هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
الصورة الرئيسية: صورة شخصية لـ جيزيل بيليكو بعدسة آن صوفي كفارنسستروم. المشاع الإبداعي.
قيل وكتب وسمعنا الكثير من الاستنتاجات والتوقعات حول المحاكمة في قضية الاغتصاب التي هزّت مدينة "مازان" الفرنسية وحول الشجاعة الإستثنائية التي أظهرتها جيزيل بيليكو، هي التي أصبحت أيقونة حقيقية طوال فترة المحاكمة من 2 أيلول/ سبتمبر وحتى 19 من كانون الأول/ ديسمبر 2024. مع ذلك، في اللحظة التي صدر فيها الحكم وحُسم مصير دومينيك بيليكو والمتهمين الـ 51 الذين حوكموا معه، يبدو مفيداً استرجاع أبرز أحداث هذه المحاكمة التي تناولت قصة قذرة ومؤلمة تحولت إلى قضية رأي عام بفضل تصميم امرأة أظهرت شجاعة استثنائية. جيزيل تحملت عشر سنوات من الاغتصاب، تحت تأثير المخدِّر، من قبل زوجها وعشرات الرجال الذين حشدهم عبر الإنترنت.
أُطلِقَ سراح خمسة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 36 و72 عاماً، وهم: بستاني، سائق شاحنة، بلّاط، ورجلَين متقاعدَين. جاء ذلك رغم أن النيابة العامة كانت قد طالبت بسجنهم لمدة 10 سنوات، صدرت بحقهم أحكام بالسجن تراوحت بين 3 سنوات، منها حكمَان مع وقف التنفيذ. فضّل القضاة، في هذه المحاكمة الاستثنائية، تطبيق مبدأ فردية العقوبات بدلاً من اعتماد عقوبات ذات سابقة تاريخية. "...ليس بالأمر البسيط أن نطلب من القضاة إصدار أحكام باسم نضالاتنا. وهنا تكمن الفجوة بين رغباتنا النضالية وواقع العدالة"، تقول أوفيدي، المخرجة والكاتبة النسوية، في مقابلة مع صحيفة Médiapart الإلكترونية.(1)
لكن هذا المسار لم يكن دائماً الخيار الذي اتبعه القضاة، كما في حالة قضية محاكمة قاتل صمويل باتي، مدرس التاريخ الذي قُتل بقطع رأسه أثناء مغادرته مدرسته على يد الشاب الإرهابي الشيشاني عبد الله أنزوروف، ففي تلك القضية، تجاوز الحكم الصادر بحقه بشكل كبير ما طالبت به النيابة العامة.
عنف وإنكار
والسؤال هنا: هل سيدفع السجن هؤلاء الرجال إلى إدراك أن الأفعال التي ارتكبوها كانت، في الواقع، اغتصاباً؟ في حين أن معظمهم سيحملون إلى زنازينهم إنكارهم للجريمة كما أظهروا خلال المحاكمة. ولا بد من الإشارة إن تلك المحاكمة جرت تحت مظلة عنف مؤسسي تجسّد في مشكلات المكان والزمان: ففي قاعة محكمة ضيقة اضطرت جيزيل بيليكو إلى البقاء مع مغتصبيها لعدة أسابيع، بينما حال ضيق الوقت دون التطرق إلى أشكال الإساءة الأخرى.
نستذكر من بين أشكال العنف التي ظهرت خلال جلسات المحكمة المتتالية، وحشية المناقشات القضائية والأذى النفسي المضاعف الذي تسبب به محامي الدفاع لجيزيل بيليكو، فقد شكك في تخديرها، وطرح أسئلة ملتوية حول حياتها الجنسية، وألقى عليها اللوم بسبب ما وصفه بـ "غفرانها المزعوم" وتساهلها مع زوجها.
"لكل فرد حرية اختيار وسائل دفاعه، وهذا هو حجر الأساس للمحاكمة العادلة. لكن ترهيب الضحية يؤدي إلى نتائج عكسية تماماً"، ؤكد المحامية آن بويون في مقابلة مع مجلة الثورات النسوية La Déferlante. "إن فعالية نظام الدفاع تقاس بالنتائج التي يتم التوصّل إليها، وليس من مصلحة المتهم أن يهاجم الضحية".
من جهتهن، تعلمت النساء إدانة العنف الجنسي؛ واليوم، أصبح من واجب الرجال أن يفهموا لماذا وكيف يشاركون في هذه الهيمنة الجنسية ضدهن.
ونستذكر أيضاً الهجوم الذي شنّه فريق الدفاع ضد النسويات في محاولة لتقليب الرأي العام ضدهن، واتهامهن بالتدخل في سير المناقشات، أو حتى السعي لتحميل دومينيك بيليكو المسؤولية وحده، بهدف تبرئة المتهمين الـ51 الآخرين الجالسين في قفص الاتهام. ناهيك عن المحامي الذي خرج مسرعاً من قاعة المحكمة لكي يشتم، نيابة عن موكله، النسويات اللواتي حضرن لدعم جيزيل بيليكو.
كيف يمكننا في النهاية وصف هذا التواطؤ الذكوري بين المتهمين، الذين شجعوا بعضهم البعض أثناء الاستجوابات، وربّتوا على أكتاف بعضهم كإشارة على "الاسترخاء غير اللائق"، وفقاً لتعبير المدعية العامة، التي نددت في مرافعتها بـ "انطباع مزعج بالتعاضد" بينهم. هل يمكن حقاً أن يستوعب هؤلاء الرجال، في بيئة سجن مقتصرة على الذكور، الجرائم التي ارتكبوها؟ هل سيتمكنون من مساءلة أنفسهم؟ هؤلاء الذين، حسب قولهم: "لم تكن لديهم نية الاغتصاب"، ومع ذلك تصرفوا بجسد امرأة مخدَّرة كما لو كان مجرد غرض، دون أن يسألوا أنفسهم ولو سؤالاً واحداً.
تضامن نسائي
وسط كل هذا السواد، برزت بقعة ضوء متمثلة في حشد من الناس، أغلبهم من النساء، اللواتي جئن لدعم جيزيل بيليكو والوقوف إلى جانبها، وهتفوا/ ن وصفقوا/ ن لها بكل حرارة. فردت جيزيل: "بفضلكم/ ن جميعاً، امتلكت القوة للنضال حتى النهاية". اعتادت جيزيل على شكر الحشود في كل مرة غادرت فيها محكمة فوكلوز الجنائية في أفينيون.
وكان هناك أيضاً نساء ورجال في الجمهور جاءوا/ جئن لخوض رحلتهم/ ن الخاصة، وكان جميعهم/ ن يرغبون/ ن في دعم مَن "وهبَت قصتها" لإحداث فَرق كبير. ويمكن الاستماع إلى شهاداتهم/ ن في الفيلم الوثائقي الصوتي لراديو France Culture بعنوان « Les pieds sur terre » (الأقدام على الأرض).
إن هذا التضامن النسائي والنسوي، امتدَّ في مختلف أنحاء فرنسا وخارجها، جعل من الممكن التعمق في مسألة ثقافة الاغتصاب التي تتسلل بشكل منهجي إلى بنية النظام الأبوي. لا بد الآن من الانخراط في عمل جاد لتفكيك الخلل. من جهتهن، تعلمت النساء إدانة العنف الجنسي؛ واليوم، أصبح من واجب الرجال أن يفهموا لماذا وكيف يشاركون في هذه الهيمنة الجنسية ضدهن.
من أجل ثورة في الذهنية المجتمعية
من المؤكد أن هذا الوعي هو الذي أدى إلى نطق إحدى الكلمات الأساسية في المحاكمة: "الموافقة" والتي سوف نجدها حتماً محفورة في القانون الجديد بشأن الاغتصاب الذي يجب أن تعتمده فرنسا. وبحسب تحليل منظمة العفو الدولية، فإن 19 من أصل 31 دولة في أوروبا - بلجيكا، وكرواتيا، وقبرص، وجمهورية التشيك، والدنمارك، وفنلندا، وألمانيا، واليونان، وأيسلندا، وأيرلندا، ولوكسمبورج، ومالطا، وهولندا، وبولندا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، وسلوفينيا، والسويد، وسويسرا - لا تزال تعرّف الاغتصاب بأنه ممارسة جنسية غير طوعية.
في حين لا يسعنا إلا أن نفرح لأن فرنسا تتلاقى مع هذه الدول الأوروبية في نيتها اعتماد هذا النوع من التشريعات، فإن من غير المجدي اعتبار أن ذلك يحلُّ كل شيء. بالنسبة إلى الفيلسوفة لورانس دوفيلاير، لا يمكن للموافقة أن تحقق قيمتها الفعلية في ظل علاقات بين الرجل والمرأة تحكمها عدم المساواة والهيمنة الذكورية: "يفرض المجتمع ما يفرضه على النساء لأنهن لا يُعتبرن متساويات بالرجال. إن عدم المساواة الاجتماعية والسياسية تدفعني إلى التساؤل حول قيمة الموافقة. ما قيمة الموافقة عندما لا تكون المرأة والرجل متساويين؟".(2)
يدور هذا الرأي في فلك الدراسة التي أجريت تحت إشراف ميريان كارباخال وآنا ماريا كولومبو، الأستاذتين في جامعة العلوم التطبيقية في غرب سويسرا (HES-SO). تسلط الدراسة الضوء على فكرة أن النساء تبنَّيْن ضمنياً "واجب" قبول ممارسة الجنس غير المرغوب فيه: "شعرت الشابات اللواتي شملتهن الدراسة بأن الجنس فرضٌ عليهن أكثر مما هو على الشباب"، كما كتبن، " فهذا لأنهن مثل الشباب يخضعن لتوقعات سلوكية مرتبطة بنظام تمثيل ثنائي للحياة الجنسية تحت عنوان "المعيارية الجنسية" (3). إن 73% من النساء الفرنسيات و59% من الرجال الفرنسيين يعتقدون أن "الرجال بطبيعتهم لديهم احتياجات جنسية أكثر من النساء". ويؤثر هذا الاعتقاد على ممارسات النساء اللواتي يمارسن الجنس أحياناً من دون رغبة في ذلك.
ومن الواضح إذاً أن التحوّل في الذهنية المجتمعية يتطلب حتماً نضالاً سياسياً ضد عدم المساواة بين الجنسين، وإلى إدراج برامج التربية الجنسية والعلاقات في المناهج الدراسية من مرحلة الحضانة فصاعداً، بالإضافة إلى تفكيك ثقافي لطبقات وطبقات من العنف الجنسي، القديمة والمتجذرة في كلّ شيء، بدءاً من الحكايا التي قامت عليها أساطيرنا، مثل الحكايات الشعبية عن "الجميلات النائمات"، وصولاً إلى قائمة طويلة من الألفاظ والصور النمطية المعادية للنساء.
الحرص على نقل الشعور بالعار من الضحية إلى المجرم هو المشروع الضخم الذي افتتحته جيزيل بيليكو... والآن أصبح الأمر متروكاً لنا لنسير على خطاها!