"إن الصور المنتشرة مفبركة، ويهدف مروجوها لاغتيالي معنوياً وتدميري سياسياً.. هذه العاصفة التي استمرت شهورا، كانت قوية وعنيفة جدا، حتى أنني لا أتصور أن امرأة سياسية في المغرب عاشت ما يشبهها"، بهذه العبارات انطلقت السياسية المغربية آمنة ماء العينين تحكي وتوضح موقفها بعد انتشار صور نُسبت لها وهي دون حجاب في العاصمة الفرنسية باريس.
وأضافت النائبة البرلمانية في تدوينة مطولة: "أعترف أنني لم أتألم بسبب حملة التشهير المنظمة، ولا بسبب الذين انخرطوا فيها بحماسة منقطعة النظير من المواقع والحسابات والأشخاص، لكنني تألمت في صمت لمواقف بعض الأشخاص من حزبي.. لم أكن اتصور أن يكون بعضهم بكل هذه القدرة على الأذية والانتقام والشماتة والرغبة الجامحة في الاغتيال السياسي".
في سنة 2019، تعرضت آمنة – وهي واحدة من أبرز قياديات حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية في المغرب – لحملة واسعة من التشهير والقذف على منصات التواصل الاجتماعي بسبب ما سُمّي بـ"صور باريس". جدلٌ انقسم فيه المتابعون/ات بين من يبيح الخوض في الحياة الشخصية للأفراد باعتبارهم شخصيات عمومية، ومن يرى أن الحياة الخاصة خط أحمر بغض النظر عن المسؤوليات أو الإيديولوجيات التي يدافعون عنها، منتقدين في الوقت نفسه من يحاول تحويل لباس نائبة برلمانية إلى موضوع للنقاش العمومي.

عنف وإساءة لإسكات الأصوات المؤثرة
تجد العديد من الشخصيات النسائية العامة في المغرب أنفسهن عرضة لأشكال متعددة من العنف والإساءة والتشهير في الفضاء الرقمي. وتشير دراسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان تعود لسنة 2023، أن العنف الرقمي يتصدر قائمة أشكال العنف الذي تتعرض له النساء في المغرب بنسبة 33%.
وسجلت جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة"، في دراسة لها تزايد العنف الرقمي بين سنة 2018 و2023، معتبرة أن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأكثر استخداما في ممارسة العنف الرقمي ضد المرأة بنسبة 70.2٪ من إجمالي وسائل التواصل التي تم استخدامها.
أما المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية مستقلة)، فقد كشفت في دراسة حديثة أن حوالي نصف الفتيات النشيطات العاملات سبق لهن التعرض للعنف الالكتروني بنسبة 49,3%، مقابل نسبة 28,4% من الفتيات غير النشيطات و39,2% بين العاطلات عن العمل، ما يعني أن العامل المهني يزيد من فرص الوقوع كضحية للعنف الرقمي.
"إن الصور المنتشرة مفبركة، ويهدف مروجوها لاغتيالي معنوياً وتدميري سياسياً.. هذه العاصفة التي استمرت شهورا، كانت قوية وعنيفة جدا، حتى أنني لا أتصور أن امرأة سياسية في المغرب عاشت ما يشبهها"
تقول بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة: "إن النساء في المغرب يواجهن تحديات عديدة، منها التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وكذا المقاومة المجتمعية لأي صوت نسائي جريء أو مؤثر في الفضاء العام".
وتواصل موضحة في تصريح لـ" ميدفيمينيسوية": "يوفر الفضاء الرقمي للمعتدين إمكانية إلحاق الأذى بالنساء مما ينعكس بشكل سلبي على حضورهن الافتراضي، بهدف التشويش عليهن أو إسكاتهن عن الدفاع عن حقوق الإنسان والقضايا الحساسة مثل الحريات الفردية، المساواة، أو العنف ضد المرأة والطفلة".
أفادت الجمعية النسوية بأن أكثر أشكال العنف الرقمي التي تستهدف النساء في مواقع القيادة أو الناشطات في الحياة العامة بالمغرب تشمل بالدرجة الأولى: التشهير، ونشر معلومات ذات طابع شخصي، وخطابات الكراهية الموجهة ضدهن، إضافة إلى نشر صورهن أو صور أفراد أسرهن دون موافقتهن، والابتزاز، وإنشاء حسابات وهمية بأسمائهن، والتنمر، إلى جانب التعليقات التي تتضمن إهانات أو عبارات مسيئة تنتقص من كفاءتهن لمجرد كونهن نساء، فضلًا عن التهديد بسبب مواقفهن السياسية أو الاجتماعية.
تشهير وخرق لحقّ الخصوصية
في صيف 2019، تمّ توقيف الصحافية المغربية هاجر الريسوني بالقرب من عيادة للنساء والتوليد بالرباط، بحالة "التلبس بممارسة الإجهاض"، رفقة شريكها سوداني الجنسية، كما تم اعتقال الطبيب وطبيب التخدير وممرضة.
استباح الكثيرون/ت آنذاك حياة هاجر الخاصة وصارت ضحية لحملة تشهير ممنهجة، تم فيها الترويج لملف محاضر التحقيق، ونشر صور خاصة لها وأخرى لعملية الاعتقال، ما دفع 170 صحافيا/ية للتوقيع ع
لى عريضة عبروا/ن فيها عن "رفضهم/ن المطلق لحملات التشهير، وخرق براءة المتهم التي نهجتها بعض وسائل الإعلام المشبوهة".
واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن بلاغ النيابة العامة الذي وُزع على وسائل الإعلام تضمن تفاصيل جد شخصية تتعلق بصحتها الجنسية والإنجابية، في انتهاك لحقها في الخصوصية. وقال أحمد بن شمسي، مدير التواصل والمرافعة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة: "هاجر مُتّهَمة بسبب سلوكيات خاصة مزعومة، والتي لا ينبغي تجريمها أصلا.. اعتقال السلطات المغربية لهاجر الريسوني وملاحقتها وانتهاكها العنيف لحياتها الخاصة يفضح عدم احترام البلاد للحريات الفردية".

وفي هذا السياق، طالبت المنظمة المغرب بإلغاء تجريم العلاقات الجنسية بالتراضي بين البالغين خارج الزواج، ولاحترام الحق في الخصوصية على النحو المكفول بموجب "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صادق عليه المغرب.
ملف الصحافية هاجر الريسوني حظي باهتمام ودعم عدد من الجمعيات والفعاليات الحقوقية والنسوية التي طالبت بإطلاق سراحها، معتبرة أن تداعيات هذه الواقعة تنبئ بانتكاسة حقيقية وبتجاوزات خطيرة فيما يتعلق بالحقوق الإنسانية للنساء، وبهجمة شرسة على المكتسبات التي ناضلت من أجلها الحركة النسائية والحقوقية بالمغرب.
بعد أسبوعين من صدور قرار محكمة الرباط بالسجن النافذ لمدة سنة في حق هاجر الريسوني بتهم تتعلق بالفساد والإجهاض، وبأحكام أخرى مختلفة في حق خطيبها السوداني والطاقم الطبي، أُفرج عن الجميع بموجب عفو ملكي، قالت هاجر إنه: "كان فقط تصحيحا للظلم الذي تعرضنا له، وقد جاء في وقته".
غير أن الصحافية المغربية، أقرت لاحقا، بأنها لم تستطع بسهولة تجاوز ما تعرضت له من تشهير وإساءة، وهو ما عبّرت عنه في مقال رأي نشرته عام 2020 :"ما أن قرأت خبر الإفراج المفاجئ عنّي على شاشة تلفاز الزنزانة، تبادر إلى ذهني سؤال عريض: هل أستطيع مواجهة العالم، بعد كل هذا الإسفاف الذي كتبته عني صحافة السلطة؟ هل أقوى على مواجهة العالم بعد هذا الكم من التشهير الذي تعرضت له والذي كان يستهدف بالدرجة الأولى سمعتي كامرأة داخل مجتمع ذكوري محافظ؟".
تعتبر الناشطة الحقوقية، بشرى عبدو: "أن هذه الممارسات بشكل عام تروم إسكات النساء ومنعهن من المشاركة في النقاش العام وتغييبهن عن الساحة الحقوقية والسياسية، وبالتالي حصر تأثيرهن في الحياة العامة، فضلا عن الحط من كرامتهن والتشكيك في مصداقيتهن وكفاءتهن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنساء القياديات والحفاظ على الهيمنة الذكورية في الحياة الواقعية والافتراضية".
هل يوفر الإطار القانوني في المغرب الحماية الكافية؟
رصدت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، من خلال ما أنجزته من دراسات وأبحاث، أن العنف الرقمي يُخلّف آثارًا عميقة ومستمرة لدى النساء تتجدد عبر الزمن والمكان. وقد تؤدي هذه الآثار إلى تفكّك العلاقات الاجتماعية أو الأسرية، بالإضافة إلى الشعور بالعزلة، والرفض المجتمعي، والمسّ بسمعتهن المهنية، مما يصعّب عليهن الاستمرار في مجالات عملهن. وفي بعض الحالات، قد يصل الأمر إلى التراجع عن التعبير الحر، أو حتى مغادرة المنصات الرقمية بشكل نهائي.
"إن النساء في المغرب يواجهن تحديات عديدة، منها التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وكذا المقاومة المجتمعية لأي صوت نسائي جريء أو مؤثر في الفضاء العام".
تُظهر دراسات عديدة أن العنف والتشهير الرقميين تجاه النساء، وخصوصا الملفات الأخلاقية، من شأنه قتلهن رمزيا وتحجيم دورهن في المجتمع وفي المجال الذي ينشطن فيه. وتشير دراسة علمية لجامعة كورنيل الأمريكية أن النساء يُقدّرن تأثير التشهير الرقمي عليهن بشكل أكبر من الرجال، بحكم البيئة الاجتماعية والثقافية، وخاصة فيما يتعلق بمشاركة الصور دون موافقة. فهل يوفر الإطار القانوني في المغرب الحماية الكافية؟

تعتقد بشرى عبدو أن حماية النساء من العنف الرقمي لا تزال محدودة، رغم دخول القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ في شتنبر/أيلول 2018، والذي يعترف بالعنف الرقمي كجريمة. وتوضح قائلة: "هناك ضعف في التبليغ بسبب الخوف أو نقص الثقة في جدية المتابعة، كما أن إثبات حالات الابتزاز أو التشهير الرقمي يظل صعبًا. إضافة إلى ذلك، نلاحظ ضعف الأجهزة الأمنية والقضائية في التعامل مع الجرائم الرقمية القائمة على النوع الاجتماعي، وأيضا في توعية النساء بحقوقهن الرقمية وسبل الحماية. لذلك، على الرغم من وجود إطار قانوني، إلا أنه يحتاج إلى مزيد من التفعيل والتحديث ليتماشى مع الاتفاقيات الدولية".
وبينما يبقى التفعيل الشامل للتشريع، والتوعية، والمساءلة، الحلّ لضمان فضاء رقمي أكثر أمانًا وإنصافًا للنساء في المغرب، فإن جمعية التحدي النسوية وجدت نفسها الآن تحارب على جبهة جديدة لتعديل المادة 1-41 من مشروع تعديل القانون الجنائي، الذي يُمكّن للمعتدي في قضايا العنف والعنف الرقمي الممارس ضد النساء من الإفلات من الردع العام، من خلال تيسير مسطرة الصلح الزجري في مشروع قانون المسطرة الجنائية.
وتسمح هذه المادة للنيابة العامة بالتصديق على الصلح دون الحاجة إلى إحالة المحضر على رئيس المحكمة الابتدائية الزجرية، ودون تعميق النظر في شروط وظروف التوصل إلى هذا الصلح الذي قد تكون فيه النساء الضحايا وافقن تحت الضغط أو التهديد أو الإجبار أو الابتزاز، وفق تعبير الجمعية.
وتختتم رئيسة الجمعية القول: "من شأن مقتضيات هذه المادة تحويل الإفلات من العقاب في جرائم العنف ضد النساء قاعدة عامة في السياسة الجنائية الوطنية، بدل تعزيز حقهن في الإنصاف القضائي وتحقيق الردع العام في جرائم العنف ضد النساء، ومخاطر استحالة تطبيق تدابير الحماية لفائدة النساء ضحايا العنف".