترابط فينا بينهنّ، ورفع أصواتهنّ، والاحتجاج والإصرار، مع تصميم قوي على أن نضالهنّ سيستمر ولن يتوقف.