مصدر صورة المقال: © آسيا صابري
كيف اعطتنا البيئة المحلية والسياقات السوسيولوجية والأنثروبولوجية للتوارڨ قراءة أخرى للإسلام؟
حين درسنا التّشكيلة الاجتماعيّة التّارقية من منطلقات سوسولوجية وأنثروبولوجيّة وحلّلنا بنية الأسرة والطبقة وفّكّكنا الأدوار الاجتماعيّة المسندة للرجال والنساء، وعلاقات الإنتاج، انتهينا إلى أنّ التوارق مجتمع أمازيغيّ يحافظ على نوازع أمومية تجعل المرأة قطب المجتمع وصاحبة القيادة فيه. لذلك حين وصل الإسلام إلى الصحراء خضع لأعرافهم الأموميّة وعاداتهم البدويّة، ما أنتج قراءة فقهية مخالفة للقراءة الذكورية التي سادت في عواصم الممالك الإسلاميّة الكبرى (المدينة ودمشق والقيروان وبغداد وفاس والقاهرة...)، كل هذا أنتج قراءة أمومية لنظام القوامة.

هل يعتبر كتابك إجابة ورداً على القراءات الاستشراقية للإسلام في علاقته بالمرأة، من خلال تسليط الضوء على تأويل وتعامل آخر مختلف تماماً مع المرأة في المجتمع الإسلامي؟
يمكن الإقرار بذلك إلى حدّ ما، فالمستشرقون اختزلوا الإسلام في نسخته التي كرّستها الثقافة الرسميّة التي فرضتها السّلطة (السلاطين والفقهاء) على مدى عصور طويلة، وبناءً عليه وصموا الإسلام والمسلمين بالذكورية والأبويّة وإهانة المرأة، وهم في ذلك لم يتهموا الإسلام شيئاً غير تاريخيّ، لكن كان يجدر بهم احترام الأسس المنهجية العلميّة التي انطلقوا منها، والتي تفرض عليهم نبذ الاختزاليّة والتعميم، وتقتضي منهم النظر في مدى تطابق الفهم الرسمي للإسلام مع واقع المسلمين في مختلف السياقات التاريخيّة والجغرافيّة.
هل يصنّف الكتاب ضمن ما يصطلح عليه بالبحوث الديكولونيالية المنتصرة للثقافات المحلية والهامشية والثائرة على الإرث المعرفي الاستعماري؟
إذا نظرنا إلى الثقافة الإسلامية الرّسميّة من زاوية أنها ثقافة امبراطورية سادت في العصر الوسيط، يمكن القول إن هذا الكتاب يدخل ضمن محاولات إعادة الصوت للهامش، حتى يتكلم بنفسه عن نفسه بدل أن يتكلم عنه الآخر، فالتوارق هامش مزدوج وهامشية مضاعفة، فهم هامش جغرافي في الحضارة الإسلاميّة لأنهم في أقصى الصحراء الإفريقيّة، وهامش إثني لأنهم أمازيغ، وهامش اجتماعيّ لأنهم مجتمع أمومي ضمن حضارة ذكوريّة.
من جهة ثانية هذا الكتاب يتنزل ضمن الدراسات الديكولونيالية الساعية إلى تجاوز المركزية الغربيّة التي تعاملت مع الاختلاف التارقي وأعرافه الأموميّة بصفتها ضرباً من ضروب العجيب والغريب والأسطوري المفارق للتاريخ والذي لا موقع له في الواقع بل في مخابر دراسات الإنسان الأوّل المفقود.
بموجب اختلاف أحكام المواريث والحجاب والاختلاط لدى التوارق عن الإسلام، نتساءل أين تكمن النوازع الذكورية إنْ لم تكن نصيّة؟
في الباب الثاني من كتاب "الإسلام الأمومي" درسنا كيف تفاعل التّوارڨ بصفتهم مجتمعاً أمومياً مع الأحكام الفقهية التي صاغها فقهاء الإسلام حول منزلة المرأة في المجتمع: فانتهينا إلى نتائج عجيبة من بينها:
أوّلاً: تتحرك المرأة التّارڨيّة في الفضاء العام بأريحيّة وتحظى بحقّ الاختلاط في مجتمعها سواء كانت صبية أو سيدة أو عجوزاً ولا يتم حجبها في حرملك النساء، كما أنها لا تلتزم بوضع النقاب والبرقع وتكتفي بالملابس الفضفاضة المحتشمة، على عكس الرجل التّارڨيّ الذي ما أن يبلغ حتى يفرض عليه لبس اللثام ولا يكشف أنفه وفمه لأيّ أحد وإلّا لحق عار كبير به.
ثانياً: بما يتعلّق بالزواج، يمتنع المجتمع التّارڨيّ عن تزويج البنات قبل بلوغهن سنّ العشرين أو بعده، وهذا مخالف لتبريرات الخلفاء حول تزويج القاصرات، كما تتمتّع المرأة التّارڨيّة بحرية اختيار شريك حياتها، وعدم إكراهها على الزواج. وتفرض الأعراف التّارڨيّة على الرجل المتزوّج حديثاً أن يسكن في بيت أهل زوجته لمدة عام على الأقل أو حتى تنجب زوجته مولودها الأوّل. والأساسي في هذا الباب هو رفض المجتمع التّارڨيّ لتعدّد الزوجات على عكس باقي المجتمعات المسلمة ذات البنية الذكوريّة.
ثالثاً: تحظى المرأة التّارڨيّة بحقها في فرض الطلاق من زوجها ولا يؤثر ذلك في مكانتها الاعتباريّة، وإذا طلقت التّارڨيّة فإنها تتمتع آلياً بحق حضانة أبنائها الذين يتحولون إلى محاربين في صفوف قبيلة أخوالهم.
رابعاً: في باب المواريث يقدّم المجتمع التارقي تصوّراً مختلفاً جداً عما نعرفه عند عموم المجتمعات المسلمة ذات البنية الأبويّة والذكوريّة، فالولد عندهم لا يرث أباه، بل يرث خاله في المال والسلطة والمكانة الاجتماعيّة ولم يتعارض ذلك مع كونهم شعباً مسلماً، ورغم تعارض ذلك مع منطوق آية المواريث فإن شعب التّوارڨ لم يجد حرجاً في توريث الثروة والسلطة على خط الانتساب الأموميّ. وبالتالي جميع هذه المعطيات جعلتنا نطلق على الإسلام التّارقيّ تسمية الإسلام الأموميّ.
وغايتنا من هذا البحث هو إبراز مدى تنوع الثقافة الإسلامية وثراءها، ما يوفّر للمفكرين نوافذ جديدة في محاولة تطوير الثقافة العربية وتحديث المجتمع العربي الإسلامي من داخل الحضارة الإسلامية وليس من خارجها، فلا ضرورة لاستدعاء نماذج اجتماعيّة غربية لا تتوافق مع طبيعة المجتمعات المسلمة.
وفي هذا السّياق المعرفي والمنهجيّ أردنا مقاربة الفهم الأصيل والمختلف للإسلام عند التّوارق، ذلك الفهم المختلف الّذي صار في عصرنا مستهدفاً من قبل التّنميط الأصوليّ للجماعات الإرهابية المتطرّفة التي غزت بلاد التوارق بعد 2011.
بارك الله فيك الاستاذة سناء قراءة جد رائعة لكتاب بن موسى حول التوارق والنزعة الأمومية