هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
في بداية شهر أيار/مايو 2022، اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي في كرواتيا صورة لامرأة حامل تضع يدها على بطنها وفي عينيها الكثير من الأسى. ورد في المنشور أسفل الصورة أن المرأة حامل في شهرها السادس وأن الجنين مصاب بورم خبيث لا أمل من الشفاء منه، غير أنّ الأطباء الكرواتيين رفضوا إجراء عملية الإجهاض.
في الأسابيع التي تلت المنشور، تحوّلت هذه المرأة واسمها ميريلا شافيدا إلى رمز نضال من أجل الحقوق الإنجابية للنساء في كرواتيا، هذا البلد المتوسطي الصغير الذي يبلغ عدد سكانه أربعة ملايين نسمة والذي يعود قانون الإجهاض فيه إلى السبعينات، عندما كانت الدولة جزءاً من جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية السابقة.
على الرغم من أن القانون أكل عليه الدهر وشرب، هو ليبرالي تماماً ويسمح بإنهاء الحمل في مرحلة متقدمة في حالات التشوهات الجنينية الخطيرة. ولكن، كما هو الحال مع عمليات الإجهاض في المراحل الأولى للحمل، تكمن المشكلة في أن الأطباء لا يوافقون على إجرائها. وفي المستشفيات العامة يلجأ عدد كبير منهم إلى حق الاستنكاف الضميري. لذلك لا عجب أن قضية شافيدا أثّرت في الرأي العام وأسفرت عن احتجاجات حاشدة في العديد من المدن الكرواتية، في حين طالبت المعارضة بتعديل القانون، حتى أن كبار مسؤولي الدولة، بمن فيهم وزير الصحة، تدخلوا في المسألة.
البداية
في نيسان/أبريل 2022، وخلال أحد الفحوصات المنتظمة التي كانت تجريها ميريلا أثناء حملها، تبيّن أن الجنين يحمل ورماً خبيثاً في المخ. انتظرت تسعة أيام للحصول على تقرير طبي يؤكد أن الطفل سيصاب بعيوب خطيرة إذا ولد أو سيولد ميتاً. وقيل لها إنها إذا أرادت إنهاء حملها، عليها السفر إلى دولة سلوفينيا المجاورة. لم يخبرها أحد في المستشفى أن لها الحق في طلب الإجهاض في وطنها وأنه في هذه الحالة يتم تشكيل لجنة لاتخاذ قرار في هذا الشأن.
عندئذ قررت شافيدا التماس المساعدة في سلوفينيا، وهي دولة كانت أيضاً جزءاً من جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية والقانون الساري فيها هو نفسه المتبع في كرواتيا. مع ذلك، وبمساعدة محامٍ، طلبت شافيدا رداً من لجان في أربع مستشفيات في العاصمة الكرواتية زغرب. رفضت لجان الدرجة الأولى في أربع مستشفيات في زغرب إجراء الإجهاض، في حين وافقت لجنة الدرجة الثانية في إحدى المستشفيات على إنهاء الحمل بعد شهر تقريباً من إخبار شافيدا بأنها تحمل جنيناً ليس لديه أي فرصة للنجاة. وكان الأطباء الكرواتيون تكهّنوا بشأن إمكانية بقاء الجنين على قيد الحياة خلافاً لرأي اللجنة في سلوفينيا التي انعقدت على الفور للرد على طلب الإجهاض.
وفقاً للبيانات المتاحة، من بين 359 طبيباً وطبيبة نسائياً كرواتياً في المستشفيات العامة، يرفض 195 إجراء عمليات الإجهاض بسبب الاستنكاف الضميري. علاوة على ذلك، ليست عمليات الإجهاض مجانية بل تختلف أسعارها من مدينة إلى أخرى. لا تُجري أي مستشفى تقريباً عمليات إجهاض طبي، باستثناء مستشفى واحدة في مدينة رييكا. عندما يتعلق الأمر بالإجهاض في الأسابيع العشرة الأولى من الحمل، والذي لا يتطلب إنشاء لجان خاصة للبحث به، تكمن المشكلة في كرواتيا في إيجاد أطباء لإجراء هكذا عملية، لا سيما أن كثيراً منهم يستعين بالاستنكاف الضميري. ثمة مستشفيات لا يوجد فيها من يُجري هذه العملية لأن جميع الأطباء مستنكفون ضميرياً.
في بلد يغلب عليه الطابع الكاثوليكي، حيث تمارس الكنيسة تأثيراً هائلًا ليس فقط على المجتمع ولكن أيضاً على التطورات السياسية، تفاجأ الرأي العام بطريقة التعاطي مع هذه المسألة وبردود الفعل اللاحقة من كل من المستشفى والنخبة الحاكمة.
وفقاً للبيانات المتاحة، من بين 359 طبيباً نسائياً كرواتياً في المستشفيات العامة، رفض 195 إجراء عمليات الإجهاض بسبب الاستنكاف الضميري
خلال الحديث عن المسألة علناً، أطلق وزير الصحة فيلي بيروش الأكاذيب عدة مرات، فقال إن شافيدا تلقت رعاية نفسية في المستشفى التي دخلتها في المرة الأولى، وهو أمر مستحيل لأنه ما من طبيب نفسي بين العاملين في المستشفى. ومع ذلك، أثار بيروش موجة عارمة من الغضب العام عندما قال إنه لم يكن يجدر بشافيدا توكيل محامٍ، بل كان بإمكانها الاتصال به مباشرةً.
في غضون يومين فقط، جمعت المنظمات غير الحكومية 220,000 كونا (29,000 يورو) لتغطية تكاليف العملية في سلوفينيا، والتي تصل إلى حوالي 5,000 يورو. بالإضافة إلى ذلك، حظيت شافيدا بدعم شخصيات عامة مثل نجمة البوب الوطنية سيفيرينا، ونزل آلاف الأشخاص إلى الشوارع في عدة مدن للتعبير عن دعمهم لها، مطالبين بأن يضع النظام إطاراً قانونياً منظماً يضمن إتاحة عملية الإجهاض لجميع النساء، على أن يتكفل المعهد الكرواتي للتأمين الصحي بتكاليف العملية وأن يتأمن وجود عدد كافٍ من الفرق الطبية لإدارة خدمات الإجهاض في جميع المستشفيات.

وخلال الاحتجاج في زغرب، قالت الناشطة منذ فترة طويلة في مجال حقوق المرأة، سانيا سارنافكا: "هناك الكثير منا! ولن نسمح بأن يتكرر ما حدث لميريلا مع أي امرأة أخرى. سنجبر النظام الصحي على احترام النساء!"
لم يقتصر الاحتجاج على العاصمة فقط حيث تجمع ما بين 5000 و10000 شخص، بل تم أيضاً تنظيم تظاهرات في سبليت، ثاني أكبر مدينة في كرواتيا، وفي مجتمعات أصغر مثل مدن شيبينيك وسيساك وبولا وكورتشولا.
أما ميريانا كوشر، الناشطة منذ فترة طويلة في جمعية "دومين" في سبليت التي قدمت عرضاً مرتدية أزياء مستوحاة من مسلسل "حكاية أمَة" (The Handmaid's Tale)، فقالت: "مِن الواضح أن السلوك غير المسؤول للحكومة أثار حساسية لدى الكثيرين ودفع العديد من النساء والرجال للمجيء إلى هنا اليوم. والرسالة الرئيسية هي أن هذه القضية تتطلب إعادة النظر في مسائل عديدة ولهذا السبب نزلنا إلى الشارع. لا يجب أن نتهاون مع المسألة ولن نتراجع قبل أن يتغير واقع الحال. نقصد بذلك في المقام الأول إلغاء الاستنكاف الضميري أو فرض قيود صارمة عليه، وهو ليس بأي شكل من الأشكال حقاً مطلقاً".

خلال الاحتجاج، تمت قراءة رسالة ميريلا شافيدا التي وجهتها إلى عامة الناس. وفي رسالتها كتبت شافيدا: "أن أنتظر موت طفلي داخل رحمي، وأن ألده ثم أشهد على وفاته، بالنسبة إليَ كأمّ، هو عمل سادي تماماً وتعذيب محتم. ماذا سيبقى مني إذا كنت أنتظره وأراه يموت أمام عيني؟ يموت وأموت معه. هل يحق لي أن أحرم ابني الآخر من والدته مثلاً؟ هذا سؤالي لكم. وهل يحق ذلك لأي منكم؟ ربما كانت أم غيري لتتخذ قراراً مختلفاً. من أنا لأحكم عليها؟ لكل منا الحق في الاختيار". في عشية الاحتجاج تم إبلاغ شافيدا أن بإمكانها إجراء العملية في كرواتيا في نهاية الأمر، لكنها قررت الذهاب إلى سلوفينيا.
"أن أنتظر موت طفلي داخل رحمي، وأن ألده ثم أشهد على وفاته، بالنسبة إليَ كأم، هو عمل سادي تماماً وتعذيب محتم"
ردت المعارضة أيضاً على القضية من خلال اقتراح قانون جديد أكثر عصرية في البرلمان. تمت مناقشة الاقتراح في اليوم التالي للاحتجاج، ابتداءً من ساعة متأخرة من الليل حتى الرابعة صباحاً من نصف أعضاء مجلس النواب. النائب من حزب نوفا لجيفيكا (اليسار الجديد)، إيفانا كيكين، نشرت صورة البرلمان وهو نصف فارغ. تجدر الإشارة أنه في عام 2017، أصدرت المحكمة الدستورية أمراً للحكومة آنذاك بصياغة قانون جديد في غضون عامين، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.
استمرت النقاشات حول حقوق النساء في الأيام التالية وبالتأكيد لم تخلُ من مناكفات اليمين الراديكالي الذي كان يقول للمرأة الحزينة أنه يفترض بها أن تلد الجنين رغم كل شيء.
بعد فترة وجيزة، أُقيمت فعالية "المشي من أجل الحياة" (Walk for Life) في عدة مدن من تنظيم جمعيات محافِظة للغاية وتحمل لواء الدفاع عن الحياة لكنها تعمل في الواقع بشكل ممنهج على الانتقاص من حقوق النساء في اتخاذ قرارات مستقلة بشأن أجسادهن ومستقبلهن وعلى إلغاء هذه الحقوق تماماً.
في النهاية، ذهبت شافيدا إلى سلوفينيا. وكشف تدقيق أُجري في المستشفى التي دخلتها شافيدا لأول مرة عن وجود مخالفات بسبب عدم إبلاغها أنه بإمكان المستشفى عقد لجنة للبت في إنهاء الحمل. قال رئيس الوزراء أندريه بلينكوفيتش إنه لا يفكر حتى في إقرار قانون جديد. سنبقى نترقب ما إذا كانت قضية شافيدا ستُحدث تغييرات في القوانين التشريعية وستنعكس على الممارسات العملية أم لا، أو ما إذا كان الأمر يقتصر على احتجاج عام حصل لمرة واحدة وانتهى...