هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
انهيار النظام السريع والمفاجئ
المشهد يفوق القدرة على الاستيعاب، إذ تترافق فرحة السوريين والسوريات بسقوط النظام مع كشف حقائق مروعة عن الجرائم التي ارتُكبت في الخفاء. مع تحرير المعتقلين والمعتقلات، بدأت سوريا تواجه ما كان محجوباً عنها لعقود: واقع السجون، والتعذيب الوحشي، والاختفاء القسري. لطالما كان السوريون/ ات يسمعون/ ات التحذيرات: "الحيطان لها آذان"، و"من يذهب إلى هناك لا يعود"، لكن الواقع كان أسوأ مما تخيلوه.
لقد تفوق نظام الأسد على أسوأ كوابيسهم/ ن وخيالاتهم/ ن. ومع فتح السجون وتحرير المعتقلين والمعتقلات بدأت القصص المريعة بالظهور.
نساء مرميات في السجون من دون تهمة واضحة، فقط لأنهن قلن آرائهن أو كان أحد أفراد أسرتهن معارضاً، بعضهن تعرضن للاغتصاب داخل سجون الأسد وخرجن مع أطفال لا يعرفن من هم آبائهم، سيكون أمامهن معركة صعبة في الخارج.
رغم الفرحة الطاغية كانت مخاوف النساء في مقدمة المشاعر المختلطة للسوريين/ ات، ماذا سيحصل للسوريات في ظل انتصار المعارضة المسلحة المتشددة؟ والتي سُجلت بحقها انتهاكات عدّة في مناطق سيطرتها سابقاً في شمال غرب سوريا، هل ستنقل التجربة ذاتها وتعممها على كلّ سوريا؟
النساء في سجون الأسد
لليوم مازالت العيون معلقة على سجن صيدنايا، رمز القمع الأكبر في سوريا. وكأن تحرير المعتقلين فيه حرر كلّ سوريا وكل لاجئ ولاجئة هربوا من بطش النظام.
مشاهد خروج المعتقلين/ ات كانت تقشعر لها الأبدان، حيث بدت وكأنها قادمة من كابوس طويل لكنه ينتهي أخيراً. أحد المعتقلين خرج حاملاً على ظهره معتقلاً آخر، لا يقوى على الحركة بسبب الهزال الشديد. لوهلة، قد تظنه طفلاً صغيراً لشدة نحوله وضعفه.
معتقلة أخرى خرجت من السجن بجسدها، لكنها بقيت حبيسة صدمة الاعتقال. ظهرت غائبة عن الواقع، ترد بطريقة مشوشة، وتُثبّت عينيها في الأفق البعيد وكأنها تبحث عن مخرج غير مرئي. لقد تمكن النظام من زرع الظلام في أعماقها، فغيبها حتى بعد أن أُطلق سراحها.
من جهة أخرى، خروج طفل لم يتجاوز الثالثة من عمره من سجن الأسد كشف حجم البشاعة التي وصل إليها النظام. كيف يمكن لطفل بهذا العمر أن يشكل تهديداً على الأسد أو نظامه؟ كانت تلك الصورة صدمة للعالم أجمع، العربي والدولي.
تتشارك عدد من الأفرع الأمنية والسجون الرعب ذاته الذي عاشه المعتقلون/ ات في سجن صيدنايا، في فرع فلسطين عاش المعتقلون/ ات تعذيباً لا ينتهي، وللسخرية سمى النظام واحد من أبشع معتقلاته على اسم فلسطين، هو الذي ادعى وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية لكنه أيضاً لم يتوانى عن اعتقال مئات اللاجئين الفلسطينيين وتعذيبهم وقتلهم وتهجير الآلاف غيرهم.
وعلى جدران مستشفى المجتهد وسط دمشق، عُلّقت صور لوجوه الجثث التي ظهرت عليها آثار التعذيب، علَّ العائلات تتمكن من التعرف على أبنائها. هناك، وقف الآباء والأمهات والأخوة والأخوات، ينظرون إلى الصور في رعب.
حجّت آلاف العائلات نحو سجون دمشق، باحثين عن أحبائهم/ ن. لكن لم يجد الجميع من كانوا ينتظرونهم/ ن، وما زال مصير الكثيرين مجهولاً. هل صُفّوا بوحشية على يد النظام؟ سؤال بلا إجابة، لكنه جزء من إرث القمع الذي سقط مع النظام.
النساء ومقاومة القمع
من جهة أخرى كانت فوضى سقوط النظام أقل حدة مقارنة بسقوط أنظمة أخرى. ورغم مخاوف السوريين/ ات، وخاصة الأقليات، من أعمال انتقامية واسعة أو تصفيات على أساس طائفي، كانت إدارة العمليات العسكرية بقيادة أبو محمد الجولاني واضحة في منع المقاتلين من استهداف الأقليات أو المساس بهم، فيما شكك البعض أن هذه القرارات هي آنية وستتغير مع الوقت، ومع ذلك، وقعت بعض الحوادث الفردية التي طالت عناصر كانوا ينتمون إلى جيش النظام السوري، ما أثار مخاوف أوسع رغم التطمينات المقدمة.
ورغم إصدار إدارة العمليات قراراً يمنع التدخل في لباس النساء أو فرض الحشمة عليهن، وهي خطوة لاقت استحساناً كإشارة إيجابية. لكن مع ذلك، حاول بعض العناصر التدخل في شؤون النساء ولباسهن، ما أدى إلى انتشار هذه الحوادث الفردية بسرعة، كالنار في الهشيم، وزاد من المخاوف والشكوك.
في النهاية "هيئة تحرير الشام" اعتمدت على الشريعة في حكم إدلب وهذا ما يجعل مخاوف الناس مشروعة، في ظل بحثهم عن دولة مدنية ديمقراطية تتسع لكلّ الاختلافات داخل المجتمع السوري.
من جهة أخرى، لم يظهر في الحكومة الانتقالية أي تمثيل نسائي، ما أثار استياء العديد من النشطاء والمنظمات الحقوقية الداعية إلى تعزيز دور المرأة في السياسة وصنع القرار. علاوة على ذلك، أثار تعيين شادي الويسي وزيراً للعدل في الحكومة الانتقالية جدلاً واسعاً، ليس فقط لافتقاره إلى خلفية قانونية متخصصة حيث درس الشريعة الإسلامية بدلاً من الحقوق، ولكن أيضاً بسبب تصريحاته التي ألمح فيها إلى نيته توسيع الإطار القانوني المستند إلى الشريعة ليشمل كامل أراضي سوريا.
هذه الخطوة تثير مخاوف كبيرة حول تقييد الحريات الشخصية، وتهميش الأقليات الدينية والعرقية، وفرض رؤية أحادية على مجتمع متنوع ومعقد. الجدير بالذكر أن هذا الإطار القانوني سبق وأن تم تبنيه من قبل "حكومة الإنقاذ" التي سيطرت على إدلب في السنوات الماضية، وهو ما أعاد إلى الأذهان التحولات التي شهدتها المنطقة في ظل سيطرة الجماعات المسلحة ذات التوجهات الدينية المتشددة.
دور النساء المحوري
كل هذه التطورات تعكس استمرار الصراع بين تيارات مختلفة حول هوية الدولة السورية ومستقبلها القانوني والسياسي، في وقت يعاني فيه الشعب من انقسامات عميقة وحاجة ماسة إلى الاستقرار والمصالحة الوطنية.
في هذا السياق، برزت مواقف شجاعة لنساء واجهن محاولات فرض الوصاية عليهن، لا سيما من بعض عناصر المعارضة المسلحة الذين سعوا إلى فرض ارتداء الحجاب على بعض النساء في المناطق التي دخلوها. ردت إحدى النساء بحزم، متسائلة: "ألم تأتوا لتحريرنا؟ كيف تجبروننا على ارتداء الحجاب؟". هذه الردود الجريئة لم تكن مجرد رفض للهيمنة الذكورية أو محاولات التشدد، بل كانت تعبيراً عن إرادة جماعية لنساء رفضن أن يكن ضحايا لأية أيديولوجية تسعى لتقويض حرياتهن.
هذا يبرز الدور الحيوي للنساء في الدفاع عن حقوقهن وحرياتهن، ويدل على أن مقاومتهن هي جزء من نضال أوسع يهدف إلى تحقيق مجتمع أكثر عدالة ومساواة.