هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
عام جديد يعني وقتاً إضافياً للحياة، للمحاولة، وللأمل. لكنه، بالنسبة لنا نحن النساء، ما زال يعني - لسوء الحظ وضعف إجراءات الحماية - المزيد من الموت والعنف، والمزيد من الانتقاص من حقوقنا ومكانتنا وأماننا. هو أيضاً عامٌ جديدٌ يحمل أثماناً إضافية ندفعها بسبب الحروب والأزمات، وأحياناً فقط لأننا نساء!
نساء غزّة يدخلن عاماً دموياً جديداً
في غزّة تستمر الحرب والتشرّد، وتتحمل النساء أعباءً تثقل كاهلهنّ، وسط انعدام الأمان وصعوبة تأمين الحاجات الأساسية لهنّ ولعائلاتهنّ، كلّ ذلك يجري في ظل النزوح والتهجير والقصف اليومي الذي يستهدف المدنيين.
في لبنان: حيث تحمّلت النساء أيضاً أوزار الحرب والنزوح وواجهن دمار القرى الحدودية وتضرر الأبنية السكنية، انتهى العام بجريمة مأساوية راحت ضحيتها الصحافية عبير رحال. قُتلتْ عبير بدم بارد على يد زوجها أمام المحكمة حيث كان يفترض أن يوقّعا فيها على أوراق طلاقهما. لم يكتفِ بفعلته، بل نشر فيديو مصور يحاول فيه تبرير جريمته قبل أن يقتل نفسه.
في سوريا: بعد سنوات من القهر والتشريد وجرائم الحرب، تتزايد المخاوف من الإدارة الجديدة التي تميل إلى الحكم المتشدد وكيفية تعاملها مع قضايا السوريات، لا سيما بعدما عاشت البلاد في ظل نظام ظالم لم يرحم الرجال ولا النساء، لكن النساء نلن نصيباً وافراً من المعاناة سواء داخل المعتقلات أو خارجها أو في مختلف المسائل الحقوقية العامة.
وتعيش اليمنيات بعض أسوأ أيامهنّ تحت سطوة الحوثيين وقراراتهم المتطرفة والمجحفة بحقوقهن في التعليم والعمل وتقرير المصير. مشهد مشابه يتكرر في إيران وأفغانستان وغيرهما من الدول التي لا تحترم النساء، بل تواصل الانتقاص من حقوقهن المشروعة، مستمدة من هذا الازدراء المزيد من الشرعية والسلطة لحاكميها.
عام جديد يعني وقتاً إضافياً للحياة، للمحاولة، وللأمل. لكنه، بالنسبة لنا نحن النساء، ما زال يعني - لسوء الحظ وضعف إجراءات الحماية - المزيد من الموت والعنف، والمزيد من الانتقاص من حقوقنا ومكانتنا وأماننا.
هذه لمحة سريعة عن بعض ما تعيشه النساء في مناطق الصراع، وهو واقع لا يحمل أي مؤشرات أو بوادر حقيقية للتغيير مع بداية عام 2025، خصوصاً مع استمرار التهميش والتأجيل في كل ما يتعلق بقضايا النساء، فحين يتعلق
الأمر بحقوقهن، يبدو أنه دائماً ليس الوقت المناسب!
تصاعد العنف والتهميش: النساء في قلب الصراعات
يمكننا مع بداية العام الجديد أن نتوقع مزيداً من التضييق والعنف بحق النساء في مناطق مختلفة من العالم، ولا سيما في الشرق الأوسط.
فبحسب تقرير نُشر حديثاً، تضاعفت نسبة النساء اللواتي قُتلن في النزاعات المسلحة خلال العام الماضي مقارنة بعام 2022، حيث شكلّت 40% من إجمالي الوفيات في الحروب. كما ارتفعت حالات العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات التي تحققت منها الأمم المتحدة بنسبة 50%.
وسجلت الأمم المتحدة ما لا يقل عن 33,443 حالة وفاة بين المدنيين/ ات في النزاعات المسلحة عام 2023، ما يمثل زيادة بنسبة 72% مقارنة بعام 2022. وارتفعت نسبة النساء والأطفال بين الضحايا إلى ضعفين وثلاثة أضعاف على التوالي.
وقعت غالبية الوفيات المسجلة، 70 في المئة، في فلسطين، التي شهدت الصراع الأكثر دموية للمدنيين/ ات في عام 2023.
وذكر التقرير أن النساء في مناطق الحرب يعانين بشكل متزايد من صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية. على سبيل المثال، تموت 500 امرأة وفتاة يومياً في البلدان المتأثرة بالنزاعات بسبب مضاعفات تتعلق بالحمل والولادة. وبحلول نهاية عام 2023، كانت 180 امرأة تلد يومياً في غزة، معظمهن بلا ضروريات أو رعاية طبية.
المفارقة أن التقرير صدر بعد مرور نحو 25 عاماً على اعتماد مجلس الأمن قراراً تاريخياً بشأن المرأة والسلام والأمن. فقد نصَّ القرار 1325 (2000) على أهمية مساهمة المرأة في منع نشوب النزاعات وحلها. ودعا الأطراف المتحاربة إلى ضمان سلامة النساء والفتيات، وكذلك إلى المشاركة الكاملة للمرأة في عمليات السلام.
جهود غير معترف بها وتمويل ضئيل
وعلى الرغم من الالتزامات التي قُطعت على مر السنين، فلم تتجاوز مشاركة النساء 10% من المفاوضين في أكثر من 50 عملية سلام في جميع أنحاء العالم عام 2023. يحدث ذلك رغم أن الدراسات تظهر أن مشاركة النساء تساهم في جعل اتفاقيات السلام تستمر لفترة أطول وتنفذ بشكل أفضل.
على سبيل المثال، في اليمن، أدت المفاوضات التي تقودها النساء إلى تأمين وصول المدنيين إلى مصدر مياه آمن. وفي السودان، تضغط 49 منظمة تقودها نساء من أجل عملية سلام أكثر شمولاً. لكن غالباً ما تفتقر هذه الجهود إلى الدعم أو الاعتراف في مفاوضات السلام الرسمية.
وأشار التقرير إلى أن النقص الحاد في التمويل يعدُّ أحد التحديات الرئيسية. ففي حين بلغ الإنفاق العسكري العالمي مستوى قياسياً قدره 2.44 تريليون دولارٍ أميركي في عام 2023، لا يتجاوز تمويل المنظمات والحركات التي تدعم حقوق المرأة 0.3% فقط من إجمالي المساعدات السنوية.
علاوة على ذلك، تُشكل الاستثمارات في منع العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة له أقل من 1% من إجمالي الإنفاق الإنساني.
لا يسع المرء، في خلاصة المآسي التي استعرضنا بعضها، إلّا أن يتمنى أن ننعم ببعض السلام وأن يكون عام 2025 أقل عنفاً على جميع من في الأرض، لا سيما النساء.