هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
تشير الساعة إلى الواحدة ظهراً، وعلى بعد خطوات قليلة من ميناء مرسيليا القديم، الذي يهيمن عليه الحضور الذكوري من بحارة وعمال موانئ، وبالتحديد في مقر مركز المثليين/ ات والكوييريين/ ات حديث الإنشاء، ارتفعت أصوات كورال نسوي مؤديةً أنشودة ساخرة:
"وا، وا، لم نعد قادرين على فعل أي شيء... وا، وا، ، يا لها من معضلة... وا، وا، ، يا لها من مأساة... وا، وا، لم نعد نستطيع قرص المؤخرات... سوى مؤخرة كاترين دينوف!"
هذه الأنشودة، التي تتميز بنبرة تهكمية، هي جزء من رصيد فرقة راسكاس النسوية. هنا، لا مكان للندب أو للمقولات مثل "هذا لا ينسحب على كل الرجال "[1]، بل مساحة تسودها روح التضامن النسوي. في استعداد لمسيرة الثامن من آذار/ مارس التي ستنطلق في غضون ساعة، نظمت مجموعة "نحن جميعاً مرسيليا" ورشات متنوعة، إلى جانب التدريبات على الأناشيد النسوية. شملت الفعاليات نقاشاً بين كتّاب وكاتبات كوير، وعروض أفلام قصيرة، وورشة لصنع اللافتات والشارات.
تؤكد ديان، إحدى ناشطات "نحن جميعاً مرسيليا"، على أهمية الحضور المكثف في هذا اليوم، قائلة: "غضبنا يمنحنا طاقة نسوية تدفعنا للحراك، ونحن حريصات على نقلها أيضاً إلى من هم خارج الدوائر النضالية. ليس بالضرورة أن يكون المرء ناشطاً أو ناشطة، المهم أن يحمل في داخله الشعلة ويوجّهها في الاتجاه الصحيح".
ومع تصاعد الفاشية والحركات المحافظة والتقليدية في فرنسا وأوروبا، يواصل النظام الأبوي استعادة زخمه وعنفوانه.










التكاتف لمواجهة الفاشية المتصاعدة
في الليلة السابقة، نُظمت مظاهرة نسوية راديكالية وعفوية، بهدف استعادة احتلال الفضاء العام ليلاً، دعماً لمسيرة ليلية نسوية دعت إليها جمعية نسوية باريسية ومجموعات أخرى مناهضة للعنصرية والاستعمار. تعرضت المسيرة للمنع بقرار من محافظ الشرطة الباريسية، لوران نونييز، قبل أن يتم التراجع عن القرار في اللحظات الأخيرة. ومع ذلك، يثير هذا المناخ القمعي قلق الناشطات. وترى ديان أن كلّ أشكال الاحتجاج هذه، بما فيها مسيرة الأمس، كانت ضرورية وهي تكمل بعضها البعض: "اخترنا تنظيم هذا الحدث في المركز اليوم لأنه يوفر نوعاً مختلفاً من الوصول إلى الناس والمشاركة. أعتقد أن من المهم تنويع أساليب النضال". تقول ذلك وسط مجموعة من الأطفال الصغار، الذين زادتهم الملابس اللماعة والأناشيد الثورية حماسة.
مع تصاعد التهديدات السياسية، قررت المجموعات النسوية في مرسيليا توحيد جهودها منذ 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الموافق لـ "يوم مناهضة جرائم قتل النساء والعنف الجنسي والجندري". هذا التحالف، المتمثل في "التجمع النسوي - مرسيليا 8 مارس"، يقوم على تبادل الخبرات، وتوحيد النضالات، وترسيخ التقاطعية كنهج أساسي.
وعند حلول الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، انطلقت دعوة الإضراب النسوي من ميناء مرسيليا القديم: "من خلال الإضراب، نطالب بزيادة الأجور وجميع أشكال الدخل. نحن الأغلبية التي تعمل في الوظائف الهشة، ذات الأجور المنخفضة، والمتعبة، والمجزأة، وغير المستقرة. نحن أول من يدفع ثمن الإصلاحات الرجعية التي تُسلبنا حقوقنا الاجتماعية."
أمام المنصة، امتدت الجموع المتشحة باللون البنفسجي، رمز النضال النسوي، من الميناء القديم وصولاً إلى بداية شارع لا كانبيير.
"غضبنا يمنحنا طاقة نسوية تدفعنا للحراك، ونحن حريصات على نقلها أيضاً إلى من هم خارج الدوائر النضالية. ليس بالضرورة أن يكون المرء ناشطاً أو ناشطة، المهم أن يحمل في داخله الشعلة ويوجّهها في الاتجاه الصحيح"
منطقة احتلال نسوية في صميم النضالات المناهضة للنظام الأبوي
قدّر المنظمون عدد المشاركين في المسيرة بحوالي 12 ألف شخص، حيث توجهت الحشود نحو ساحة جولييت لتشكيل "منطقة احتلال نسوية". في هذه المساحة، لا تقتصر الأنشطة على النقاشات والندوات فحسب، بل توفر أيضاً فرصة للمشاركين للحصول على قسط من الراحة.
وسط أكشاك الجمعيات، والنقاشات والندوات، وبيع مجلات المعجبين (الفانز)، تم تخصيص فضاء لرعاية الأطفال، حيث يمكنهم الركض واللهو بأمان، مما يخفف العبء عن الأمهات والآباء المشاركين في النضال. وعلى مقربة من ذلك، تولّى إتيان وبعض المتطوعين مهمة جلب الطعام بعد أن أمضوا ساعات في المطبخ استعداداً للمظاهرة. يقول إتيان: "اتخذنا هذا القرار قبل عشرة أيام فقط، والهدف هو تخفيف العبء عن الفئات المعنية ليتمكنوا من المشاركة في التظاهرة".
ولم يكن اختيار الموقع عشوائياً، فالمنطقة محاطة بمقار أساسية مثل بنك "بي إن بي باريبا"، المموّل لشركة الدفاع الإسرائيلية "إلبيت سيستمز"، والقنصلية الألمانية التي تعد أكبر مزود للأسلحة الأوروبية لإسرائيل. كما يضمُّ ميناء جولييت شركة "ميارسك" الدنماركية العملاقة، المتهمة بنقل الأسلحة إلى إسرائيل. ويحمل المكان بالنسبة إلى سالومي، الناشطة في "مرسيليا 8 مارس"، دلالة كبيرة، حيث تقول: " نحن ندافع عن نسوية ترفض العسكرة والحرب، لأننا ندرك أن النساء هنّ أول ضحايا النزاعات بين المدنيين. نحن نقف مع حركة نسوية تدعم حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وتناهض الإمبريالية والإبادة الجماعية في فلسطين".
في مواجهة محاولات توظيف الخطاب النسوي لخدمة أجندات عنصرية، تؤكد المجموعات المشاركة على ضرورة الحفاظ على جوهر النضال وتاريخه وأصحابه الحقيقيين. ومع غروب الشمس على منطقة الاحتلال النسوية، يرتفع صوت من بين الحشود ليردد الشعار الذي انبثق من الاحتجاجات الإيرانية، ليصبح رمزاً للنضال ضد النظام الأبوي:
"إزاء جنونهم، لا جواب سوى: نساء، حياة، حرية/ جين، جيان، آزادي".