صورة باسكال سوما
لم تكتمل فرحة عبير في مولودتها الجديدة التي أنجبتها قبل اشتداد الحرب بأيام، فبسبب القصف العنيف الذي استهدف قرية جبشيت في قضاء* النبطية، في جنوب لبنان، حيث تسكن، اضطرت عبير أن تنزح هي وعائلتها إلى منطقة أكثر أماناً فكانت وجهتها جزين في قضاء الجنوب.
تقول عبير إنها عند ولادة طفلتها كانت ترضعها من حليبها، إضافة إلى الحليب الصناعي، لأن الرضيعة لم تكن تشعر بالشبع من حليب والدتها وحده، تتابع: "لكن عندما نزحنا لم نكن نملك مالاً كافياً، ولم نستطع تأمين الحليب، إذ يبلغ ثمن عبوة الحليب الواحدة نحو 10 دولارات، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى عائلة نازحة لا تملك شيئاً". حاولت عبير قرع أبواب الجمعيات الخيرية لكن حتى الآن لا مجيب.
وبدأ القصف الإسرائيلي الموسع على لبنان يوم 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، وطال مناطق واسعة من لبنان، بما فيها الجنوب والبقاع وضاحية العاصمة بيروت، ما أدى إلى موجة نزوح واسعة تخطت المليون والنصف نازح ونازحة، وبحسب وزارة الصحة وصل عدد ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية إلى 2822 فيما جرح حوالى 12937.
دائماً ما تدفع النساء ضريبةً مرتفعةً في أوقات الحرب والأزمات، لا سيما النساء المرضعات، والحوامل، والأمهات؛ إذ تُلقى على عاتقهن مسؤولية الدفاع عن عائلاتهنّ وتوفير الاحتياجات الأساسية التي تصبح صعبة المنال، وأحياناً مستحيلة.
فبحسب برنامج الأغذية العالمي (الفاو)، 78% من اللبنانيين/ ات يعيشون/ ات تحت خط الفقر، ويشكّل الأمن الغذائي في لبنان مصدر قلق، فقيمة العملة الوطنية انخفضت حوالي 90%، ما رفع سعر الغذاء في لبنان بشكل كبير.
وقد أعرب صندوق الأمم المتحدة للسكان، صراحة عن قلقه البالغ إزاء سلامة 520 ألف امرأة وفتاة تأثرن بتصاعد حدة الصراع في لبنان منذ 27 أيلول/ سبتمبر، من بينهن أكثر من 11 ألف امرأة حامل، في حاجة ماسة إلى الرعاية الصحية وخدمات أساسية أخرى.
نازحة في شهرها السابع
عندما نزحت رندا من البقاع في شرقي لبنان، مع اشتداد القصف الإسرائيلي، كانت حاملاً في شهرها السابع. وبسبب القصف العنيف، سقطت قذيفة بالقرب منها أثناء طريق النزوح، ما اضطرها إلى دخول المستشفى بشكل طارئ ووضع طفلتها.
طلب المستشفى الذي نقلت إليه رندا 500 دولاراً أميركياً، استطاع الأهل تأمينها بصعوبة كي يسمح لرندا بالخروج من المستشفى. أما بالنسبة للطفلة الرضيعة فهي بحاجة ماسة للبقاء في الحاضنة لبضعة أيام، ما سيزيد من الأعباء المالية على العائلة، التي تجد صعوبة في تحمّل هذه التكاليف، كما تروي رندا. ولم نتمكن من إعادة التواصل مع العائلة لمعرفة ما حدث للرضيعة وكيف تمكن الأهل من تدبّر أمورهم.
تتقاطع معاناة رندا مع ما تعايشه لارا التي تروي لـ"ميفيمينسوية" قصة نزوحها منذ ما يقارب الشهر، مع زوجها وأطفالها الثلاثة من منزلها في بعلبك إلى مدينة زحلة (البقاع)، وقد علمت لاحقاً أن البيت سوّي بالأرض.
تقيم لارا اليوم برفقة عائلتها في السيارة بجانب أحد مراكز الإيواء، الذي يقصدونه لقضاء حاجتهم والحصول على بعض الوجبات الساخنة التي تقدمها الجمعيات التطوعية.
تقول لارا إن وضعها المادي صعب جداً، بالإضافة إلى أنها أمٌّ لثلاثة أطفال، أصغرهم في الثالثة. وهي أيضاً حامل في الشهر التاسع وستضع مولودها قريباً، ما يفرض عليها أعباء أخرى بخاصة أنها غير قادرة على إرضاع طفلها، بسبب حالة صحية تعاني منها، ما يحتم عليها شراء حليب خاص للطفل بالإضافة إلى الحفاضات. تقول لارا: "ما حدا عم يساعدنا، ما بعرف شو بدي أعمل بحالي وكيف بدي أمّن حاجات عائلتي".
في هذا الإطار، أشارت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إلى أنّه "في ظلّ تصاعد النزاع المسلّح في لبنان، تواجه النساء والفتيات معاناة لا توصف، ذلك أنهنَّ في حاجة ماسة إلى استحداث مراكز إيواء تؤويهنّ وإلى مواد التدفئة، وإلى طعامٍ مغذٍّ، بالإضافة إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة، فضلاً عن الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وضمان حقوقهن وكرامتهن".
ولفتت في بيان بعنوان: "النساء والفتيات يواجهن مخاطر جسيمة على صحتهن وسلامتهن وكرامتهن وسط النزاع المسلّح في لبنان وفق هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، إلى أنّ "التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة حول المرأة والسلام والأمن، يكشف عن أن نسبة النساء اللواتي يُقتلن في النزاعات حول العالم قد تضاعفت العام المنصرم، حيث باتت نسبة النساء 40% من إجمالي القتلى في مناطق الحرب".
روت لنا العديد من النساء في مراكز الإيواء معاناتهن الكبيرة مع غياب الخصوصية، بسبب الزحمة واضطرار العائلات إلى تقاسم غرف صغيرة وغير مجهّزة، لتلبية أبسط الحاجات الأساسية، مثل الاستحمام والطبخ والراحة والنوم. وتزداد هذه الأمور سوءاً في ظل وجود أطفال وكبار سن ومرضى، ما يلقي المزيد من الأثقال على عاتق النساء، خصوصاً أنهن في معظم الأحيان يتولين أعمال الرعاية ومهمات الطبخ والتنظيف والعناية بأفراد الأسرة الآخرين.
أخبرتنا زهرة، وهي واحدة من السيدات اللواتي التقين بها في أحد مراكز الإيواء في شمال لبنان، أن ابنها ابراهيم يعاني من مشكلة في النطق والتعبير بسبب شدة الرعب الذي تعرض له. تقول: "بات يتلعثم في كل جملة، أحياناً أعجز عن فهم ما يريده"، وتضيف: "في الوقت الحالي لا أستطيع معالجته، ظروفنا لا تسمح لا مادياً ولا اجتماعياً، فلا أحد يعرف متى تنتهي الحرب ومتى نعود إل بيوتنا".
زهرة التي لا تفارق الابتسامة وجهها اللطيف، أنهت الحديث بدعوتنا إلى فنجان من القهوة، وأصرّت على أن تقوم بـ "واجب الضيافة" كما قالت. لكن الوقت لم يسمح، فودّعنا زهرة والنساء الأخريات على أمل لقاء خارج مراكز الإيواء وبعيداً من الحرب وأصوات القذائف.
* قضاء: تقسيم إداري تابع للمحافظة، يستخدم في سوريا ولبنان