هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
Comunicattive هي وكالة اتصالات مقرّها مدينة بولونيا الإيطالية، تعمل منذ عشرين عاماً على معالجة قضايا الجندر من خلال حملات تهدف إلى تفكيك الصور النمطية التي تعززها وسائل الإعلام والمؤسسات، والتي تقوم على العنصرية والتمييز على أساس الجنس وضد الأشخاص ذوي/ات الإعاقة، رهاب المثلية الجنسية والتحوّل الجنسي.
في الخامس من نوفمبر، أطلقت الوكالة مشروعاً جديداً طموحاً تحت اسم "فوتونيكا" (Fotonica)، وهو بنك صور يهدف إلى تمثيل النساء، المهاجرين والمهاجرات، الأشخاص ذوي/ات الإعاقة ومجتمع الميم بصورة دقيقة، حقيقية، وتعددية.

عشرات من الصور الفوتوغرافية والرسومات والتصاميم الغرافيكية تم اختيارها بعناية وهي معروضة الآن لإيصال أصوات هؤلاء الأشخاص وتسليط الضوء عليهم، هم الذين يعانون عادةً من التمييز والإقصاء ضمن الدوائر التقليدية.
تهدف الحملة إلى نشر الصور في الصحف والمواقع الإخبارية، بالإضافة إلى الهيئات العامة ووكالات الإعلان ودور النشر بهدف بناء سردية مختلفة عن العالم، والمساهمة في إحداث تغيير ثقافي واجتماعي جذري لا يكفي التعبير عنه بالكلمات فقط.
في الواقع، تؤدي الصور دوراً أساسياً في إعادة إنتاج وتعزيز الأحكام المسبقة والقوالب النمطية، ومع ذلك فإنّ اختيارها بعناية وواقعية يسمح بتفكيك تلك الأحكام المسبقة ومواجهتها. الصور الفوتوغرافية التي تُستخدم عادةً لإظهار التنوع، والتي نراها في كل مكان، تبدو معلّبة وبعيدة عن الواقع، وغالباً ما تقدم سمات اختزالية تعمم الآراء الخاطئة، المشوهة، والمتحيزة حول هذا التنوع.
كيف نتحدث عن العنف القائم على الجندر؟
نشاهد يومياً عبر وسائل الإعلام صوراً عن العنف القائم على الجندر، حيث يركز الإعلام على جانبين: تصوير الضحية وإلقاء اللوم عليها في معظم الأحيان. عادةً ما تعرض الصور امرأة بيضاء نحيفة، جالسة في زاوية، تضم رجليها إلى صدرها وترفع يدها لحماية وجهها، بينما يبدو جسدها مغطى بالكدمات وملابسها ممزقة.
بحسب Comunicattive، يؤدي هذا النوع من التمثيل الذي يقتصر عى عرض ضحايا العنف القائم على الجندر بهذه الطريقة خطأين رئيسيين: فمن جهة، يعزز فكرة أن المرأة عاجزة عن كسر حلقة العنف المفرغة، ومن جهة أخرى يحصر العنف في الإطار الجسدي، مستثنياً بذلك أشكال العنف الأخرى، التي تُعد خطيرة ومنتشرة بنفس قدر العنف الجسدي، مثل العنف النفسي، الاقتصادي، الرقمي والجنسي.
سامانثا كافيكّي، إليسا كوكو، ستيفانيا جويدي، ولوتشيا جوريني، العضوات الأربع من "كومونيكاتيفي" يشرحن: "نريد رؤية صور تضع المرأة في صلب دائرة المساعدة والدعم، وتجعلها فخورة برد فعلها في مواجهة العنف، نريد أيضاً صوراً تُظهر الآخرين وهم يستمعون لها ويشهدون على العنف الذي عاشته". تشير هذه الملاحظة إلى أهمية التركيز على تمكين النساء، بحيث لا يشعرن بالاستضعاف أو بأنهن متروكات ووحيدات.

ولهذا السبب، تقول العاملات في الوكالة: "نحن بحاجة إلى صور ورسومات وتصاميم غرافيكية تمثل تنوعاً واسعاً من المواضيع، يجب ألّا تقتصر على تصوير النساء البيض، مغايرات الجنس، اليافعات، والمعافيات جسدياً، بل أيضاً نساء من أعراق مختلفة، ذوي/ات الإعاقة، والبدينات والمثليات والمتحولات جنسياً".
من هنا جاءت فكرة الأرشفة، التي تتيح لأي شخص لديه خبرة في هذا المجال بالمساهمة في هذا الأرشيف البصري، " تُمنح الأولوية للصور الجماعية والمجتمعية التي تعكس وجود شبكة دعم وتمكين للنساء، وتشجّع على إبراز صور "التفاخر" لكل اللواتي تمردن على العنف، ورفضن الخضوع" للتعبير عن القوة والثقة بالنفس. أمّا عند تقديم صور مرتكبي العنف، من الضروري تجنّب الصور النمطية التي تُصورهم على أنهم وحوش أو أشخاص مجهولو الهوية تسيطر عليهم موجات غضب مفاجئة؛ إذ غالباً ما يكون المعنِّف أحد الوالدين، الشريك، أو الزوج.
مجتمع الميم الأقل تمثيلاً

غالباً ما يكون الأشخاص غير الثنائيين أو المغايرين جنسياً أو المتوافقي الجنس إما مغيّبين تماماً عن وسائل الإعلام والمؤسسات، أو يتم إظهارهم بصور مشوهة ونمطية تتسبب بتعرضهم للمزيد من التمييز.
من أجل تمثيلهم بطريقة أكثر اقعية واحتراماً وتعددية، يجمع مشروع "فوتونيكا" صوراً ورسومات لوجوه وأجساد مجموعات أو أفراد حقيقيين، " الهدف هو الابتعاد عن تمثيل أشخاص يتظاهرون بأنهم من مجتمع الميم، أو أولئك الذين يقلّدون النماذج التقليدية للعلاقات بين الجنسين، ما يعزز الصور النمطية السائدة عن مجتمع الميم*". في الواقع، لا يكفي إعطاء مساحة لأولئك الذين يعبّرون بصدق عن ذاتيتهم، بل يجب أيضاً إعادة ترسيخ شعورهم بالانتماء المجتمعي والدعم المتبادل الذي يميز حياتهم، من خلال إبراز طبيعة الحياة اليومية.
بحسب Comunicattive: "نريد أجساداً تختلف عن تلك التي نراها في المجلات اللامعة أو البرامج التلفزيونية أو المواقع الإلكترونية. نريد رؤية أجسادٍ بدينة، أشخاص ذوي/ات إعاقة، أعراق مختلفة، نريد أن نراهم فخورين وفخورات. نريد رؤية تنوع الألوان، وليس فقط ألوان قوس قزح".
مناهضة العنصرية ورهاب السمنة وكراهية النساء والتمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة والتمييز على أساس الجنس
يعاني كلّ جسد لا يتوافق تماماً مع الصور السائدة يومياً. فاختزال التمثيل الذي تفرضه المعايير المشتركة يؤثر سلباً وبشدة على كلّ فرد، وفي المقام الأول على النساء.
إنّ التقوى الزائفة، الشكّ، النظر بعين جنسية إلى الآخرين، الإقصاء الاجتماعي، والوصم هي أساليب لمعاقبة هذه الذاتيات التي يتم تصويرها بشكل أساسي من منظور ذكوري مشوّه، ما يُنتج محتوى موجه إلى جمهور أبيض ذكوري "مستقيم" ومتوافق الجنس ومعافى.
لذلك، أمام كل صورة نراها علينا أن نسأل أنفسنا: ماذا تُظهر هذه الصورة وماذا تُقصي؟ ما هي المشاعر التي تثيرها؟ وما هي سلسلة ردود الأفعال التي يمكن أن تُحدِثها من خلال اللعب على وتر معتقدات وسلوك مَن يشاهدها؟
نقتبس بتصرف مقولة روبرت فرانك، ونقول إذا كان من المفترض أن تعكس الصورة شيئاً واحداً، فهو بلا شكّ لحظات الإنسانية المجردة، أوَليس هذا السبيل الوحيد للتحدث عنها دون التنازل البتة عن تعقيداتها وتنوعها وغناها؟