أوّلاً هل يمكن أن تضعينا في الصورة، ما الذي يحصل في السودان؟
يعيش السودان حاليًا حربًا بين الجيش السوداني و"ميليشيا الدعم السريع" التي نشأت قبل 10 سنوات على يد الجيش لمحاربة التمرد غرب السودان. هذه الميليشيا حاولت في نيسان/ أبريل 2023 أن تنقلب على الحكم إلّا أنّها لم تنجح، فقرّرت التوجّه إلى الخطة "ب" وهي الحرب، حرب ضروس خلّفت إلى غاية اليوم ملايين المشردين و7 ملايين نازح من ولاية الخرطوم فقط. تمددت الحرب إلى ولايات أخرى، ما أجبر كثيرين على النزوح إلى ولايات آمنة في ظروف سيئة جدّا.
هل يمكن القول إنّ ما يحصل اليوم إبادة جماعية؟
قوات الدعم السريع نفّذت إبادة جماعية غرب دارفور، أدت إلى مقتل 15 ألف من المساليت في بضعة أيام، وهي قبيلة عريقة في دارفور. وهذا مثال على المعارك العنيفة التي تنهي حياة كثيرين.
عرف السودان حراكاً عام 2018، وحينها كان سقف الأمل كبيراً بخاصة فيما يتعلّق بالحريات والمساواة. ما الذي حصل بعدها حتى تحولت الصورة إلى ما هي عليه اليوم؟
أعتقد أنّ وضع الثورة في الوطن العربي مُعقّد وترتبط برغبات المجتمع الدولي في أحيان كثيرة وليس بالإرادة الشعبية. وهناك سؤال يمكن طرحه، هل المجتمع الدولي يريد فعلاً أن تنعم دولنا بالديمقراطية؟
تمّ وأد الثورات لعوامل داخلية وخارجية، فدولنا تملك موارد وثروات، لذلك لا بدّ أن تبقى خانعة للنظام العالمي، فيما السلطة السياسية لا تملك قرارها وتمارس جشعها للمزيد من السلطة.
كما أنه، منذ الحرب الباردة صارت الحروب بالوكالة فيتم استغلال أي نزاع أهلي لتحقيق أهداف معينة. في السودان حاليًا قوات "فاغنر" الروسية تقاتل إلى جانب قوات الدعم السريع وتدعمه لوجيستيًا عن طريق حفتر، إضافة إلى قوات أوكرانية تشتغل مع الجيش السوداني، من دون أن ننسى الدور الفرنسي فيما يحدث في السودان نظراً لحدود البلد مع دول فرانكفونية التي تشهد حراكًا ضدّ فرنسا، علماً أن جزءاً منه لمصلحة روسيا.
كما لا يجب أن ننسى أنّ القبائل الرعوية لقوات الدعم السريع لها امتداد من السودان لكل دول الساحل على غرار الجزائر وليبيا ودول المغرب العربي. هؤلاء الأشخاص استعملوا ما يُطلق عليه "الفزع" وهو استنجاد لكل الامتداد القبلي في دول الإقليم ليساعدوهم.
أما الإمارات العربية، فقد لعبت دوراً سلبياً وسيئاً في المنطقة على غرار اليمن وليبيا، وهناك شواهد في السودان ومقالات وتقارير تُثبت تورّط الإمارات في إرسال السلاح لقوات لدعم السريع، إذ يناسبها أن يستولي الدعم السريع على السودان، لتحقيق مطامعها في إعادة سيناريو الكونغو الديمقراطية، حيث لا قوة مركزية بعد الآن.
كيف يعيش الصحفيون والصحفيات هذه الحرب الضروس، وما سبب هذا التعتيم الإعلامي؟
الوضع مرعب جدًّا، كل الصحف الورقية أغلقت ومعظم الصحفيين والصحفيات باتوا بلا عمل، سواءً لأنهم/ن نازحون/ات أو بسبب انقطاع الكهرباء والانترنت.
كما تمّ دهس صحفية اسمها حليمة تشتغل في تلفزيون "السودان بكرى" بواسطة سيارة رباعية الدفع تابعة لقوات الدعم السريع وهو اغتيال بحسب الشهود، إذ تم استهدافها وقتلها.
كيف كان واقع النساء قبل الحرب؟
في الحقيقة يعتقدُ الكثير أنّ واقع النساء كان جيداً، لكن الواقع أن النساء لطالما عانين من الفقر والعنف ومن القوانين التمييزية. إلّا أنّ الأمل كان قائمًا، بخاصة أنّ النساء عرفن طفرة في التعليم والعمل، كما أنّ الإنترنت ساعد في نقلة كبيرة لهنّ من خلال العمل "أونلاين". النساء كُنّ يحاولن تغيير وضعهن من خلال التمكين الاقتصادي الذي يحميهن من الاستبداد والعنف. إلّا أنّ الحرب حاليًا أرجعت النساء 100 سنة للوراء.
كيف يمكن وصف الواقع اليوم؟
أخذت قوات الدعم السريع النساء سبايا، نعم عام 2024 هناك نساء سبايا في السودان، يعملن تحت رحمة الدعم السريع ويطبخن للجنود. هناك نساء تمّ بيعهنّ وتمّ إرغامهنّ على الزواج. كما أنّ نسبة الاغتصاب عالية جدّاً، وهو بات فعلاً سلاحاً من أسلحة الحرب.
ما آخر الأرقام المتاحة عن أوضاع النساء حالياً؟
الأرقام ليست قريبة للواقع في الحقيقة، فقد صرّحت وحدة مكافحة العنف ضدّ النساء عن 180 حالة اغتصاب تقريبًا، إلّا أنّني أعتقد بأنّها بالآلاف بخاصة أنّ المرصد السوداني لحقوق الإنسان يتكلّم عن 8 آلاف امرأة، اعتقد أن الرقم أكبر بكثير، لكننا نعجز عن تحديده بسبب التعتيم الإعلامي.
تحدّثت سابقاً في إحدى المحاضرات عن إحراق النساء وهن أحياء، كيف حصل ذلك؟
نعم، سمعنا أنّ الأمر حصل في غرب دارفور حيث تم تنفيذ إبادة، بحيثُ تم قتل رجال قبيلة المساليت، وتمّ اغتصاب النساء وإحراقهنّ بلا رحمة.
ما هي تحرّكات المجتمع المدني اليوم وهل من حملات ضدّ ما يحصل للنساء في السودان واستغلالهن كسلاح حرب؟
هناك تحالفات تشتغل على غرار نساء ضدّ الحرب، كما أنّ الحكومة تعمل من خلال مديرة وحدة مكافحة العنف ضدّ النساء لإيجاد حلول أو مساعدة النساء بالإمكانت المتاحة. عناصر قوات العمل الخاصة التابعة للجيش يحررون النساء المحتجزات من قوات الدعم السريع.
صحيح هناك عمل فريد لكنّه في الأخير عمل توثيقي أكثر من الحماية، فتوفير الحماية للنساء صعب حالياً، لأن الأطر والجهات القادرة على الحماية من الاغتصاب أو معالجة تداعيات الاغتصاب، مغيّبة أو غير قادرة على العمل كما يجب حالياً لتلبية جميع الاحتياجات. نحن نتحدث عن بلد أحرقت فيه مستشفيات ونُهبت وتم تشريد الأطباء، ما يجعل تقديم الخدمات لضحايا الحرب من النساء وغيرهنّ، أمراً بغاية التعقيد.
هل تصل المساعدات لهنّ؟
هناك بعض المساعدات التي تصل مثل الأكل، إلّا أنّ الكثير من الأماكن غير آمنة ويصعبُ الوصول إليها. تخيّلوا أنّه هناك أماكن قام البيت بتحريرها، لكنه فوجئ بأن العائلات ماتت في الداخل من الجوع.
ماذا عن المجتمع الدولي والمنظمات الدولية؟
في الأخير، لا أحد سيأتي بالسلام من غير أهل البلد، فالمنظمات الدولية لها مصالحها، لهذا لابدّ من قوة مدنية داخلية لوقف الحرب.
كيف عاشت ريم الكاتبة الصحفية والأمّ هذه الحرب؟
في الحقيقة، كل القرارات التي اتخذتها في هذه الفترة، كانت على أساس راحة ابنتي ومصلحتها. قبل أنّ نضطر إلى المغادرة كنّا في الخرطوم، وأتذكّر أنّه لم يمر يوم واحد من دون أن نسمع أصوات الرصاص. حتى إننا وجدنا رصاصة كبيرة داخل منزلنا، كانت لحظات جدّا مرعبة.
بعدها قرّرنا مغادرة الخرطوم، وتنقّلنا بين ولايات عدة، ولأنّ صحة والدي كانت حرجة وأنا اضطررت لأن أعمل قرّرنا الذهاب إلى بلد أكثر استقراراً، ونحن اليوم في القاهرة.
ما هي توقعاتك بالنسبة إلى الفترة المقبلة؟
لديّ أمل بأن تتوقّف الحرب، وأن يحصل الشعب السوداني على الأفضل بعد توحيد الجهود. أتمنى أن تتوقف الحرب وأن نستطيع بناء ما دمرّته.
وكأن قدر السودان أن يخرج من جحيم بيدخل في آخر أفدح.
التعتيم الإعلامي على ما يحدث فعلا جريمة، ومع تكالب بعض الدويلات مثل الإمارات، وتخاذل الدول العربية، وتواطؤ دول الجوار، سيزداد الوضع تأزما.
قوات الدعم السريع هذه هي النسخة المحلية لداعش..