هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: English (الإنجليزية)
من إحدى قرى الواحات الجنوبية لتونس، تحديداً في منطقة مارث في محافظة قابس، تسرد سارة، وهي شابة تونسية وناشطة في العقد الثالث من عمرها، عن فشلها في الترشّح للانتخابات التشريعية نتيجة عجزها عن جمع التزكيات المطلوبة والمضبوطة بـ400 تزكية متناصفة بين الإناث والذكور بموجب القانون الانتخابي الجديد.
تقول سارة لـ"ميدفيمينسوية"، "تمكّنتُ من جمع تزكيات الإناث لكنني لم أستطع جمع تزكيات الذكور نظراً إلى التزام معظمهم بتزكية مرشحين رجال، ما حال دون قدرتي على تحصيل العدد الكافي للترشح، فانسحبت لأترك المجال لذكور بلادي ممن غنمّوا التزكيات والأصوات وتعاملوا معنا نحن النساء كمجرد خزانات انتخابية"، وفق تعبيرها.
ينص الفصل 21 من المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المتعلق بتنقيح القانون الانتخابي على أنه "لا يجوز للناخب أن يزكّي أكثر من مرشح واحد للانتخابات". وتعلّق سارة، "من الطبيعي إذاً أن يفضّل الذكور في منطقة سكنية صغيرة هواها متناغم مع أهواء الرجال تزكية الذكور على حساب الإناث".
وعن انسحابها تقول سارة، "شعرتُ بخيبة أمل وحسرة كبيرة، حتى أنني رفضت تزكية أي طرف آخر أو حتى التصويت في الانتخابات. فلماذا لم أحصل على ضمانات ترشّحي كأنثى في مجتمع لا يراني سوى وقود انتخابي يعبّد الطريق للرجال. من دون نص قانوني واضح، لا يمكن لمجتمع ذكوري أن يُزكي ترشحي طواعية".
هذا التغيّر السلبي المتعلق بالتزكيات في القانون الانتخابي التونسي انعكس على نتائج المشاركة النسائية في الاستحقاق التشريعي للعام 2023 إذ اقتصرت هذه المشاركة على 24 امرأة فقط في البرلمان الجديد، مقابل 154 رجلاً، وتخلل العملية الانتخابية مشكلات كعدم اكتمالها البتّة في سبع دوائر انتخابية، بالإضافة إلى عدم توصّل ثماني محافظات إلى انتخاب أو فوز أي امرأة، وفق ما جاء في بيانات شاركها مؤتمر "إعلان مجلس نساء تونس" الذي نظّمته جمعية النساء الديمقراطيات خلال اجتماع عام تابعه موقعنا بالتزامن مع اليوم العالمي للنساء لعام 2023.
24 امرأة فقط هو عدد النساء الممثلات في البرلمان الجديد مقابل 154 رجلاً
أما أسماء فاطمة المعتمري، وهي ناشطة نسوية وعضو ائتلاف "نساء ضد الاستفتاء"، فتخبرنا أن الناشطات في الائتلاف دعَوْن نساء تونس إلى "رفض الاستفتاء وكل المسار الانتخابي وحتى إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية وكل ما سينتجه مسار 25 تموز/يوليو الذي حاد به الرئيس عن وعوده".
وتضيف المعتمري، "نسف الرئيس قيس سعيد التناصف في القانون الانتخابي، ما أفضى إلى تراجع تمثيلية النساء في البرلمان الجديد".
وتتابع، "القانون الانتخابي لسنة 2011 أقر مبدأ التناصف العامودي، وكان لذلك المبدأ أثر إيجابي على تمثيل النساء في المجالس المنتخبة وواصلت الحركة النسوية النضال من أجل إقرار مبدأ التناصف العامودي والأفقي وإقرار التناصف الكلي في المجالس المنتخبة، لكننا اصطدمنا بالتراجع بسبب النظام الجديد المتمثل في الاقتراع على الأفراد فضلاً عن عزوف النساء عن المشاركة السياسية بسبب العنف الذي يتعرضنّ إليه".
"النساء لا يتهرّبن من الفضاء العام، لكنهن يفضلن عدم تعريض أنفسهن للعنف"، كما تشرح المعتمري، مشدّدة على أن "غالبية النساء اللواتي خضنَ غمار السياسة تعرّضن للعنف، خصوصاً في الفضاء السيبراني وعلى صفحات التواصل الاجتماعي وسط صمت مطبق من الدولة منذ ما قبل حقبة الرئيس الحالي... هناك سياسة ممنهجة لإقصاء النساء من العملية السياسية وذلك بشتى الأساليب، مثل نظام الانتخابي الذي لا يحفز وجود النساء وينسف مبدأ التناصف إضافة إلى تعيين هيئة انتخابات ذكورية".
دراسات تحذّر من تراجع مشاركة النساء
في هذا الإطار، تفيد دراسة بعنوان "مشاركة المرأة التونسية في الحياة السياسية والتصويت" نشرها "المنتدى العربي للمواطنة" في المرحلة الانتقالية في أيلول/سبتمر 2014 إلى أن حضور النساء في انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 لم يتجاوز الـ 115 امرأة رئيسة قائمة من جملة 1518 أي بنسبة 7% لا غير، ولم يلتزم أي حزب سياسي بالتناصف في رئاسة القوائم سوى حزب القطب الديمقراطي الحداثي (المسار الديمقراطي الاجتماعي حالياً)، إذ وضع على رأس قوائمه الانتخابية 16 امرأة و17 رجلاً، وهو ما يوضحه الجدول التالي المقتطف من هذه الدراسة.
تلفت هذه الدراسة أيضاً إلى أن نتيجة انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر لم تكن في مستوى الآمال على مستوى تمثيل النساء إذ لم تفز إلا 60 امرأة (27.69%) بمقعد في المجلس التأسيسي ووصل عددهن إلى 65 (%29.95) بعد تخلّي 5 نوّاب تمّ تكليفهم بمناصب في الرئاسة والحكومة، وذلك من جملة 217 عضواً مثلّوا نواب المجلس التأسيسي وتوزعت النائبات المنتخبات بحسب الانتماء الحزبي حينها على ما يوضحه الجدول التالي:
رغم الحوافز القانونية التي أقرها مرسوم الانتخابات لسنة 2011، فإن عوائق أخرى، وفق الدراسة نفسها، كبّلت حضور النساء في الفضاء العام، من أهمها العقلية الذكورية المحافظة والتوزيع التقليدي للسكان بين حضريين وريفيين فضلاً عن سيطرة حركة النهضة الإسلامية على المدن الساحلية والصناعية ذات الثقل الديمغرافي الكبير مثل المحافظات الساحلية ومدينة صفاقس التي شهدت اكتساح الحزب الإسلامي، الأمر الذي قد يفسّر فشل تحقيق تمثيلية نسائية مقبولة.
"النساء لا يتهرّبن من الفضاء العام، لكنهن يفضّلن عدم تعريض أنفسهن للعنف"
أما دراسة ''البحث في مشاركة المرأة في الحياة السياسية في تونس مع التركيز على انتخابات 2019" التي نشرتها منظمة ذي كارتر سنتر، فتقول إن ''نتائج الانتخابات البرلمانية لسنة 2019 سلطت الضوء على عدم كفاية التنصيص على التناصف بين الجنسين بوصفه إحدى الضمانات التي تكفل تمثيل المرأة".
وترى هذه الدراسة أن النصوص الموجودة الخاصة بالتناصف تقتضي تطبيق قاعدة التناصف العامودي أي تناوب الجنسين على ترؤس القائمات الانتخابية ولا تشترط تطبيق التناصف الأفقي، أي تساوي عدد النساء والرجال المترئسين للقائمات نتيجة لذلك، لم تتجاوز نسبة القائمات الانتخابية التي ترأستها النساء سنة 2019 نسبة 14%، أي بتقدم طفيف مقارنة بنسبة 11% تالمحققة عام 2014 ونسبة 7% المحققة عام 2011 بسبب العدد الكبير للأحزاب السياسية واعتماد نظام القائمات على ترتيب المرشحين تفاضلياً، مما أدى إلى انخفاض عدد النساء المترئسات للقائمات، الأمر الذي جعل تمثيل النساء مرهوناً بفوز الأحزاب بأكثر من مقعد في كل دائرة.