هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية)
لويس أورات
لم يكن الجمهور قد استقر في مقاعده بعد، بينما كان المشاركون والمشاركات قد أخذوا أماكنهم بالفعل على خشبة المسرح، واستعدوا لمشاركة حكاياتهم. جلسوا مستقيمي الظهر وارتسمت على وجوههم ابتسامات خفيفة تنعكس عليها الإضاءة البرتقالية الدافئة. شارك في عرض هذه الليلة تسعة حكائين من الرجال والنساء، بدوا في حالة من التركيز، وبالنظر إلى أعينهم التي تتنقل يميناً ويساراً، لتكشف مزيجاً من الحماس والخجل. فهم ليسوا محترفين، إذ يمثل هذا العرض ختام سلسلة من ورش العمل الأسبوعية التي نظمتها فرقة "باب الحكايات" على مدار ثلاثة أشهر في القاهرة، لتعليم المشاركين/ ات فنون التعبير عن الذات.
حكاية سُمية
تتقدم سمية، البالغة من العمر 41 عاماً، مبتعدة عن المجموعة التي تجلس أمام الجمهور لتقف أمام الميكروفون، مرتدية سترة حمراء تتناغم مع أحمر شفتيها، ما يبرز ابتسامتها. تبدأ حكايتها بسؤال: "من فينا محلمش وهو صغير يطير مع أليس لبلاد العجائب؟".
في طفولتها، رأت سُمية نفسها في شخصية الأرنب الأبيض، رفيق أليس، بسبب أسنانها الأمامية التي كانت أطول من بقية أسنانها. هذا الاختلاف جعلها عرضة للسخرية في سنوات نشأتها ومراهقتها، على الرغم من إنه لم يشكل لها مشكلة عندما كانت طفلة صغيرة. يدور موضوع هذه الأمسية حول السخرية أو التنمر الذي قد نتعرض له بسبب سمة جسدية أو شخصية معينة، وكيف يمكن لهذه التجارب أن تؤثر علينا بعُمق. تحدثت راوية أخرى، وُلدت لأمّ سورية وأبّ مصري، عن التعليقات العنصرية التي تعرضت لها بسبب لون بشرتها الفاتح أو لهجتها. ومن الخجل إلى لون الشعر، يتحول كلّ اختلاف إلى حكاية جديرة بالمشاركة.
غالبية المشاركات من النساء
تحتفل فرقة "باب الحكايات" هذا العام بمرور عشر سنوات على تأسيسها. في البداية، كانت الورش تُعقد لبضعة أيام فقط في الإسكندرية، ثاني أكبر المدن المصرية. أما اليوم، فالفرقة تُنظِم ورشاً أيضاً في العاصمة على مدار العام. وتقوم المديرة الفنية حورية الدقاق بتدريب المشاركين على فن التمثيل، بدءاً من تحسين الصوت وصولاً إلى التحكم في الحركة. كما تشمل الورش أيضاً مرحلة كتابة النصوص. بالإضافة إلى موضوع العرض النهائي، تناقش كلّ ورشة مناقشة حوالي خمسة عشر موضوعاً، تتراوح بين الجادة والخفيفة، من ضمنها الإدمان، اللحظات المحورية في الحياة، وأدوار الرجال والنساء في الأمثال الشعبية. تُنظَّم أمسيات خاصة سنوياً في مناسبات مثل عيد الحب وشهر رمضان ونهاية العام.
ولقد شهد عرض يوم الجمُعة 29 نوفمبر 2024 مُشاركة واحدة، ما يعد استثناءً نادراً لأن النساء عادةً ما يشكلن دائماً الأغلبية. وتُعلق حورية الدقاق، المُديرة الفنية للفرقة، على هذا الأمر: "إن الرغبة في الحديث عادةً ما تكون أكثر وضوحاً لديهن". كما تُقدم الفرقة أيضاً ورش مخصصة للنساء فقط، بدون عروض عامة، حيث تضيف حورية: "بعض النساء لا يشعرن بالراحة في الأجواء المختلطة، أو يُواجهن رفضاً من أزواجهن للمشاركة. وهذه الورش تساعد في بناء علاقة ثقة."
مساحة للنمو الشخصي
تجلس حورية (35 عاماً) أثناء العروض في الصف الأول، ملتزمة بدورها، إذ توجه وتنصت وتقدم النصائح للسيدات والفتيات، دون أن تصعد إلى المسرح. تقول حورية: "نشأت في أسرة مكوّنة من خمسة أشقاء وكنت هادئة للغاية لدرجة كِدت معها أن أكون غير مرئية. وعندما تمر مرور الكِرام دون أن يلاحظك أحد، يكون لذلك عواقب". وتكرر دائماً للمشاركين والمشاركات: "تتحدث لتُرى وتُسمع". فورش باب الحكايات ليست مجرد مساحة فنية، بل مساحة للنمو الشخصي أيضاً.
بعد انتهاء العرض، تشاركنا سُمية تجربتها الشخصية، موضحة أنها كانت تمر بفترة نفسية صعبة، وكيف ساعدتها الورشة على تجاوز أزمتها. تقول: "لقد ازدادت ثقتي بنفسي وتعلمت أن أُعبِر عن مشاعري بدقة". حضر العرض اثنتان من طالباتها في الجامعة، حيث تُدرِس الأدب الإنجليزي وهنأتها إحداهما قائلة: "لديكِ صوت رائع!".
تتخلل الحكايات أغنيات، يشدو بها أحمد، العضو الوفي في "باب الحكايات"، ويرددها الجمهور بحماس. والآن يأتي دور داليا، وهي أيضاً من المشاركات بانتظام، لتروي حكايتها. تقف للمرة السابعة أمام الجمهور، وهو إنجاز كبير لمن كانت تعتبر التحدث أمام الآخرين تحدياً، خاصةً أثناء الورش. تقول داليا: "كنت أخشى حكم الآخرين عليّ. لكن عدم التحدث كان أسوأ بكثير. تعلمت أن أتقبل الآراء المُختلفة". في هذه الأمسية، تعود داليا بذاكرتها إلى أيام طفولتها، لم تكن تخشى التعبير عن رأيها عندما ترى ذلك ضرورياً. لكن الأمور تغيرت عندما طلب منها قائد جوقة مدرستها فجأة مغادرة المجموعة دون أي تفسير. تقول: "لم أفهم ما حدث، لكنني لم أرغب في تكرار تجربة كهذه، فالتزمت الصمت". ومع يديها المرتجفتين وصعوبة العثور على الكلمات المُناسبة، عاشت داليا هذه التجربة عدة مرات خلال مسيرتها الدراسية، بما في ذلك في الجامعة، إلى أن انضمت لورش باب الحكايات التي حررت شيئاً ما بداخلها.
مع استمرار الورش وتكرارها، لاحظت حورية أن الرجال يجدون صعوبة أكبر في التعبير عن مشاعرهم، إذ يعتبر البعض ذلك مساساً برجولتهم. تقول حورية: "غالباً ما يبدأون بالحديث عن الطعام أو عن حبهم الأول. يستغرق الأمر وقتاً ليتمكنوا من التحدث عن أمور أكثر عُمقاً"، وفقاً للمديرة الفنية التي درست علم النفس مؤخراً لتعزيز قدرتها على دعم المشاركين بشكل أفضل.
من جهة أخرى، ترى حورية في هذه الورش فرصة لتقريب الفجوة بين الجنسين أحياناً. تستعيد إحدى المواقف قائلة: "جاءني أحد المشاركين في نهاية إحدى الجلسات وأخبرني أنه لو كان يعرف عن هذه المبادرة في وقت سابق، لكان شارك فيها قبل سنوات، ولكانت حياته تغيرت، لأنه كان سيفهم النساء بطريقة مختلفة."
علاج جماعي
جاء أعضاء من الإسكندرية إلى القاهرة لدعم الحكائين/ ات. وجلس بين الجمهور العديد من الأقارب، من بينهم سوسن، والدة إحدى المشاركات، التي علّقت قائلة: "أعيش معهم لحظات الحكاية. فالأمر ليس مجرد ذكريات، إنما شيء نابع من القلب."
إثارةُ شعور بالتماهي والتعاطف لدى الجمهور هو أحد الأهداف الرئيسية لهذه العروض. وتصف حورية "باب الحكايات" بإنه "مسرح يشبهنا"، ساحة تتقاطع فيها الرسائل الإنسانية، ويمكن للجميع المشاركة فيها.
في هذا السياق، تشعر هبة بالمسؤولية وهي تشارك حكايتها على المسرح، فتقول: "جرأتك على قول شيء يعجز الآخرون عن قوله، يشبه العلاج الجماعي". قررت هبة، طبيبة متخصصة في اضطرابات الأكل، أن تكشف كيف توقفت تدريجياً عن التقاط الصور لنفسها بعدما اقترحت عليها عمتها أن "تفقد الوزن لتبدو جميلة"، تضيف هبة: "أتحدث لأساعد نفسي، ولكن أيضاً لأساعد الآخرين."
وفي النهاية، أجمع المشاركون والمشاركات الذين قابلناهم على رأي واحد: على المستوى الشخصي، هناك ما "قبل" و"بعد" باب الحكايات.