شيماء اليوسف
تزوجت نيفين حنا، 32 عاماً، منذ سبع سنوات وهي أم لطفلة في الخامسة من عمرها. قبل الزواج، كان متوسط دخلها الشهري حوالي 20 ألف جنيه (400 دولارٍ أميركي)، وكانت تساهم براتبها في تغطية احتياجات الأسرة. لكن حياتها انقلبت بشكل مأساوي بعد أن فقدت عملها إثر أزمة مالية، الأمر الذي كشف الجانب المظلم من علاقتها بزوجها، إذ لم يتقبل بقاءها في المنزل دون دخل، وبدأ في تعنيفها وصولاً إلى حد تجويعها.
منزلٌ لا أمان فيه
عندما وجدت نيفين وظيفة جديدة، قررت ادخار جزء من راتبها، لكن زوجها رفض بشدة، مطالباً إياها بتسليمه كامل راتبها أو ترك العمل. وحين رفضت، ضربها بعنف حتى غطت الكدمات جسدها. تروي نيفين لـ"ميدفيمنيسوية": " ضربني لدرجة ما قدرتش أتحمل، لكن خوفي من موقفي الضعيف بعد وفاة والدي، ومن إنه يعتدي على أمي، منعني من الهروب". بعد تصاعد العنف الزوجي لجأت نيفين إلى الكنيسة لطلب المساعدة لكن أحداً لم يستجب.
منعتها العقبات الكنسية وضغوط محيطها من الطلاق، خوفاً على طفلتها، فوجدت نفسها عالقة في حياة مدمرة. ورغم كل شيء، لم تعد قادرة على تحمل الإهانة، وما زالت حتى اليوم تبحث عن مخرج.
في عام 1938، أصدر المجلس الملي للكنيسة الأرثوذكسية لائحة تنظم قضايا الزواج والطلاق بين المسيحيين الأرثوذكس. وتضمّنت هذه اللائحة تسعة أسباب يُسمح فيها بالطلاق، مثل استحالة استمرار الحياة الزوجية، أو إصابة أحد الزوجين بالجنون، أو الإدمان. لكن هذه اللائحة تعرضت لانتقادات قانونية، لأنها لم تصدر عن جهة تشريعية رسمية، بل عن المجمع المقدس التابع للكنيسة.
بحسب كتاب "أيامي" لجمال أسعد، أُلغيت المحاكم الدينية في مصر سنة 1955، وأصبحت قضايا الطلاق من اختصاص المحاكم المدنية، ما خفّف قليلاً من شروط الطلاق للمسيحيين. لكن في عام 1971، ومع تولي البابا شنودة الثالث، أُلغي القانون السابق وأصبح الطلاق في الكنيسة مسموحاً فقط في حالة "الزنا"، مما زاد من صعوبة الطلاق وساهم في تعميق النظرة السلبية تجاه المرأة المطلقة.
الكنيسة القبطية لا تعترف بالطلاق
تنتمي نرمين روماني إلى أسرة صعيدية محافظة. تزوجت من صيدلي، لكنها اكتشفت بعد الزواج إصابته بعجز جنسي. خشيت من نظرة المجتمع، فلجأت للكنيسة أملاً في الطلاق، لكن الكاهن نصحها بمحاولة علاجه والتأقلم مع "نصيبها". بدلاً من علاج زوجها، وُضعت نرمين في جلسات نفسية دون علمها، تهدف لإقناعها بالتراجع عن قرار الطلاق. وبعد أن هرب زوجها إلى الولايات المتحدة، خاضت معركة قضائية استمرت خمس سنوات في ظل قوانين كنسية تشترط الهجر لسنوات قبل الطلاق.
تعتبر الكنيسة القبطية في مصر الطلاق مخالفاً لتعاليم الكتاب المقدس، مما يعرقل إجراءات الطلاق الكنسي ويجعلها شبه مستحيلة إلّا في حالات نادرة. تواجه المرأة المسيحية وصمة اجتماعية أكبر من الرجل إذا كانت مطلقة، مما يعقد حياتها الشخصية. بسبب هذه التعقيدات، ظهرت جهود من حقوقيين مسيحيين لتسهيل إجراءات الطلاق والزواج الثاني، بالإضافة إلى ظهور مافيا تغيير الملة لاستصدار شهادات تغيير الدين من المسيحية إلى الإسلام لتسهيل الطلاق.
تواجه المرأة المسيحية وصمة اجتماعية أكبر من الرجل إذا كانت مطلقة، مما يعقد حياتها الشخصية. بسبب هذه التعقيدات، ظهرت جهود من حقوقيين مسيحيين لتسهيل إجراءات الطلاق والزواج الثاني
وأوضح القمص (الكاهن) الراحل مرقس عزيز في مقالة له بعنوان: "موقف الكنيسة من قانون الطلاق وتطبيقه" أن الطلاق يوضع في سياق أخلاقي وديني صارم، حيث يُعتبر”: انتهاكاً لمشيئة الله” مشيراً إلى عدم اعتراف الكنيسة بالطلاق الذي يُقره القانون المدني إذا تعارض مع تعاليمها. وهذا يبرز حالة التوتر القائمة بين الشريعة الكنسية والقوانين الوضعية في مصر، خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية للأقباط. ويُذكر أن هذه القيود لا تقتصر على الكنيسة القبطية فقط، بل تنطبق أيضاً على باقي الطوائف المسيحية في مصر.
المجتمع يوصم المرأة المطلقة
تُجسّد قصة منى جبريل معاناة النساء مع وصمة الطلاق، حتى خارج المجتمعات التقليدية. تزوجت منى في سن التاسعة عشرة وانتقلت إلى الولايات المتحدة، حيث عانت من العنف والإهمال وتأخر الإنجاب. بعد تصاعد العنف، لجأت للشرطة ورفعت قضية دون رغبة في إيذاء زوجها، لكنه استمر في إهانتها. وعندما قررت الطلاق، رفضت عائلتها خوفاً على السمعة، ما دفعها للتراجع. أما الطلاق المدني، فظل معلقاً لعدم اعتراف الكنيسة به.
يعتقد الدكتور نعيم لويس، استشاري العلاقات الأسرية والنفسية، أن المجتمع ينظر إلى المرأة المطلقة بشكل قاصر، ويحمّلها المسؤولية وكأنّ الطلاق جريمة. وفي المجتمع المسيحي بشكل خاص، تُعتبر المرأة المطلقة عاراً اجتماعياً. ويضيف لـ "ميدفيمنسوية": يرى المجتمع أن المرأة المطلقة سيئة الأخلاق، ويعتقد بعض أفراده أنها مجرد وعاء للمغامرات غير الأخلاقية."
قصة نيفين ومنى والعديد من النساء تطرح سؤالاً حول كيفية تغيّر مسار الطلاق في المسيحية في مصر.
وبحسب مصادر كنسية، تلقت الكنيسة في عام 2016 نحو 5000 طلب طلاق سنوياً. وفي العام نفسه، أفاد بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بأن عدد حالات الطلاق المسجلة لدى الطائفة الأرثوذكسية بلغ 32414 حالة، ما يمثل 3.5% من إجمالي حالات الطلاق في مصر، بينما سُجلت 500 حالة في الطائفة الإنجيلية، و1232 حالة في الطوائف المسيحية الأخرى.
طريق بلا مخرج
تقول الباحثة في الشأن القبطي، جورجت شرقاوي: "تصرُّ المجالس الإكليريكية على التصالح حتى في الحالات التي تهدد فيها المرأة حياتها، بسبب عدم اعتراف الكهنة بالعنف البدني والنفسي. وهذا يزيد من الحالات التي لا يتم التعامل معها بشكل صحيح". وتوضح في حديثها لـ "ميدفيمنسوية" أن المرأة تُعتبر الطرف الأضعف بسبب صعوبة إثبات واقعة "الزنا"، مما يضطرها للهروب من المنزل. تتابع شرقاوي: "لا يتعاون القضاة مع الكنيسة في جمع الأدلة للتحقق من الوقائع، مما أدى إلى فشل العديد من القضايا لرفض الكنيسة التعاون مع المحكمة".
يشير هاني عزت، المحامي المتخصص في الشؤون المسيحية ومؤسس رابطة منكوبي الأحوال الشخصية للأقباط، إلى ظهور مافيا تغيير الملة، حيث تُباع شهادات تغيير الطائفة بأسعار تصل إلى 200 ألف جنيه (4 آلاف دولارٍ أميركي)، ما يجعلها بعيدة عن متناول الفقيرات. ويضيف في حديثه لـ "ميدفيمنسوية" أن هذه الشهادات تُصدّر من مكاتب مجهولة الهوية في لبنان وسوريا، ويتم بيعها للمسيحيين/ ات الراغبين/ ات في الطلاق. وفي كثير من الأحيان، ترفض المحاكم دعاوى الطلاق التي تستند إلى تغيير الملة إذا شكّت في وجود تحايل.
النضال لتعديل قوانين الطلاق المسيحي في مصر
يُجرى حالياً تعديل قوانين الأحوال الشخصية في مصر، بما في ذلك تخفيف قيود الطلاق في المسيحية، مثل تقليص مدة الانفصال من خمس إلى أربع سنوات. وتشير جورجت شرقاوي إلى أن مشروع القانون يمنح المرأة المسيحية مرونة أكبر، خصوصاً في الحالات المتضررة من الزواج الأول، وتلفت إلى المادة 22 التي تضمن حقوقها المدنية على غرار المواطنات المسلمات. وتؤكد ضرورة ربط دعم الدولة للمطلقة بإفادة من الكنيسة أو قرار قضائي، لضمان توافقه مع القوانين المدنية.
وتختتم شرقاوي قائلة: "الصياغة القانونية يجب أن تشترط إلزام الكهنة بإصدار إفادة تثبت انفصال المرأة جسدياً، وذلك لتيسير الإجراءات القضائية وتسريعها. وأضافت أنه يجب أن يُضمن في القانون ألا يسلب هذا الحق المرأة حرية اختيار دينها أو معتقداتها، أو يضعها في موقف محرج بين دينها ودولتها."