هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
على الرغم من التزام الدولة التونسية بالعمل على تطوير حقوق النساء ومصادقتها على المعاهدات الدولية وعلى أرضية عمل بيجين 1995 المتعلقة بـ "إدراج مبدأ مقاومة الأنماط السلوكية والمواقف التمييزية القائمة على اعتبارات جنسية ضمن أولويات الأعمال التي يجب القيام بها لفائدة المرأة"، فإن مكافحة التمثلات الاجتماعية النمطية والسائدة والتصدي للنظم التي تتحكم بالتصرفات والسلوكيات البشرية بقيت دون المطلوب.
في هذا الإطار، لا تزال طبيعة حضور النساء في المشهد الإعلامي التونسي تدل على استمرار سيادة التصوّرات الاجتماعية التقليدية لحياة النساء، عبر اختصارهن بدور الزوجة أو حصرهن بالدور الإنجابي أو القالب المثير والاستعراضي، الأمر الذي يؤدي إلى ترسيخ الفوارق الجندرية السائدة اجتماعياً عبر الإعلام وتعميمها على المتلقين كما ويفرغ الصحافة المتلفزة على وجه الخصوص من مسؤوليتها الاجتماعية في تعميق النقاشات العامة.
في تونس، بلغت نسبة الصحافيات المحترفات والحاصلات على البطاقة المهنية نحو 54% من مجمل الصحافيين، بحسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، إلاّ أن سياسات الدولة لتمكين النساء في هذا المجال، لا سيما بعد مرحلة الانتقال الديمقراطي، تُعتبر مخجلة. ومع العلم أن النساء حقّقن عدداً من المكاسب، تحديداً على مستوى مشاركتهن الفعالة في العمل الاجتماعي والمدني والسياسي، غير أنهن بقين أقل بروزاً وحضوراً من الرجال في مجال التغطية الإخبارية وفي البرامج عموماً.
صورة نمطية ترفيهية
خلال سنوات الانتقال الديمقراطي، ظلّ التداول في الشأن السياسي ذكوري في جوهره، على الرغم من مشاركة النساء بشكل مكثّف في كل المحطات التي رافقت ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية عام 2011.
في هذا السياق، تُعدّد فتحية السعيدي، المتخصصة في علم الاجتماع، في دراستها بعنوان "صورة المرأة وحضورها في وسائل الإعلام" التي نُشرت في آذار/مارس 2023، أمثلة من المظاهر "الفُرجوية" أو الترفيهية التي تركز على المظهر واستثارة المُشاهِدين، والتنميطية، لصورة المرأة، في برنامج "انتي والموجيرة" الذي يستعرض حياة الزوج والزوجة، وقد تضمنّ رمزيات مختلفة رسخت في مجملها ترسبات تقليدية جداً.
"الصورة النمطية للنساء في الإعلام أصبحت تمثّل أنساقاً ثقافية تُتداول من جيل إلى آخر عبر عملية تنشئة اجتماعية منظّمة، ومن خلال وسائل الإعلام التي تساهم في نشرها بشكل واعٍ أو غير واعٍ"
بحسب دراسة السعيدي، تركّز القنوات التيليفزيونية الخاصة على توجّه تجاري بحت تضعف فيه المسؤولية الاجتماعية التي يضطلع بها الإعلام، ما يجعل برامجه محلّ انتقادات كثيرة. وقد ساهمت هذه النوعية من البرامج في نشر ثقافة "التسطيح" و"الضحك المفبرك" و"التهريج" و"الصخب" التي أصبحت متغلغلة في حياة المشاهدات والمشاهدين.
ترى الدراسة أيضاً أن البرامج الحوارية الشهيرة في تونس، لا سيما برنامج ''ستوديو التاسعة"، من أكثر البرامج التي تمرّر الصور النمطية السائدة حول المرأة والرجل، إلى جانب صورة المرأة الموضوع - لا المرأة الذات. والنتيجة أن تلك البرامج تستمر في ترسيخ صورة سلبية تختصر المرأة بالكائن الذي يهتم بالقضايا الشخصية، والهامشية، والسطحية، والكائن المُبالِغ بالاهتمام بجسده بوصفه موضوعاً للإغراء فحسب.
هذه الصور الباهتة والتسطيحية هي، للأسف، في ارتفاعٍ مستمر في تونس من أجل كسب نسب المشاهدة العالية على حساب مضامين أخرى أكثر عمقاً ومبادئ وقيم إعلامية حقوقية ومدوّنات سلوك جدية حساسة للنوع الاجتماعي.
ترى المتخصصة في علم الاجتماع أن الصور النمطية والترفيهية-التسطيحية تتجذر في المخيلة الجمعية، وهي صور ترسبت على مرّ السنين وأصبحت تمثّل أنساقاً ثقافية تُتداول من جيل إلى آخر عبر عملية تنشئة اجتماعية منظّمة، ومن خلال وسائل الإعلام التي تساهم في نشرها، بشكل واعٍ أو غير واع. كما تعكس هذه المشاهد غياب حوكمة صورة المرأة في وسائل الإعلام.
هذه الصور الباهتة والتسطيحية هي، للأسف، في ارتفاعٍ مستمر في تونس...
النساء مساحيق تجميل لحالة الاستثناء
بعد إعلان حالة الاستثناء في تونس في 25 تموز/يوليو 2021، تم تكليف امرأة لتتولّى رئاسة مؤسسة التلفزيون الرسمي. لكن الأمر كان أقرب إلى وظيف سياسي لصورة امرأة في ظرفٍ استثنائي انتقالي له أهداف سياسية معيّنة، ولا يمكن اعتباره مرتبطاً بتوجه واضح نحو تمكين النساء أو تعزيز مشاركتهن في مواقع القرار، بل هو نابع عن رغبة في تجميل حالة الاستثناء بحضور نسائي لمغازلة الخارج. ولعل التراجع في مجال حقوق النساء في تونس، بخاصة بعد الاستغناء عن مكسب التناصف في الترشح، أكبر دليل على عدم وجود الإرادة الحقيقية للحكومة الحالية في تكريس سياسة فعلية لدعم حقوق النساء الكونية.
يُشغّل التلفزيون الرسمي 1079 موظف مباشر في مختلف الإدارات التابعة للمؤسسة، منهم نحو 318 امرأة و761 رجل. يتوزع الموظفون/ات في التلفزيون في كل الأقسام بحسب الجنس والإدارة وفق الجدول المبيّن أدناه، الذي يثبت حجم الفجوة بين الجنسين.
التمثيلية النقابية: للذكور "ضعف حظّ" الإناث...
أخيراً، أفرزت انتخابات المؤتمر الوطني الخامس سنة 2020 للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، مكتباً تنفيذياً يغلب عليه حضور الرجال بنسبة 6 ذكور مقابل 3 إناث، وهي نسبة أقل بكثير من التناصف. وعلى الرغم أن الحائزة على أكبر نسبة من الأصوات كانت أميرة محمد، سوى أن التصويت الداخلي للنقابة حال دون تقلّدها منصب النقيبة، فتقلّدت منصب نائبة الرئيس.
منذ 2008، تاريخ ولادة نقابة الصحافيين في تونس في شكلها الحالي، تبوأت رئاسة النقابة امرأة واحدة فقط، مقابل نقيبَيْن وذلك على مدى 5 مؤتمرات انتخابية نقابية.