صورة. لوحة لفريال الأخضر بعنوان "ارتباك". مقتبسة من الكتاب: "فريال الأخضر. لون المرأة"، منشورات ميم، تونس 2012.
شيماء اليوسف
اقتنعت عبير مصطفى (28 عاماً)، والمقيمة بمدينة سوهاج المصرية، بنصيحة مدرسيها وزميلاتها أثناء دراستها الإعدادية في أحد المعاهد الأزهرية حين كان عمرها 13 عاماً، بضرورة إجراء عملية الختان، بحجة حماية جسدها و"عفة أخلاقها"، وأن زواجها لن ينجح إلّا بإجراء العملية، وبسبب الضغط المستمر من المدرسين، رضخت عبير للأمر وحددت الأم موعداً مع القابلة أو ما يعرف بـ "الداية" وتمَّ ختانها.
وختان الإناث هو عملية قطع أو استئصال متعمدة للأعضاء التناسلية الخارجية للفتاة، بذريعة الحفاظ على العذرية، و"تهيئة المرأة للزواج"، وزيادة المتعة الجنسية للذكور، وتشمل العملية في أغلب الأحيان استئصال أو قطع الشفرين والبظر، وهي عملية تصفها منظمة الصحة العالمية بأنها: "تُلحق أضراراً للأعضاء التناسلية الأنثوية لأسباب غير طبيّة".
حتى تُثبِت أنها "شريفة"
ما حصل مع عبير في ذلك اليوم أشبه بالكابوس، إذ استخدمت القابلة شفرة حلاقة وقامت بقطع جزء من البظر، نتج عنه نزيف، مرّت على أثره بحالة نفسية وصحية سيئة، لكنها شعرت أنها مجبرة على ذلك، تقول عبير: "أقنعوني إن الختان هيحميني من الشهوات عشان مبقاش بنت فاجرة ولازم ترضي ربنا بالختان وأحمي ديني وانتمائي للإسلام".
مازال كابوس الختان يلاحق عبير حتى بعد زواجها، إذ أثرت العملية على التواصل الجنسي مع زوجها، وقللت من شعورها بالمتعة، فيتهمها زوجها على الدوام بالبرود الجنسي ويهددها بالطلاق.
عبير ليست الوحيدة التي خضعت للختان، تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن ختان الإناث يتركز في 30 دولة في أفريقيا وفي الشرق الأوسط، كما يمُارَس في بعض دول في آسيا وبعض المهاجرين الذين يعيشون في غرب أوروبا
وأمريكا الشمالية واستراليا ونيوزيلندا.
لا يوجد أساس ديني لقيام هذه العادة، سواء في الإسلام أو المسيحية، وإنما تمارس من منطلق ثقافي اجتماعي غايته تحجيم رغبات النساء الجنسية
مصر في المركز الرابع عالمياً في ختان الإناث
وفقاً لمنظمة اليونيسف، لعام 2018، تحتل مصر المركز الرابع عالمياً في تشويه الأعضاء التناسلية للنساء، وتأتي بعد الصومال وكينيا وجيبوتي.
وتقول الإحصاءات الرسمية، أن هناك 7 من بين كلّ 10 فتيات في مصر يتعرضن حالياً لخطر ختان الإناث.
وبحسب انتصار بدر، الكاتبة المتخصصة في قضايا المرأة، يعود سبب استمرار جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات، إلى الفكر والعادات والتقاليد الخاطئة، التي ترسخت في العقل الجمعي للمجتمع المصري عبر سنوات طويلة، ويظنُّ أن بها يحمي الفتيات، تقول: "يخالف المواطنون القانون بالتحايل عليه، والحلُّ هو العمل على تغيير ثقافة اضطهاد النساء والتوعية بحقوقهن، على المؤسسات الاجتماعية القيام بهذا الدور، للتوعية بخطر جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للنساء".
يُذكر أن البعض يعتقد أن جذور تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في مصر، تعود إلى المصريين القدماء نسبة إلى ما يسمى بـ "الختان الفرعوني"، وهو النوع الثالث من الختان، الذي تُخاط فيه فتحة المهبل بعد استئصال البظر والشفرتين بشكل كامل، وينتشر هذا النوع في عدد من الدول الأفريقية كالسودان والصومال، وتشيع تسميته في مصر بـ "الختان السوداني".
كيف دخل الختان مصر؟
وبحسب تصريحات الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار المصرية، فإنه لا يوجد أي دليل تاريخي على ختان الإناث في مصر القديمة ولم تسجل أي حالة ختان للإناث في عهد المصريين القدماء، ويضيف: "عرف المصريون القدماء عادة ختان الذكور فقط وكانت شائعة في عصر ما قبل الأُسر ولا يوجد أي أثر لختان الإناث في مصر القديمة".
انتقلت جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث من السودان لمصر، كعادة اجتماعية، مارستها الأسر المصرية، سواء الإسلامية أو المسيحية، "بهدف المحافظة على عفّة النساء"، ويقول المحامي مايكل رؤوف أنه لا يوجد أساس ديني لقيام هذه العادة، سواء في الإسلام أوالمسيحية، وإنما تمارس من منطلق ثقافي اجتماعي غايته تحجيم رغبات النساء الجنسية، مضيفاً: "يظنُّ الناس أن المرأة غير المختونة لا تستطيع التحكم في رغبتها الجنسية التي تدفعها للرذيلة وهذا افتراض خ علمياً".
الأم وطفلتيها والختان
قبل عامين قررت أم حماده، 40 عاماً، ختان ابنتيها (سما 13 سنوات، سها 9 سنوات)، وذهبت بالفعل إلى طبيبة نساء وتوليد، والتي لم تبدِ أي اعتراض، كما لم تذكر خطورة هذا الإجراء، وبعد فحص الطفلتين أخبرتها الطبيبة أن الفتاة الصغيرة لا تحتاج إلى ختان في هذا العمر ويمكن تأجيله ريثما تكبر قليلاً، واتفقت معها على دفع 10 آلاف جنيه، ما يعادل 195 دولاراً أميركياً، لإجراء عملية الختان للكبرى، تقول أمّ حماده: "جوزي قالي عاوزين نختن البنات عشان شرفهم وعشان ميبقاش عندهم رغبة للرجالة".
لم يكن لدى أم حماده مشكلة في ختان طفلتيها، إذ أنها أيضاً خضعت للختان عندما كانت طفلة، وهكذا تورث الأمهات معتقداتهن الخاطئة إلى طفلاتهن في حلقة مغلقة من انتهاك حقوق الطفلات والنساء.
التقاليد والمعتقدات أقوى من القانون
وبحسب قانون العقوبات المصرية الصادر عام 2023 برقم 58 لسنة 1937 و المعدل بالقانون رقم 141 لسنة 2021، فإن جريمة ختان الإناث تصل إلى الحبس من خمس إلى عشر سنوات وتصل إلى 15 عاماً إذا تسببت في الوفاة.
في عام 2007 تعرضت طفلة للموت بعد ختانها على يد طبيب، أعقب ذلك استصدار الأزهر بيان تحريم ختان الإناث واعتباره عادة خاطئة.
رغم إصدار دار الإفتاء تحريماً للختان ورغم العقوبة الصريحة في القانون المصري، مازال الختان منتشراً بشكل واسع.
واحدة من المعتقدات المترسخة في المجتمع المصري هو أن إجراء الطبيب للعملية يخفف من أعراضها السلبية، إذ أظهرت دراسة أجراها المكتب الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" بعنوان: "القضاء على تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في مصر"(1)، أن الأهالي يستشيرون الأطباء قبل القيام بالعملية لبناتهن لاعتقادهم القوي أن إضفاء الطابع الطبيّ على الممارسة يقلل من المضاعفات والضرر الجسدي للفتيات، بما يشمل ذلك العواقب الجنسيّة والنفسية المحتملة، كما استنتجت الدراسة أن معظم حالات تشويه الأعضاء التناسلية يقوم بها أطباء.
وبهدف زيادة التوعية بمخاطر الختان توجّهت جهات ومنظمات عدّة للحديث والتوعية أكثر حول الموضوع.
وفي مقابلة مع أسماء رمزي، عضوة "مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية" المختصّ بقضايا النساء، والذي يقدم جلسات بهدف نشر الوعي حول خطورة جريمة الختان، تقول: "جميع حالات الختان، يمتلكن شرخاً نفسيّاً كبيراً، حتى المتزوجات يعشن حياة مريرة مع أزواجهن".
تتابع قائلة: "في إحدى الجلسات روت لنا سيدة تبلغ من العمر 63 عاماً، تجربتها مع الختان وإصابتها بالرهاب الاجتماعي ورفضها للزواج بعد ختانها وهي طفلة، على يد القابلة، بالاتفاق مع الأم". بعد العملية أصيبت الطفلة بالتهابات مهبلية، وفي محاولة لعلاجها وضعت القابلة حفنة من التراب داخل مهبلها، وهي ممارسة غير طبية أصلاً، ما أصابها بالفزع والرعب. لاحقاً عمدت الأم والقابلة إلى غمرها في مياه أحد فروع نهر النيل لاعتقادهن أنه سيشفيها، ويستند هذا الفعل إلى خرافات لا صحة لها.
عمليات الختان تنفذ بنسبة 74% على يد أطباء وطبيبات، وبنسبة 7.9% على يد ممرضين وممرضات
تواطؤ الأطباء مع أهالي الفتيات
وبحسب دراسة عنوانها: "الجريمة مستمرة.. قطع الأعضاء التناسلية للنساء في مصر"، الصادرة عن مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، فإن عمليات الختان تنفذ بنسبة 74% على يد أطباء وطبيبات، وبنسبة 7.9% على يد ممرضين وممرضات، ورغم صدور قانون يجرّم ختان الإناث عام 2008، إلا أنه نُفّذ للمرة الأولى عام 2015، بعد تعرض طفلة للموت.
وبهدف القضاء على جريمة ختان الإناث، تم تشكيل لجنة وطنية مكونة من المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة، في آيار\ مايو 2019، لتوحيد جهودهما، ونتج عن ذلك افتتاح وحدات طبية بهدف علاج النساء المعنفات ومكافحة أشكال العنف ضد المرأة ومن بينها عمليات الختان، ووزعت الوحدات بين مستشفى أمراض النساء بالقصر العيني وجامعة المنصورة وجامعة عين شمس بالقاهرة، إلّا أن ذلك لم يحد من ممارسة هذه الجريمة.
واقترحت النائبة البرلمانية الشوباشي، وسيلة لمواجهة جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للنساء المصريات، في ظلّ تراخي المجتمع عن التبليغ عن هذا النوع من الجرائم، سواء من قبل الأهالي أو الأطباء، أن يتم فحص طالبات المدارس من قبل لجان طبية متخصصة ومن ثم التحقيق مع أولياء الأمور الذين يثبت تورطهم في ختان بناتهم ثم تطبيق العقوبة القانونية بحقّهم وبحقّ منفذي هذه الجرائم.
الأمل بوعي وقوة النساء
قد يبدو الواقع مظلماً لكن هناك ملامح لزيادة وعي النساء، بخاصة مِمِن تعرضن للختان، وفي لقاء لنا مع مريم (اسم مستعار)، 35 عاماً، أخبرتنا كيف رفضت ختان طفلتيها.
مريم خريجة كليّة الإعلام وأم لـ 4 أطفال، وتمتلك محل خياطة صغير، تمّ ختانها عنوة وهي طفلة، وعندما قرر زوجها ختان طفلتيها رفضت فهددها بالطلاق، لتردَّ عليه: "طلقني ولا يمكن اسمح لبناتي يتعذبو زي ما حصل معايا"، وبالفعل تراجع الزوج عن ختان الفتيات وأحد أسباب رضوخه هو أن الزوجة هي من تعمل وتصرف على العائلة.
فيما تشير بيانات رسمية إلى تراجع نسبة ختان الإناث إلى 36.8% بين الفتيات من سن 15 وحتى 17 عاماً، لسنة 2021، بعد أن بلغت 76.5% عام 2005 (2).