هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
أرسلت الرسالة السابقة إلى مجموعتنا في "الوتساب" مناهل السهوي، محررة النسخة العربية من ميدفيمينيسوية، وذلك عقب دخول المعارضة المسحلة المتشددة إلى العاصمة السورية دمشق، بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) زعيم "هيئة تحرير الشام" في أعقاب هجوم سريع وكاسح اجتاح البلاد.
تعيش مناهل السهوي كلاجئة سورية في لبنان منذ ثلاث سنوات، وهي غير مرحب بها في سوريا بسبب مواقفها السياسية المعارضة للأسد. وخلال هذه الفترة لم ترَ عائلتها ولم تتمكن من زيارة بلدها. والأنكى من ذلك، هو أنها غير قادرة على مغادرة لبنان، إذ تعيش منذ أكثر من عامين بدون أوراق إقامة نظامية بسبب تعقيدات حصول السوريين على الإقامة في لبنان. أمّا مغادرتها الأراضي اللبنانية، كالسفر إلى أوروبا مثلاً، فكانت تعني بالنسبة لها رحلة بلا أمل في العودة.
كانت فرحة مناهل العارمة مفهومة، خاصة في ظل الظروف التي عانت منها، خصوصاً بعد أن أرسلت رسالة أخرى إلى المجموعة نفسها تقول: "طار عقلي من الفرح! إلى حد البكاء. لا أزال غير قادرة على استيعاب ما يحدث. القمع الذي استمر لأكثر من خمسين عاماً ينهار... تفاصيل الرعب التي عشناها منذ الطفولة تتلاشى... ورغم أننا خائفون/ خائفات إلا أننا أيضاً مفعمون/ مفعمات بالأمل بخصوص مستقبل السوريين!"
"شاركتها الفرح صحفيتانا السوريتان، رهادة عبدوش ولجين حاج يوسف، وبدأنا في مناقشة المقالات التي سنكتبها حول الموضوع. وكذلك صديقتانا اللبنانيتان مايا العمار، مؤسسة مشاركة في شبكة الصحفيات ميدفيمينيسوية، وباسكال صوما، مراسلتنا في بيروت، اللتان تأثرتا بشدة بعدم استقرار الشرق الأوسط وحروبه المستمرة. ألم تختبرا شخصياً التبعات المؤلمة لهيمنة الأسد على لبنان، بما في ذلك اختفاء مئات المعتقلين اللبنانيين في سوريا واغتيال رفيق الحريري في بيروت عام 2005؟"
سرعان ما اكتست مجموعة "الواتساب" الخاصة بنا بمعالم الاحتفال والزينة، بفضل الرموز التعبيرية مثل الشرائط والنجوم وغيرها. وتوالت التهاني علينا من إسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا، والمغرب، وتونس، والجزائر، من مختلف أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي "يجمعنا ويفرقنا" كما يعبر شعارنا.
تابعنا جميعاً وسائل الإعلام التي غطت طوال الليل أحداث سقوط نظام بشار الأسد وحزب البعث. وأفادت التقارير أن "جزار دمشق" قد غادر البلاد بالفعل عبر مطار دمشق الدولي. حكم بشار الأسد بلاده بقبضة من حديد على مدى أربعة وعشرين عاماً، مستمراً في سياسة الرعب التي بدأها والده، حافظ الأسد، منذ عام 1971. حيث قمع الثورة التي اندلعت ضده عام 2011 بالحديد والنار، ما أدى إلى تحولها إلى حرب أهلية تعد من أشرس الحروب في العصر الحديث. كما تناولت وسائل الإعلام معلومات مفصلة عن أبو محمد الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام"، وسيرة هذا الجهادي الذي أعلن توبته.
أرسلت زميلتنا إيفين يوسف صوراً تُظهر إسقاط تماثيل الطاغيتين، الأسد الأب والابن، من منصاتهما، وصوراً للسجناء الذين أُطلق سراحهم بعد سنوات طويلة من الاعتقال، وللنساء والرجال الذين يحتفلون بحرية طال انتظارها.
غير أن بعض الأصوات داخل المجموعة أبدت قلقها، متسائلة: "ماذا لو استُبدل الطغاة الذين اعتقلوا آلاف السوريات واشتهروا بكراهيتهم للنساء ببرابرة أكثر قسوة وعداء لحقوقهن؟" وتساءل آخرون في المجموعة: هل هو انتصار الكوليرا على الطاعون؟ وساد الخوف من البعبع الإسلاموي بين بعضنا، دون أن ينتزع ذلك الأمل من قلوب مراسلاتنا السوريات.
فكتبت لجين: "هل أنا في فيلم؟ هل هذا حلم أم واقع؟ يا للعار... كل هذه السنوات الضائعة! الله يحفظ بلادنا". أما "محرر" دمشق الجديد، أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، الأمير السابق لجبهة النصرة، فبالرغم من محاولاته تلميع صورته والظهور بمظهر جديد، بالتخلي عن بعض رموزه السابقة مثل العباءة والعمامة السوداء، وظهوره بلباس مدني وتغيير خطابه ليتناسب أكثر مع المرحلة ويخفف من مخاوف الناس، ورغم عدم إعلانه صراحة تبنيه للتيار الإسلامي المتشدد، إلا أنه ذكر عدة مرات الشريعة الإسلامية كشيء أساسي، ما أثار مخاوف كبيرة على حقوق النساء.
ومن الصعب في الوقت الراهن التنبؤ بسياسة الرجل القوي الجديد في سوريا تجاه النساء. إذ أن خرائط الشرق الأوسط، التي تواصل إرباكنا، في حالة إعادة تشكيل بسبب التوترات الجيوسياسية المعقدة التي تعرقل توازنات المنطقة.
ومع ذلك، تظل فرحة السوريين والسوريات، في انتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة، فرحة مشروعة. وأصبحت هذه الفرحة على صفحتنا في "واتساب" معدية، دفعت جميع من يعشن في ظل الأنظمة الاستبدادية إلى الحلم.
سوريا اليوم في حالة احتفال، ونأمل أن يستمر هذا الحال..